أيام العراق كلها سوداء اعتبارا من بداية الغزو الأمريكي عام 2003 ، وباتت عصية على الإحصاء ولعل الظاهرة الأخطر التي تلخص الوضع الحالي في العراق ، اغتيالات القيادات ألكبرى في الجيش ومعظم الطيارين والكفاءات العسكرية العليا وأساتذة الجامعات والأطباء والقضاة والصحافيين والإعلاميين . والآن يريدون إغلاق جميع المؤسسات العلمية الصناعية والمعامل الحكومية والإنتاجية ، وتجهيل الأجيال العراقية التالية لعقود قادمة . كل هذا يحدث للعراق بينما دول الجوار ، وخاصة إيران ، تطور برنامجا نوويا طموحا ، وتستورد أجهزة طرد مركزي حديثة ستحول البلاد إلى قوة نووية في غضون عام مثلما وعد الرئيس الإيراني احمدي نجاد ، وتجرب صواريخ بعيدة وقصيرة ألمدى ومن مختلف الأحجام . الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش انهزم في العراق، ولكن هزيمته هذه يدفع ثمنها الشعب العراقي غاليا من دماء وعقول أجياله الحالية والقادمة ، ومن استقراره ، ولن يكون مفاجئا بالنسبة ألينا بعد انسحاب كذاب لجزء من القوات الأمريكية من العراق . والاستعداد المماثل لحرب أخرى ضد إيران إرضاء لصديقه رئيس وزراء إسرائيل .
اللوبي اليهودي هو الذي دفع أمريكا إلى الحرب في العراق ، وهو نفسه الآن يحرضها لخوض حرب أخرى ضد إيران ، تحت ذريعة تدمير برنامجها النووي ، وتهديد رئيسها بمسح إسرائيل من الخريطة. الرئيس اوباما يريد أن يحسن صورته ، على أمل أن يحظى بتقاعد أفضل من تقاعد صديقه الرئيس بوش الابن أي بدون إن يُطارد قانونيا كمجرم حرب بعد إحداث الربيع العربي في دول المنطقة وراح ضحية هذا الربيع الخرف الملايين من العرب والمسلمين ، ولذلك يتحدث حاليا عن ضرورة إشراك العراق وإيران لتحقيق الاستقرار في سوريا . كيف يمكن إشراك البلدين وكل منهما له أجندة خاصة تختلف بطريقة أو بأخرى مع أجندة الآخر، وما يجمعهما هو استخدام الملف العراقي إما لتحقيق مكاسب إقليمية مثلما هو حال إيران . أو لإغراق أمريكا في مستنقع العراق الدموي حتى لا تتفرغ لإسقاط النظام مثلما هو حال سورية اليوم . السؤال هو ما أذا كانت إيران وسورية ستفعلان أكثر مما فعلته القوات الأمريكية وحلفاؤها الأجانب والعراقيون . فهل إرسال العراق وإيران قوات إضافية سيحقق الأمن في سوريا ويوقف الحرب الأهلية الطائفية ؟
ثم هل ستقدم العراق وإيران هذه الخدمات الخطرة والمكلفة مجانا ، ومن اجل زراق عيون الأمريكيين ، ودون إي مقابل يذكر ؟ لا نعتقد أن السوريين والإيرانيين علي هذه الدرجة من السذاجة ، مثلما انه غير معروف عنهما تقديم خدمات مجانية لأحد في الماضي حتى لأقرب أصدقائهما ، حتى يقدموها دون مقابل للأمريكيين ورئيسهم الذي يعتبر الدولتين ضلعي محور الشر الأساسيين . سورية أرادت سابقا انسحابا كاملا من الجولان ومعظم الأراضي العربية المحتلة ، ودورا إقليميا فاعلا ، وعودة نفوذها وربما قواتها مجددا إلى لبنان. إما إيران فتريد اعترافا أمريكيا بكونها قوة إقليمية نووية عظمي في المنطقة ، ورفع كافة أنواع الحصار والمقاطعة ضدها ، ووضع العراق الجديد تحت أجنحتها. فهل تقبل الإدارة الأمريكية بهذه المطالب السورية والإيرانية، أو هل تملك الخارجية الأمريكية عرابة فكرة إشراك العراق وإيران في البحث عن مخارج من الأزمة في سورية حاليا ، القوة والنفوذ لإقناع اوباما بأفكاره هذه ؟
الجواب بالنفي ، لان كل هذه المطالب الإيرانية ـ السورية لا يمكن أن تتحقق ألا بقبول إسرائيلي طوعي ، أو بالإكراه ، ولا نعتقد ان إسرائيل ستتطوع بالانسحاب من الأراضي المحتلة وفق الشروط العربية ، ولا نري أن هناك احتمالا ولو (واحد في المليون) ، بإقدام البيت الأبيض علي إجبارها للتجاوب مع هذه الشروط بالقوة . فالرئيس اوباما يبدو هذه الأيام في قمة ضعفه بسب الانتخابات القادمة ، وإمامه تحديات صعبة لا يستطيع مواجهة إي منها وهو الذي خسر مجلسي الكونغرس في الانتخابات النصفية الأخيرة. فهناك تحدي كوريا الشمالية النووي ، والنزيف الدموي والمالي في العراق وأفغانستان ، والبرنامج النووي الإيراني الذي يحقق انجازات سريعة تحرق مراحل إنتاج أسلحة نووية .
وفوق هذا وذاك انخفاض شعبيته في أوساط الأمريكيين إلى ادني مستوياتها . إسرائيل قلقة من دعوات الحوار مع إيران وسورية ، التي يطلقها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويروج لها تقرير لجنة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق وفريقه حول سيناريوهات الخروج من العراق ،
لان إي تسوية ستأتي علي حسابها ، ولهذا نجح رئيس وزراء اسرائيل في إقناع اوباما بإدارة ظهره لهذه الدعوات .
العراق بات مقتل الإدارة الأمريكية الحالية ، وربما الإدارة المقبلة أيضا، فالهزيمة الأمريكية فيه تبدو أسوأ بكثير من نظيرتها الفيتنامية ، لان الرئيس بوش الابن والأب لن يجد مخرجا مشرفا من هذا المأزق ، وحتى لو خرج ستظل لعنة العراق تطارده وبلاده .
ففي فيتنام وجد الأمريكيون جهة يفاوضونها ويوقعون معها اتفاق سلام يمهد لانسحابهم، ولكنهم حتى هذه اللحظة لا يعرفون مع من يتفاوضون ، فلا توجد جهة موضع إجماع العراقيين جميعا أو غالبيتهم ، اللهم إلا أذا أعاد الأمريكيون الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل غزوهم واحتلالهم ، وهذا غير مطروح في الوقت الراهن علي الأقل.
السيناريو الأخطر الذي يتبلور حاليا بشكل متسارع الحرب علي إيران ، وفي هذه الحالة سنري حربا عالمية ثالثة غير مسبوقة ، ونهاية أمريكا كدولة عظمي ، مثلما أنهت الحرب العالمية الثانية الرايخ الثالث بشكل مهين . وربما تكون نهاية إسرائيل أيضا ؟