سؤال مهم ومثير للجدل وقد أثاره كثير من المحللين وذلك عندما أخذ الجانب الأمريكى فى تأييد الثورات خاصة بعد سقوط الأنظمة العسكرية التى كانت حليفة لها ووضح أن الإسلاميين هم الذين سوف يسيطرون على المشهد، فقبل ظهور الإسلاميين فى تونس وسوريا وليبيا كان واضحا تردد الأمريكيين فى مناصرتهم للثورة، ولكن بمجرد وضوح الرؤيا ألقى الأمريكان بثقلهم خلف التيار الإسلامى القادم للحكم، ومن المستحيل القول هنا أن أمريكا بعد عدائها للإسلاميين واتهامهم بكل الاتهامات سواء المعقول منها أوغير المعقول، أنها وثقت فى التيار الإسلامى والقت بكل أوراقها بين أيديهم، لكننا نستطيع القول إن هناك ثلاثة أسباب جعلت أمريكا تتعامل بل وتتعاون مع ما يسمى بتيار الاسلام السياسي
أولها الخبرة التاريخية: فلقد اختبرت أمريكا التيارات الإسلامىه بجناحيها الشيعى في ثورة إيران والسنى بحركه مجاهدى أفغانستان، وفشلت فى التعامل مع هذين التيارين فلجئت الى طريقه الترويض والاحتواء فقد ابتدء الأول بأزمات متلاحقة ومتصاعدة ادركت امريكا ان النظام الملكي في ايران كان يتهاوى وسقوطه مسألة وقت وعلم الغرب ان من سيصل الى الحكم بعد الشاه هو احد اثنين إما الشيعة وإما الشيوعيون وبما أن الحرب الباردة كانت في اوجها آنذاك فكان خيار وصول الشيوعيون الى الحكم في ايران مرفوض جملة وتفصيلا فهذا يعني وصول الاتحاد السوفييتي الى الخليج العربي وتهديد مصالح امريكا فيه تهديدا مباشرا ولربما لو حصل هذا الامر لم يسقط الاتحاد السوفييتي الى الانفكان الخيار بالسماح للشيعة بالوصول الى الحكم ولا ننسى ان الخميني كان في فرنسا قبل ان يعود الى ايران
وعلى عكس ما يظهر بالاعلام العربي والغربي ليل نهار فالنظام الشيعي في ايران خدم امريكا كما كان يخدمها الشاه واكثر فهو من فتح مجاله الجوي لقصف المجاهدين في افغانستان وهو الحليف الاستراتيجي في العدوان على العراق وهو فزاعة جيدة لتخويف الخليج وهو اختراق ممتاز لصفوف العالم الاسلامي لان الشيعة احد شقي التيار الاسلامي
ولكل ما سبق فقد اصبح الجناح الاسلامي الشيعي الوسيله المستخدمه لاهداف الغرب وبتدء الثاني بالتسليح والامداد والرعايه والتبني لانهاك القطب الثاني ومن ثم سقوطه وانتهى (بالمواجهة المفتعله مع التيار السنى) بتدمير برجى التجارة العالمية فى نيويورك فى عملية انتحارية مذهلة لم يثبت لحد الان بالدليل القاطع قيامهم بها ام ان ماكنه الاعلام الرهيبه نجحت في الصاقها بهم؛ ومازال التلويح بهذا التهديد لأمريكا والغرب مستمرا على مستوى العالم يتصاعد احيانا ويهمد احيانا وبذا فقد اصبح الوسيله ايضا لاستباحه مناطق مهمه في العالم يعتمد عليها الاقتصاد العالمي بشكل عام
ثانيها وسطية الإخوان وتنظيمهم: لأن الوجه الظاهر للإخوان هو وجه مختلفا يعبر عن الوسطية بين تطرف المجاهدين والجماعات الإسلامية المتطرفة من ناحية والإسلام الوسطى من الناحية الأخرى، والذى كان مؤيدا وبشدة للحكم العسكرى فى الماضى القريب وقد وضح أن الحكم العسكرى القومى روض الزخم الثورى المعارض والذى كان يمثله الأزهر قبل ثورة 23 يوليو، فضلا على شعبية الإخوان على الأرض وتنظيمهم.وتاتي تجربه الجناح التركي للاخوان في الحكم وقدرته على السيطره على بلد حكم بمفهوم علماني على مدى قارب القرن واستطاعته الموازنه بين التركيبه الحضاريه العلمانيه للدوله واسباغها بالغلاف الاسلامي لتكون نقطه انطلاق رئيسيه للبحث عن انظمه مشابهه في منطقه تعتبر بمفهوم العلم السياسي والعسكري بؤره غليان معرضه للانفجار بحكم الضغط الشعبي
ثالثها الوصول لحل القضية الفلسطينية حلا نهائيا وذلك من خلال معاهدة سلام بين دولتى إسرائيل وفلسطين، ظنا منها أنه لا أحد يزايد على إسلامية الإخوان وانتمائهم للعالم ولذلك تكون معارضة معاهدة بهذا الشكل ضئيلة وغير مؤثرة كما حدث فى المعاهدة الإسرائيلية المصرية عندما كان حزب الليكود الإسرائيلى المتطرف فى الحكم بقيادة مناحم بيجن. خصوصا بعد ان اثبتت تجربه النظام الاسلامي التركي ان صبغته الاسلاميه ودفاعه عن القضيه الفلسطينيه لا يشكل عائقا امام احتفاظه بروابط عميقه وممتده مع ما يمثل العدو الرئيسي المفترض بحكم اصوله الدينيه
لكن هل يمكن قبول كل هذه الأسباب والقول بأن هناك طمأنينة وتحالف قوى بين الإسلاميين والأمريكان بدون أهداف أخرى خفية سوف تظهر مع التعامل فى المستقبل؟ هل يمكن لأمريكا أن تسلم قيادها للإخوان، والعكس؟ ام انهم الوسيله الجديده في حلقه الاستحواذ والاستيلاء والتبعيه من دون استنزاف مالي وبشري هناك فى الكواليس الأمريكية عدة قصص تتحدث عن أن هناك أبعادا أخرى لدى السياسة الأمريكية. فلم تكن أمريكا فى يوم من الأيام بهذه السذاجة ولن تكون، ثم من المستحيل أن تتحالف أمريكا مع التيار الإسلامى ويكون اللوبى الصهيونى سعيدا بهذا التحالف إن لم يكن فى الأمور أمور لذا فالتتحليل الموضوعي لمثل هذا الدعم يضعنا امام سيناريوهان لا ثالث لهما تعتمد على اسس
الأساس الأول هو عدم استخدام الجيش الأمريكى العنف ضد الإسلاميين بكل أطيافهم كما كان أثناء حكم المحافظين والدليل على ذلك أنه منذ تولى أوباما الحكم وهو يعبر عن إدانته للأخطاء التى وقعت بإرسال الجيوش الأمريكية للعراق وأفغانستان.. إلخ. ولعل أمريكا لم تتدخل لتحرير شمال مالى من رجال القاعدة، وتركت لفرنسا هذه المهمة وأيضا هى ترفض التدخل فى سوريا، وتركت هذا الأمر للاتحاد الأوروبى، كما حدث فى ليبيا مما شجع الصين وروسيا على الوقوف ضد سقوط الأسد فى مجلس الأمن، ولم يبذل الساسة الأمريكيون جهدا دبلوماسيا فى إثناء هذين البلدين عن موقفهما كما كان يحدث قبلا. أما الأساس الثانى وهو يؤكد استمرارية الإستراتيجية الأمريكية القديمة أن الأمريكان من المستحيل أن يسلموا أوراقهم للإسلاميين أو لغيرهم، وهذه حقيقة تاريخية واضحة وهى التى جعلت أمريكا تقف على قمة العالم ثم بالنسبة لمصر فإن أمريكا تعرف الإخوان جيدا من عشرات السنين من خلال وجود الإخوان فى المعارضة ولقد التقت كثيرا بقياداتهم، وهى تعلم أيضا أن كوادر الإخوان ليسوا بالقدرة الكافية على إدارة دولة بحجم مصر الا بقدر قدرتهم على التطور من خلال تصحيح أخطائهم التى يقعون فيها وعدم تكرارها وهذا أيضا محل شك لدى الأمريكان لكنهم تركوا ذلك للأحداث لتثبت ذلك أو عكسه.
أما السيناريوهان فهما: أن أمريكا ضاقت ذرعا بالديكتاتوريين العسكريين وهم ضاقوا بها، فقد انتفخوا بانعزالهم عن حركة شعوبهم وقدراتهم الأمنية الخارقة وظنوا أن جيشهم وشرطتهم سوف تغنيهم عن شعوبهم فبدأوا يتصرفون فى بلادهم ليسوا كحكام ولكن كآلهة فاسدة، ولقد ضاقت أمريكا بفسادهم لأنه لم يعد يصب فى مصلحتها بل العكس فقد زايدوا فى معاداة أمريكا لمحاولة الحصول على شعبية ما، ولكى يلهون شعوبهم عن فسادهم وإفسادهم. لذلك أيد الأمريكان الإخوان واضعين فى ذهنهم نتيجة من إثنين الأولى نجاح الإخوان فى الحكم والحصول على شعبية طاغية تجعلهم يقومون بحل المشكلة الفلسطينية لصالح إسرائيل ووجود وطن بديل للفلسطينيين فى سيناء وصحراء النقب مع غزة، ليستوطن فيه الفلسطينيون الحاصلون على الجنسية الإسرائيلية (عرب 48)، وهنا لا مانع من زيادة الثقة فى حكم الإخوان أما الاحتمال الثانى فهو الفشل الذريع للإخوان أمام المعارضة القوية، والسياسات الخرقاء التى تخلط بين الدين والسياسة، والقمع للمعارضة والتمكين لأتباعهم فيفشلوا وفى هذه الحالة يتخلص العالم منهم وإلى الأبد.
أما السيناريو الثانى فهو أعمق قليلا ويقول إن وصول الإخوان إلى الحكم يعطى الجماعات الإسلامية والسلفيين منهم قاعدة وزخما فى وسط العالم الإسلامى مما يجعلهم يتطلعون إلى إعادة الخلافة، وهنا يصبح الإسلام السياسى الراديكالي هو الإسلام الحقيقى أمام العالم وليس الإسلام الوسطى الذى يقدمه المسلمون الليبراليون فى العالم كله، ويقدمه الأزهر فى مصر، وهنا يتوحد التطرف مع الإسلام ويصبح هو الإسلام الحقيقى مما يدعوهم إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بهذا المعنى الأصولى وهو اعاده واستنساخ واستفاده من تجربه القاعده، فتقطع أيادى المسلمين فى صورة دموية غير إنسانية أمام العالم، ويجلد المسلمون على ظهورهم رجالا ونساء، ويعبر رجال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الشوارع يضربون المسلمين بالعصى لكى يذهبوا إلى الصلاة وقد يصل الامر الى القتل وظهور الاصوات الكثيره التي تجد له المبررات، ولا يصبح هناك نجاة لامرأة إلا فى النقاب ولا لرجل إلا بإطلاق اللحية. وهنا يحدث ما حدث للكنيسة فى القرون الوسطى عندما تمادى فساد الكهنة مع الديانة المسيحية وبدأوا يتحكمون فى الشارع الأوروبى ويبيعون صكوك الغفران ويحرقون العلماء والمبدعين والفنانين بادعاء أنهم ضد الدين، مما أدى إلى ثورة الأوروبيين ضد الكنيسة على أنها الدين المسيحى وضد الكهنة على أنهم خلفاء الله على الأرض. وقامت الشعوب الأوروبية بتكسير الصلبان وإحراق الكنائس، وعبرت موجة إلحادية على العالم الأوروبى ومن نجا من هذه الموجة قام بثورة إصلاح دينية فصل فيها بين السياسة والدين بين الكنيسة والمجتمع العلمانى، وأصحاب هذا التحليل يقولون أنه بسبب عنف الجماعات الإسلامية فى العالم العربى هناك موجه مضاده شبابية واضحة على الإنترنت (فيس بوك وتويتر) بدأت وامتدت إلى مصر وسوريا والعراق وسوف يزداد اتساعها وزخمها كرد فعل لحكم الإسلاميين وتكون الخطوة التالية هى ثورة شعب لإصلاح الدين أو تركه نهائيا .