يشهد الوضع السياسي العراقي حالة من الإرباك والإرتباك، بسبب عدم وضوح الرؤية لدى السلطة التنفيذية فيما تريد فعله للشارع العراقي والمرجعية الدينية، اللتين تطالبان بالإصلاحات وتوفير الخدمات الضرورية للمواطن، خاصة إذا ما علمنا أن الحكومة السابقة أهدرت ميزانيات العراق لثماني سنوات هباءاً، عدا عن الأموال التي سُرقت وأعطيت عمولات لأشخاص قريبون من رأس السلطة، الأمر الذي يضفي حالة من الضبابية تعمق الأزمات السياسية والإقتصادية التي تعصف بالبلاد، مع الأخذ بالإعتبار أن العراق في حالة حرب مع تنظيم داعش الإرهابي، الذي يحتل محافظات عزيزة، بسبب الحكومة السابقة.
ما نراه من تصرفات كثير من الطبقة السياسية ( مع أو ضد) هو نتاج الضغط الشعبي عليهم، ولا ينبع عن قناعة بما يقوله المواطن، ذلك لأن ما يطلبه الشارع العراقي، هو محاسبة المفسدين، ومن ثم فإن كثير من الكتل السياسية متهمة بالفساد المالي، فلا يمكنها القبول بتقديم أحد أعضائها الى المحاكم، لأنها تعتبر ذلك عملية تسقيط سياسي يمارس ضدها.
يمكن القول بأن الربيع العربي بدأ في العراق، بعد سقوط نظام صدام في ربيع 2003، وبدأ الشارع العراقي يسمع بساسة لم يمكن يعرفهم من قبل، واستبشرنا خيراً بهؤلاء القادمين الجدد، ومرت سنة وأخرى، بدأ المواطن بعدها يندب حظه على حفنة من السراق والجياع الذين تحكموا بمقاليد الأمور في بلد تحته ثروات لا حصر لها، ومع هذا فهو يرى بأُم عينه كيف يسرقون ثروات هذا البلد، ويجعلون من أبناء البلد خولا وعبيد لشهواتهم وطموحاتهم.
كان سقوط الموصل ومن بعدها صلاح الدين والأنبار، ومجزرة سبايكر وسجن بادوش، القشة التي قصمت ظهر بعير الحكومة، التي كانت ولايتها عبارة عن مناكفات سياسية بين الشركاء، وأزمات لا حصر لها مع الإقليم، فيما يتعلق بالصلاحيات وتطبيق المادة 140 ودستورية هذه المادة، وتشريع قانون النفط والغاز، وقد كان بالإمكان حل جميع هذه المشاكل مع الإقليم، لو كانت هناك نية صادقة لدى الحكومة السابقة لحلها؛ لكن لم يكن ذلك واردا في حساباتها، فقد كانت مشغولة في البحث عن فرص لسرقة ثروات الشعب بعيدا عن الرقابة والمحاسبة، بسبب تلك الأزمات التي تفتعلها بين حين وأخر، هذا هو الواقع المرير الذي عاشه المواطن وتجرعه طيلة الأعوام السابقة، لم يسلم من ذلك حتى الصحفيين الذين يتم تهديدهم والضغط عليهم ليصطفوا مع رئيس الحكومة.
بعد كل هذا فإن على النخب السياسية والحكومة، التعاون فيما بينها لتجاوز أخطاء الماضي، وتقديم المتسببين في الفوضى التي حصلت في البلاد الى المحاكمة، وكذلك تقديم المفسدين الى القضاء وإسترداد الأموال المسروقة، والتعاون مع الإنتربول لإسترداد هذه الأموال والمودعة في مصارف خارج العراق، بالإضافة الى العمل على النهوض بالواقع الخدمي المتهالك في جميع أوجه الحياة، ومحاولة إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، من خلال تنشيط القطاع الخاص وتفعيل الإستثمار بصورة صحيحة، وليس الإستثمار الذي نراه الأن؛ والذي هو عبارة عن عمولات تذهب في جيوب المفسدين.