4 ديسمبر، 2024 10:06 م
Search
Close this search box.

الربيع العربي وزواحف العتمة

الربيع العربي وزواحف العتمة

لعل ثقافة الغزو هي الاخطر من بين الطقوس الجاهلية الأعرابية التي حاول الاسلام الحنيف نبذها  وانهاءها ! لكنها بما تمتلك من مغريات ووجوه واقنعة شابت الاسلام كثورة نهض بها الفقراء من العرب والاعراب وغيرهما من العروق الفارسية والافريقية ! وكما كان الغزاة الجاهليون يمتلكون بيرقا وصيحة يجتمعون حولهما مثل يالثارات كليب ويا اخوة فاطمة ثم يهجمون على الضحية هجمة رجل حاقد واحد يقتلونه ويفتكون باولاده ثم يسبون نساءه ليتخذوا منه الجميلات والصغيرات عشيرات وضجيعات ومن الكبيرات خوادم ! فقد استطاع الفكر الجاهلي ومن خلال قبيلة قريش التي حاربت الاسلام بكل ثقلها وكانت  صاحبة الكعبة والتجارة في الجاهلية فاحتفظت بهاتين الميزتين مع اضافة اسلامية جديدة وهي اعتداد قريش أشرف القبائل ! هي اشرف القبائل من حيث ان النبي الامين قريشي اما دون ذلك فليس لعامتها فضل في شيء !! وبعد رحيل النبي الامين الذي تفاجأ به العرب انصارا ومهاجرين ولم يكونوا مهيئين له ( من كان يعبد محمد فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لايموت – ابو بكر الصديق رضي الله عنه )  ! هكذا اتخذت الامور مسارا مختلفا وغير متوقع بحيث اصبح رموز الثورة الاسلامية ضحايا الثورة نفسها مثل ابو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وسواهم ! واختلف القادة المسلمون على دست الحكم بعد النبي صلعم وما كان لهم او عليهم ان يختلفوا ( !! ) فيخيبوا احلام المسحوقين من المسلمين وهم الاكثرية غير الضاغطة ! وكل يتخذ من الحديث النبوي الشريف والقرآن الكريم  وطقوس القبيلة براهين على الاحقية في الحكم ! واستقرت الامور على السطح هادئة باردة ولكن ما هو تحت السطح  ليس ثمة سوى  براكين وزلازل كارثية واستعمل سلاح ثقيل وقذر وهو اتهام المعارضين للسلطة بالكفر والمروق والردة وحاق ذلك حتى بالغيارى من المسلمين ! وسالت الدماء الاسلامية بعد الاسلام  اكثر مما سالت قبله ! وعادت القربى رادع العرب الاقوى :
إذا اشتجرت يوما وسالت دماؤها   تذكرتِ القربى فسالتْ دموعُها
و ارتبكت السلطة حين اكتشفت انها غير قادرة على توزيع الثروة والمناصب وحفظ الأمن في منطقة الجزيرة فقوة القبيلة ومنطق ثوار الخارج اي الانصار وثوار الداخل اي اهل مكة فتك بالثورة والثوار !  قررت السلطة تسييس الاسلام وعسكرته ! من خلال التركيز على الفتوحات  !! ولم يكن في بال اؤلي الأمر ان تكون الفتوحات ولو في بعضها عودة لطقوس الغزو البدوي  الجاهلي  والقبلي ! وتعرض  الاسلام وهو الدين الحنيف العادل اكثر من بقية الاديان والطوائف الى  الوضع والتحريف ! ففي البدء كان الفتح لمدن المشركين واليهود والمرتدين وحين نجح وحقق مكاسب مادية ومعنوية وأمنية ملموسة وبات الناس يخشون بطش السلطة فاستقر الأمن واكتنز بيت المال وعرف الزعماء المسلمون بناء المحابس والسجون والمسالح ! فبات القرار الامعان في الفتح ! فخرج الفتح  من الجزيرة بعد ان ضاقت به واتجه الى الاقاصي البعيدة فاذا كان العربي الصليب غير قادر على الاعتراض في مربضه وهو الجزيرة العربية فكيف بالبربري مثلا في شمال افريقيا وكيف بالشعوب الفندالية في اسبانيا ؟ وفي عصرنا الحديث استعمل صدام حسين الغزو فغزا الكويت وبعد ان طرد منها غزا مدن النجف وكربلاء والناصرية كما غزا مدن الرمادي والموصل بل وحتى تكريت لم تسلم من غزوه ! وفي كل الاحوال فالعقل العربي معروف بابتكار مسوغات الحرب او السلام منذ القدم ! وصارت الاعياد فرضا على المسلم وغير المسلم ثم اختلف المسلمون في مواقيت الاعياد وترتيب الاهمية ! فالمدن تبدو نظيفة جميلة في الاعياد والناس فرحون شكلا يرضي اؤلي الامر او متظاهرون بالفرح ! ومر عهد مازالت عقابيلة بيننا هو ان يتهم العربي بالشعوبية  اي غير عربي ويقتل المسلم بحجة الزندقة اي الكفر ! وكان الوقود لهذا الانحراف خيرة المفكرين الذين لم يبايعوا الحاكم ! واليوم صارت الاعياد عبئا على الفقراء والمعارضة والمشردين في الاقاصي مع انهم في اغلبهم يصلون ويزكون ! ومع هذا التداعي المؤلم فالقادة العرب يتبادلون التهاني بالعيد وتنقل الفضائيات  طقوس الاستقبال والاحتفال ! فكيف يشعر الحاكم المفتقر للخبرة ( ناهيك عن المروءة والوعي المؤسساتي ) ان يستشعر عن بعد حاجات المحكوم ؟ يقال ان احد  المعلمين كلف طلابه لكتابة موضوع في الانشاء عنوانه الفقير في العيد فكتب ابن احد التجار الكبار ان سائقهم فقير مسكين لايستطيع ان يشتري سيارة واذا اشترى لايقوى على دفع راتب السائق بل ان الفقير لايستطيع شراء الملابس للخدم ! الطالب كان صادقا فهو يعرب عن حياته المرفهة بحيث ان الفقير عنده هو الذي لايهدي الى خدمه هدايا العيد !! واعيادنا اليوم طقوس فلكلورية مفرغة من اعادة انتاج روح العيد في تكريس قيم التسامح والمحبة والسلام !  باتت الاعياد ارثا ثقيلا على المجتمعات المسحوقة ! كيف يواجه رب العائلة متطلبات عائلته في العيد ان كان عاجزا عن متطلباتها اليومية الاعتيادية ؟ ان الجدير بالمحتفلين المُعَيِّدِين ان يعيدوا النظر في ممارسة طقوس العيد ليس باتجاه الغائها بل باتجاه تفعيل هاجس الخير فيها !  ثم اي عيد نفرح فيه والمحتل يضيف  ما يريد ويمنع ما يريد ؟ اي عيد  والسلطة تنفرد بالقرار  وتضم الى دائرتها المؤسسات المحايدة غير الحكومية مثل القضاء والبرلمان والإعلام ! اي عيد  والفقراء العرب والمسلمين يرزحون تحت هاجس المسدسات كاتمة الموت والصوت معا  ! هل على المظلومين والمسحوقين حرج ان لم يحتفلوا  في الاعياد لأنهم حزانى ؟  لكن الربيع العربي بات عيدا متواصلا وصار مقياسا لحضارة الانسان وفيسبوكيته وتويتره هل ثمة حرج  لو أعلن المتضررون  الحداد على القيم المسفوحة والمباديء المذبوحة ويمزقوا اوراق التاريخ الذي ضللهم قرونا طوالا  وزعم لهم امجادا  عروسلامي ما كانت  يوما ولكن المؤرخين اخترعوها لحساب السلطان الكئيب  ووعاظه ! هل ثمة عيد او ربيع في خريف الحضارة والرقي ؟ والاوطان  تتهدم حجرا حجرا  امام اعين الجميع كما تمنى اشقاؤنا الكويتيون للعراق ذات يوم كجزاء لوقفة العراقيين معهم ضد اجتياح صدام حسين للكويت المشؤوم ! لقد انتبه الحس الشعبي لممارسة العيد في زمكان الحزن !! ففي الاربعينات من القرن العشرين انتشرت في العراق قصيدة الهجع اي تطلب النوم واخذ كل شاعر معروف او مجهول يزيد عليها من عندياته لتغتني بالحسرات الشجية المبتكرة ! البداية كانت :
اجلبنك يليلي اثنعش تجليبه
تنام المسعدة وتكَول مدريبه
ولعل اجمل ما اتذكره في ذلك العهد  اضافة لشاعرشعبي  مجهول في الهجع ———
لو فز النفل  يشفه الجرح بينه 
اصيح ابصوت يلوي  الصخر يشجي البيد
اصيح وصايحي ما ينسمع شيفيد
هذا العيد والعيد المضه وكل عيد
اريد اللي يهنينه يعزينه
فكيف بهذا الشاعر المجهول  لو ادرك هواننا وزماننا هذا في الالفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين ؟؟ نفط يشخب صباح مساء ويوفر المليارات الفلكية من الدولارات وبطالة وجوع وهجرة واغتراب ! رجال دين وسياسة نجوم مخضرمون يسقطون تحت حوافر الطمع والسلطة ! او سنابك الرهبة والتهميش ! فكأن الحرائق لن تأتينا  حين تلتهم جيراننا  ! فلاينبس رجل الدين  بكلمة حق وان اراد وكل الصبيان لينطقوا  باسمه  ! دول عظمى ضاغطة يخدعها ساسة  وادعياء وسماسرة من العراق او السعودية  او مصر او ليبيا  .. الخ !! لتخوض حروبا تقصم ظهرها  وسمعتها واقتصادها ! دون ان تضع اسماء اولئك المخادعين  والممولين للارهاب في سجل الشرطة الدولية للقبض عليهم ومحاكمتهم ! نعم :
ولقد شاعت اعياد جديدة ابتكرها الربيع العربي !! وشعارها القتل في اجواء التكبير واللحى ! حقاً أثمة ربيع عربي  ؟ هل نحن واثقون الثقة الكافية بمصير ها الربيع  ؟ ام ان  زمناً اعرابياً  جديداً  وخيبات نضالية مضافة  ستلحق بالشبيبة الحالمة ؟!! نعم فللمرة الالف يختطف الفكر المتخلف عن العصر والحضارة  عرقَ الشباب واحلام الشباب وثورة الشباب ويزعم  انه  البديل الموعود عن الانظمة المنحطة لأنه يحكم باسم الله وتحت شعار الله اكبر   !!ففي مصر سرق العسكريون  ثورة الشعب المصري  العظيم بعد ان نضجت ضد الملكية وحولوها  في يوليو  1952 الى غزوة  تعود غنائمها للجيش الذي ورطهم بكوارث لاتعد ولا تحصى بينها كارثة 5 حزيران 1967 !! وها هي ثورة الشبيبة  المصرية في   جنوري كانون الثاني في 2011 يعتدها الجيش غزوة جديدة بينا يتلمظ الفكر السلفي والاخواني لتقاسم السلطة ومن بعدها الانقلاب على الدستور !! العراقيون سرقت ثوراتهم في 1914 / 1918 / 1920/ 1936/  1941 / 1949 / 1958 . !! الرجوعيون  عسكريين كانوا ام مدنيين اسلامويين كانوا او علمانيين ! تجارا كانوا او اقطاعيين او عنصريين  او سياسيين عملاء ! كانوا اضحوكة بين الناس في الماضي ولعنة على عوائلهم وأحزابهم لجهلهم بمباديء العصر والحداثة   !!  فركبوا الموجة وتعلموا اليوم فتح صفحات في الفيسبوك والتويتر والحصول على الدكتوراه باي موضوع كان واي ثمن  وحذقوا الحديث عن البرلمان والديموقراطية وحقوق المرأة وكفالة العجزة ! وضرورة صندوق الاقتراع لكي يستقر الوطن والمواطن !! وجربوا لبس الربطة الحمراء بالجاكيت والبنطال  كي يسرقوا احلام  الشباب وثورتهم  للمرة الالف !! فإن كان ولابد من ربيع  فلنسمه  ربيع الفكر السلفي ربيع يوسف القرضاوي !! وليس ربيع   المناطق المحررة او التي ستحرر  ( كذا)  في تونس اليوم  وليبيا والجزائر والمغرب ومصر واليمن في فلسطين والبحرين في سوريا في الاردن وقس على ذلك غزوات قروسطية باسم الاسلام الحنيف والاسلام بريء منها !! فلماذا الفرح بهذا الربيع  المموه  !! هذه تونس يختطفها حزب النهضة  الاسلامي المتزمت قسيم السلفيين والاخوان المسلمين ! وتلك مصر وهذه ليبيا تمنح المرأة حقها في اول تصريح وهو الغاء قانون الاحوال المدنية الذي يكفل للليبية زوجا لاتشاركها فيه زوجات محضيات فيقرر تعدد الزوجات تحت مظلة الدين الذي لم يفقهوا منه سوى اشكالات الجنس !! ان  الناس  يتساءلون  عن كيف يحتفلون ولماذا ؟؟   يحتفلون لاي مسوغ مع ان العيد طقس محبب ديني دنيوي !وفي حال ان يكون العيد وطنياً او دينياً  فالسؤال هو  أين الوطن حتى نحتفل بل اين الدين لكي نبتهج   ! مثل قريب لايبعد كثيرا عن الربيع العربي وهو هؤلاء النواب العراقيون مثلا مثلا  الذين خدعونا بالثورة البنفسجية المزعومة اكتشفنا ان اكثرهم لايعرف  ربا ولا شعبا وها هم يحجون  الى البيت العتيق للمرة الخامسة او العاشرة ربما او يعتمرون باموالنا نحن ! اموال  العراقيين ويتبادلون القبل والتهاني بالعيد فوق جماجم شهداء المقابر الجماعية التي لم تنصف بعد  ! فأين مؤسسة النزاهة عن هؤلاء الحجاج البرلمانيين ؟ بل اين الفتاوى الدينية التي تبطل حجهم !  بل اين القضاء العراقي  منهم  ؟ هوذا الشعب العراقي ينتقل من محنة الى محنة ومن سلطة الى سلطة ومازال اكثره  يعاني الجوع والمرض والموت المجاني بل وزاد الطين بلة  هو تشويه ارادته الانتخابية  ومسخ صورته الحضارية وتلويث رؤيته الاستباقية  وتبضيع ترابه الوطني !! العراق  الذي عجزت عن تبضيعه اعتى القرون وادهى الفاتحين والجبابرة  !!  كيف يتبضع اليوم باسم دستور كتب في ظل المحتل وصنعه عراقيون بعضهم قبض ثمن سكوته عن التجاوزات والآخر قبض ثمن دس فقرة ما تسهم في تشقيق العراق ! العراق لايشكل مثالا مغايرا بل ربما يكون الشر في العراق اهون الشرور فالعراق وفر كرامة للعهد الصدامي من خلال محاكمة عادلة ! فاين منه محاكمات مصر لمبارك ؟ بل التمثيل بالقذافي وابنائه واصحابه وهم احياء !!  ان  دور المثقفين وبخاصة  الاعلاميين والمبدعين والكتاب والاكاديميين والخبراء اصبح مطلوبا  وصعبا اكثر من اي وقت !! ان المحاصصة تزحف نحو بلدان الربيع العربي التي اتخذت من يوسف القرضاوي عرابا ومفتيا ومعلما ! العوائل الحاكمة والاحزاب والكتل انما حكمت بتفويض من بعض  رجال الدين ونجوم الافتاء في البلاد العروسلامية سنة وشيعة ! من الشمال الى الجنوب ومن الشرق حتى الغرب! ما ضر السلطات لو جربت استكناه راي  المستقلين المتنورين  بعد ان طبقت في البلد العروسلامية لو نبذت نصائح البطانة والمقربين و   الحزبيين  والطائفيين  ؟ واستنصحت التكنوقراط الوطني او العربسلامي ؟ لماذا يخشون الكفاءات حتى البسيطة منها كما لو انها بعبع مرعب ! هي  كفاءات ما احوج البلد اليها لو صدق السائل والمسؤول !! مثال عراقي مجرد مثال  ولتكن صدور زملائنا  مفتوحة لقبول العتب البسيط ولا نقول النقد  !! إذ ما بال بعضنا  حين توجه السلطة  دعوة  له – بما يشبه الهفوة – لماذا يغرق  في شبر ماء  !! مثقف او خبير له  تاريخ في مقارعة السلطات الغاشمة وبدلا من ان ينصح هذا المدعو  السلطة ويحذرها من مغبة الاخلال بشروط العقد الاجتماعي ويقترح عليها  مقترحات جمعية للخلاص من المأزق ! ثم يكتب شيئا من حواره ونصائحه للدولة نراه يفاجؤنا بمديح فصيح لرموز السلطة  بمختلف المستويات ويعرض خدماته كشخص لهذا المسؤول او ذاك  لتسويقها في بازار المحاصصة التي يشتمها في النهار والليل !! بحيث نفغر افواهنا دهشة واسفا على اولئك المحسوبين على الثقافة والنضال الكلاسي يسقطون على فتات الموائد المشبوهة  ! نحن لسنا ضد من يتذكر محاسن السلطة فهو حر ولكننا نحتقر من يشتم السلطة في العلن ويبوسها في السر ؟ نحتقر من يشتم الاحتلال نهارا ويتفاوض معه سرا ! او يقبض رواتبه منه ؟ زمننا لايمكن ان يستغلق عليه مبهم ! يا إلهي  ما الذي حصل للوعي العربي الاسلامي  الذي يزعم الريادة  ؟ انها دعوة للمحتفين بالربيع العربي لكي يفتحوا عيونهم جيدا  و ليبادروا  الى تنظيم الصفوف وفتح صفحة جديدة وجادة  للوشائج الكفيلة بانتشال البلد مما حاق به ! .

أحدث المقالات