24 مايو، 2024 12:33 م
Search
Close this search box.

الربيع العربي …وحرائق الفوضى الخلاقة

Facebook
Twitter
LinkedIn

نقر أن سعي الشعوب العربية نحو الديمقراطية مطلب أكثر من مشروع ، وأن الربيع العربي قد نشأ واتسع نتيجة خلل بنيوي متراكم في الانظمة العربية الحاكمة .. خاصة القومية والعلمانية ( لانها جاءت للحكم رافعة شعارات التحرر والبناء والوحدة العربية والمساواة الاجتماعية لتنتهي بديكتاتوريات استبدادية فاسدة تتمحور حول تأليه الحاكم ، صادرت الحريات وحق المواطن بالعيش الكريم فعجزت عن بناء دولة مؤسسات فاعلة متطورة ، وفشلت في معالجة اتساع رقعة الفقر والتمايز الطبقي والاجتماعي ، فهيأت لظهور الفساد المالي والسياسي والاداري الذي لا يخدم الا قلة تحيط بالحاكم )..
   ويكفي ان نقارن مستوى التطور الكبير الذي وصلت اليه دول اسيوية كماليزيا وتايلاند واندونيسيا وكوريا  بالمستوى المتدني الحالي لدول عربية كمصر ثم سوريا والعراق بدأت برامج تحديث وتصنيع قبل تلك بزمان. وطبعا لا يمكن اغفال التأثير السلبي للصراع العربي الصهيوني الذي استنزف الموارد العربية واعطى الحجة للحاكم لان يستبد بحجة ” لا صوت يعلو على صوت المعركة ” .
  اضطر الغرب بقيادة اميركا لمسايرة تطلعات الجماهير العربية نحو الديمقراطية بعد ان فوجىء بحراكها وتخلى عن حكام حلفاء خدموه عشرات السنين …. لكن دعونا نتسائل : هل الديمقراطية الحقيقية تصب في مصلحة هذا الغرب وحليفته اسرائيل؟ خاصة وان هذه الاخيرة ومنذ اكثر من نصف قرن تسوق نفسها انها واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء التخلف والاستبداد العربية ؟
   الديمقراطية الجديدة تكون ملائمة للغرب عندما تكون على مقاسات محددة تناسب مصالحه … لذا كان لا بد من التدخل لتفريغ الربيع من محتواه الاجتماعي والسياسي وحرفه باتجاه اصلاحات ديمقراطية شكلية باهتة لا تتناسب وتضحيات الجماهير.. وهكذا صرنا نشاهد اليهودي الفرنسي برنار ليفي يجول في ميادين الاحتجاجات في القاهرة وتونس وليبيا ويجول على معسكرات المعارضة السورية في جنوب تركيا ويستقبل بترحاب وكأنه أبي الثورات، كما القت السلطات المصرية على عدد من ضباط المخابرات الاميركية والاسرائيلية مندسين بين الجماهير ( هل لنا ان نقول ان هؤلاء كانوا يتعاطفون مع الثوار؟ ..) .
   لم يتوقف الامر عند هذا الحد بل سارع الغرب المنافق لاستغلال الربيع في تحويل نيرانه التي كان مؤملا أن تتجه خليجيا حيث الانظمة اكثر ديكتانورية وتخلفا وان استطاعت بفضل النفط بناء دول رفاهية لمواطنيها سكنت الجماهير ولكن الى حين ، الى اتجاه اسقاط انظمة عربية  تعيش نفس حالة الانظمة العربية الاخرى الا انها لا تتناغم مع سياساته فبدأ بسوريا لتنتقل الحرائق الى جوارها ثم الى الجزائر والسودان ( السناتور الجمهوري ماكين مرشح الرئاسة السابق قال عندما زار ليبيا أثناء ثورتها ان الدور سيجيء الى سوريا خلال سنة ثم ايران بعد 3 سنوات والجزائر ..يعني عيش وشوف… وهذه هي خطط المحافظين التي ورثها السيد اوباما ويطبقها بأمانة لانها ستراتيجية دولة ) .
   الوسائل المستخدمة في حرف الربيع العربي كثيرة وأهمها ما يعرف بـ” الفوضى الخلاقة ”  الذي عملت اميركا وحليفاتها الغربيات عليها ، وبدأت بالعراق الا أنها توقفت بسبب ما عرف بالمستنقع العراقي الذي علقت فيه اميركا  ودفعنا ثمنا باهضا لهذه الفوضى التي بدأت بالمحاصصة المذهبية والقومية التي تتسبب لنا في سلسل لا تنتهي من المشاكل ولم تنته بالدستور الملغوم…. ثم جاء الربيع ليعطيها زخما جديدا ( هل تتذكرون زيارة كولن باول حال احتلال العراق الى سوريا ليسلم الرئيس الاسد مذكرة مطالب على سوريا تنفيذها والال فالدور قادم اليـها ؟) .
  الفوضى الخلاقة مشروع معقد وما يعنيه  باختصار : تفتيت شعوبنا العربية ودولها الاقليمية الى مكونات  متصارعة صغيرة وفق الطائفة والمذهب والعرق  …. وتقسيم الاوطان على قياسها ، فيغرق الجميع في صراعات لها بداية وليس لها نهاية … وينتج عن هذه الفوضى واقع بابعاد جيوبوليتيكية وتاريخية جيدة يسهل تشكيلها وتكييفها لتلائم اهداف الغرب  .
   ولغرض انتاج هذه الفوضى فلا بد من تأجيج المسألة المذهبية العرقية الطائفية … وهي حقيقة قائمة ليس في عالمنا العربي ، وانما في كل مكان في العالم  ، لكن تم التركيز على هذه المسألةلانها الخلاف الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه وسط المشتركات الواسعة التي توحد شعوبنا . فالستراتيجية المذهبية هي اداة تفتيت وزرع الكراهية بين المواطنين على مستوى الاقليم والبلد والعالمين العربي والاسلامي ، ثم يمتد التشرذم حسب قاعدة الاواني المستطرقة حتى ضمن الطائفة الواحدة والعرق الواحد ليتنقسم الى شيع متناثرة .
   البعض قد يقول ” لقد مللنا نظريات المؤامرة الاجنبية ” ، وهذا جدا صحيح في كثير من الامور عندما نحاول بدلا من الاعتراف باخطائنا تعليقها على المؤامرة الخارجية ( وطبقتنا السياسية صارت خبيرة في اتهام الخصوم بتنفيذ المؤامرات الخارجية بمناسبة ودون مناسبة )….. فلكل طرف اقليمي او دولي اجنداته في منطقة مهمة كمنطقة الشرق الاوسط واهداف يحاول تحقيقها ، وبدون وجود ادوات محلية لما استطاعت مخططاته ان ترى النور …
      الا أن ستراتيجية الفوضى الخلاقة هي ستراتيجية حقيقية وضعت في عهد بوش السابق وروجت لها كونداليزا رايس ( لكن السقوط الاميركي في العراق وفشل اسرائيل في استئصال حزب الله في لبنان بحرب 2006 أرجأ الامر ) لتقسيم جديد لمنطقتنا..حيث لم يعد تقسيم سايكس بيكو صالحا لانه لم يحول دون نشوء قوى عربية كبرى قارعت الاستعمار الغربي والاحتلال الصهيوني وعملت على بناء نماذج وحدة عربية .  أن امل تفتيت العالم العربي قديم  .. فبعد انتصار اسرائيل في حرب 1967 سأل مراسل الـ بي بي سي وزير الدفاع الاسرائيلي حينها موشيه دايان : ” هل تعتقد ياجنرال أن هذه اخر حروب اسرائيل مع العرب ” ، فأجاب دايان : ” لا لن تتوقف الحروب مع العرب الا عندما يقلعون من ذهنهم نهائيا فكرة أن الشرق الاوسط  كتلة واحدة وفكرة الوحدة العربية .. بل العالم العربي موزائيك بين شعوب وعشائر وطوائف ومذاهب ” ، وقبلها كتب بن غوريون مؤسس اسرائيل ” لا يهدأ بال الدولة اليهودية ولا يمكن ان تشعر بالامان الا بتفتت كل الدول العربية المحيطة الى دويلات مذهبية تكون اسرائيل الاقوى بينها “
   وبالفعل تم استغلال الربيع العربي ضد أنظمة الحكم الفاسدة لتمهيد الطريق أمام صعود التيارات الاسلامية الى السلطة عبر تحالف مع اميركا والغرب وبعض الانظمة الخليجية التي من مصلحتها نشر الفكر الديني بكل فروعه الاخواني والسلفي لان ذلك يتلائم مع مصالحها والتخلص من الفكر القومي الذي كانت مواقفه تحرجها… وتدخل وزارة الخارجية والمخابرات الاميركية في نرجيح كفة الاخوان في الانتخابات المصرية معلوم . والسؤال لم التحالف مع اتيارات الدينية ؟ الجواب لان هذه التيارات شيعية كانت او سنية ، لا تعترف بالعروبة كجامعة قومية للعرب ولا حتى بالحدود الاقليمية  لانها تقدم الولاء المذهبي والطائفي على اي ولاء آخر . كما ان التيار الديني براغماتي قادر على ابتلاع كل شعاراته وكلامه عن الغرب الاستعماري وتحرير الارض العربية ..الخ من كلام صدعوا رؤؤسنا به حالما تعقد الصفقات مع رأس الشر (حسب ادبياتهم اميركا والغرب الكافر) الذس يتكفل بتسهيل وصولهم الى السلطة ……وايضا بسبب التوجهات المذهبية لهذه التيارات فانها ستكرس رؤياها ومناهجها الفئوية المذهبية في الحكم مما يسهل قيام محاور صراع طائفية مذهبية طولا وعرضا ، بحيث تتقدم هذه الصراعات ومنها السني – الشيعي عل غيرها من الصراعات وما يتفرع عنها من صراع عربي ايراني لاغراق المنطقة بصراعات جديدة ،  وهكذا تتحقق الفوضى الخلاقة ( بمعنى اخبطهة واشرب صافيهة ) .
    مايهمنا هو أن نعرف أن الانغماس بسياسة المحاور والصراعات الطائفية وفقا لفوضى اميركا انما يعني القاء النفس في الاتون المشتعل بارادتنا دون أن نحقق شيئا من ورائه الا الخراب .  الا يكفي عشر سنين من الفوضى الخلاقة في العراق التي دمرت البلد بلا طائل يلمسه المواطن انعكاسا على تحسن حياته . وهل استطاعت محاور الصراع الطائفي والعرقي في السنين الفائتة أن تبرهن انها ستراتيجية حكيمة لقيادة دولة ؟ والانغماس بصراع عربي – ايراني او سني –شيعي  وعربي- كردي وغيره سيجلب من الحرائق اكثر مما يطفىء ، ما يجري في العالم العربي وخاصة الحريق المشتعل في سوريا ومايراد اشعاله من حريق جديد في العراق يندرج ضمن ستراتيجية الفوضى المطلوبة لانها فوضى خلاقة للغرب لان ثمن صراعنا ( أو قل أشلائنا  )سيحصدها عاجلا  ، الا انها مدمرة لنا لاننا ندفع ثمنها غاليا .
   متى نعي أن الربيع العربي قد تحول الى شتاء مجدب فلا حاجة لنا فيه ، ومتى تعي الطبقة السياسية والراكضون خلفها بوعي أو من دونه أن الصراعات الاقليمية تدخلنا في دوائر التدخل والاستهداف الخارجيين اللتي نحن في غنى عنها، ويجب عليها ان توقفجدلها العقيم حول جنس الملائكة ومحاكمة التاريخ الغابر ، وأن تستوعب حقائق المرحلة ، فلا شيء يدخلها التاريخ الا نجاحها في خلق نموذج حكم رشيد ودولة مدنية عصرية، مما يعني أن تجبر انفسها على تقديم التنازلات في صراعاتها البينية الضيقة لايقاف حرائق الفوضى الخلاقة المتربصة ببيتنا بدلا من أن تفتح الباب بنفسها لها سواء عن تعصب في غير موضعه أو عن جهل بحقائق الجيوبوليتيكا والتاريخ …. فهل هناك من يسمع ؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب