18 ديسمبر، 2024 7:46 م

الرجل الذي أغتيل به العراق

الرجل الذي أغتيل به العراق

طبيعة المجتمعات تختلف من بلد لأخر في كيفية إختياره الشخوص الذين يقودون دولته..
من أهم مميزات الجمهور العراقي في تحديده لإنتمائه هي الرمزية والتقديس للشخص.. وعلى هذا الأساس يتم إختيار من يقوم ببناء الدولة، لذلك لو أراد للعراق التقدم يجب أن تتوفر شخصية ذات جمهور واسع يقدسها الشعب، وذات عقلية أنفتاحية على العالم الخارجي..هذه الشخصية تستطيع أن تمزج بين الجهاد لإستعادة الأرض، والدبلوماسية في التعاملات الدولية، لجذب الإستثمارات وجعل الدولة نقطة لقاء لا ساحة صراع..

بعد ٢٠٠٣ توفرت سمات القيادة لبناء الدولة في شخصية عراقية كان لها باع طويل في العمل الجهادي، ومسيرة دبلوماسية في سياسة الأقناع الدولية، لو أستمرت لكان لها الأثر الأكبر في إيجاد عراق قوي معاصر، و النقاط التي تثبت أنه كان أمل العراق بالتقدم والإزدهار هو التالي:

أولى خطاباته التي كانت تمزج بين الفلسفة والحزم، حين قال “أن الأنتماء لمرجعية النجف فقط” التي لها دلالات سياسية عميقة، أهمها أن العراق سيد نفسه وليس تابعاً لأحد، ولا تقديم فوق مصلحة البلاد، التي هي فوق كل القرارات الخارجية، وهذه كانت رسالة إلى كل الدول الإقليمية.

ثانياً الجمهور الغفير الذي تبع موكب دخوله إلى العراق من البصرة إلى منبر النجف، خليط بين الشيبة والشباب، المثقفين والعوام، وهذه فلسفة تعتمد بالدرجة الأساس على قوة تأثير خطابه، الذي ينسجم مع تطلعات الشعب، حيث أن شهيد المحراب هو الوحيد الذي يستطيع أن يستميل كافة أهواء العقلية العراقية لصالحه، لأنها ترتكز أساساً على مبادئ قيمه ذات منظور إسلامي مدني في قيادة الدولة، يعتمد على العقيدة الوطنية التي تغيبت عن الساحة لعدة قرون، فأحياها بخطاباته التي إتصلت مباشرة بعقول الشعب..

أما أهم نقاط القوة هي الرمزية والقدسية، التي لا يخرج منها تفكير الفرد العراقي، ويرتبط بها أرتباط وثيق دائماً، وهي من أهم مميزات الشهيد العراقي، فهو من آسرة علمائية حوزوية سليلة الجهاد والمقاومة، ولها الدور الفاعل في المباحثات الأممية، التي كان نتاجها تحرير العراق من دكتاتورية النظام البائد، وأرساء الديمقراطية الحديثة وسط منطقة عربية لا تفقه سوى حكم الممالك..

كل هذه الصفات وهذا الحشد الكبير، كان هو التهديد الحقيقي لخفافيش الداخل ولشياطين الخارج، لأنه لو أطيع في رؤيته لكيفية الحكم، لكان بلدنا هو المحور المتطور في المنطقة، لذلك أتفق المتخاصمين على أغتيال العراق بإغتياله في الأول من رجب اثناء أداء صلاة الجمعة..

ليسقط شهيداً كما سقط شهداء الحشد، وليتلاشى جسده كما تناثرت أحلام العراقيين بعده.. ليوارى ما تبقى من جسده التراب، و دفنت معه تطلعات الشباب وآمال العراقيين، ففي رحيله لم يغادر العراق خريف الأعتدال، وقبع في ربيع الإرهاب، ولم تنهض بعده سوى قوى السلاح، التي لا تعرف للحوار غير منطق الرصاص، ليترك شهيد المحراب شعباً كان يعقد كل الآمال عليه.. عاش مجاهداً للحق، مقاوماً لأجل الحرية حتى سقط شهيدا، ليغتالوا العراق بقتله.