18 ديسمبر، 2024 7:50 م

الربيع العربي: اسباب الفشل.. بين إرادة الشعب، واهداف الفاعل الدولي والاقليمي

الربيع العربي: اسباب الفشل.. بين إرادة الشعب، واهداف الفاعل الدولي والاقليمي

سؤال يحتل اهمية كبيرة؛ لماذا فشل الربيع العربي في احداث نقلة نوعية في اتجاه بناء مؤسسات ديمقراطية، والتي كانت من اهم اهداف ثورات الربيع العربي؟ في اي قراءة للتغير السياسي في الدول العربية، التي اُسقطت ثوراتها الشعبية، انظمة العرب الاستبدادية، في الربيع العربي، حتى حين صار خريفا، حاملا الهزاهز والعواصف، الى ربوع العرب، من جميع اصقاع كوكب الارض. هذه الثورات الشعبية، التي عرفت بالربيع العربي، وهو بحق ربيعا عربيا، من حيث النية الشعبية، ورغبتها في التخلص من الطغيان العربي( الانظمة العربية الطاغية)، ومصادرة الرأي وحرية الكلمة والافتقار الى التنمية الحقيقية التي تحفظ للناس كرامتهم؛ بتوفير فرص العيش الكريم، وتوفير الأمن بشقيه الشخصي والعام؛ ويكون لها صوت في اختيار من يمثلها في التشريع وتنفيذ السياسات في الميادين الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية والاجتماعية، وفي التنمية الصناعية والزراعية وما إليهما..

ان اي من هذه الاهداف لم يتحقق، ولو بقدر بسيط، بل ان الذي تحقق، هو العكس تماما؛ فقد تم زرع الخراب والدمار والحروب الداخلية بين ابناء الشعب الواحد. السؤال الثاني؛ من هو المسؤول ان هذا الاخفاق او الفشل؟ هل هو الشعب الذي لا يريد سوى العيش الكريم والحرية والكرامة؟ أم ان الشعب لم ينضج بعد؛ نفسيا وعقليا، ليكون في مستوى هذا التحول؟ أم ان هناك عامل اخر؛ عرقل هذا المسار، لغاية ذات ابعاد استراتيجية، ليس لها علاقة بهذا التحول، او ان هذا التحول لا يخدم مشاريعها المستقبلية، اذا ما تم ترجمته على ارض الواقع؛ انفاذا لإرادة الشعب وطموحه في التغيير الحقيقي، المنتج للتحول نحو حياة افضل؟ تلك الاسئلة لم تحظ بإجابات شافية؛ تسلط الاضواء على لب المشكلة وجوهرها، بقراءة عميقة لمجريات الامور على صعيد الواقع، بل ان اغلب القراءات لهذه التحولات، كانت تدين الشعب، وتحمله المسؤولية عن هذا الفشل والاخفاق؛ بإلصاق صفة التبعية والعمالة لثوار الربيع العربي، الى الفاعل الاجنبي مرة، ومرة اخرى؛ بإحالة الفاعلين في هذه الثورات الى الارهاب، وهم براء من الارهاب، الذي هو من اساء لهذه الثورات، بل العكس؛ ان هذه الثورات لم تجيء بالإرهاب، انما من جاء به إليها، وهو العامل الخارجي بخطيه الدولي والاقليمي، بقصد؛ حرفها عن خطوط شروعها وغاياتها؛ وبالتالي عن جادة الصواب نحو الهدف المنشود، مما يجعل من الواقع البائس،

محركا قويا، لشحن الذات العربية بالحنين الى انظمة الاستبداد العربي، بسبب ما تعرض ويتعرض الى الآن له، الشعب من قهر وظلم وفقر وجوع واللجوء اضطرارا الى ديار الغربة والاغتراب على ما في ذلك من ذل ومهانة. هذا الشعب الذي ثار ضد طغيان هذه الانظمة، وفشلها في تنمية القوة والقدرات الاقتصادية بما يخدم الشعب، ويوفر له حياة حرة وكريمة. من نافلة القول ان نشير هنا الى انه؛ ليس بالضرورة الحاكمة، ان تكون بين البعض من هذه القوى الدولية العظمى( امريكا وغيرها..) وقوى الارهاب في العالم وفي المنطقة العربية حصريا، اتفاق ما، بل العكس هو الصحيح؛ ان اي اتفاق من هذا النوع، يضر بهذه القوى الدولية العظمى؛ الصحيح في ميدان العمل؛ هو فتح الممرات وتهيئة البيئة السياسية، لقوى الارهاب كي تدخل،

وتغير المشهد السياسي وقواعد الاشتباك؛ وهي تدرك وتدري على وجه اليقين؛ ان فعل مفاعيلها هذه؛ تقود الى ما سلف ذكره في الذي سبق من هذه السطور. ففي تونس ما حدث مؤخرا بصرف النظر عن كل شيء؛ انه انقلاب على ما جاءت به الانتخابات الديمقراطية. لا يمكن ان يقوم هذا الانقلاب على الشرعية الديمقراطية، الا بضوء اخضر من الفاعل الدولي والاقليمي. ان هذا يعني ان الفاعل الامبريالي الدولي والفاعل الاقليمي الحامل لنية انتزاع دورا لها في تغييرات المنطقة من الفاعل الدولي. ان الجميع لا يهمهم نجاح الممارسة الديمقراطية بقدر ما يهمهم ضمان مصالحهم. وكي يصل هؤلاء الى هذا الهدف، وبالذات حين لا يروق لهم، او لا ينسجم مع مصالحهم؛ سياسة وبرامج الكتل والاحزاب التي تصل الى السلطة التشريعية والتنفيذية عبر صناديق الاقتراع؛ يقومون بزرع العراقيل وحفر المطبات في طريقها؛ مما يقود الى تشويه صورتها امام شعبها، وبالتالي الغضب منها، الذي يقود الى رفضها من الشارع الذي يكون قد تهيأ نفسيا وعقليا، للتقبل والترحيب بهذا الانقلاب. وفي مصر نفس العملية ولو بطريقة اكثر موضوعية وعملية، لكنها تظل عملية انقلاب على الشرعية التي انتجتها صناديق الاقتراع. عندما اندلعت الثورة الشعبية في مصر، لم تمض عليها سوى ايام، فما كان من المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع في حكومة حسني مبارك، والذي كان في حينها في زيارة عمل الى الولايات المتحدة الامريكية، الا ان عاد على جناح السرعة الى مصر. بعد ايام من عودته، اصدرت القيادة العامة للقوات المصرية، الذي يحتل المشير طنطاوي، المقعد الاول في رئاستها؛ بيان رقم واحد على طريقة بيانات الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول المنطقة العربية؛ ليتم عزل الرئيس حسني مبارك، ويتم قيادته مع عائلته الى منتج شرم الشيخ. ان هذا يثير الكثير من الشكوك والاسئلة عن دوافع هذا السلوك الأنقلابي على نظام مبارك من قبل مسؤولين كانوا جزءا مهما، من هذا النظام، وهي عملية بدت في الايام او في الاسابيع التالية، وكأنها موقف مساند وداعم، لانتفاضة الشعب، علي غير واقع وهدف هذه الحركة الانقلابية؛ التي،

هي في الاساس من اجل احتواء وحرف اتجاه الثورة المصرية. هذه الشكوك تحولت الى حقائق بعد ما جرى لثورة الشعب العربي في مصر؛ من ترسيخ ذات النظام، بوجوه جديدة من مسؤولي الانقلاب، وبتأطير سياسي جديد على انقاض القديم؛ لكنه كان اخطر من النظام السابق الذي انبثق الجديد من رحمه؛ لناحية تغير المشهد السياسي في مصر، ولتحالفات مصر الدولية والاقليمية. بعد عزل الرئيس حسني مبارك؛ تولى المسؤولون العسكريون زمام المرحلة الانتقالية. فقد جرت الانتخابات لاحقا، والتي فاز بها الدكتور محمد مرسي. هنا بدأت طاحونة التغيير في غير صالح الحكومة المنتخبة الجديدة؛ بزرع كل ما يعرقل عملها، مع تسليط الاعلام المبرمج ضدها، من غير اعطائها الفرصة في ترجمة مشاريعها على ارض الواقع، مع تسليم القوة العسكرية التي تمثلها؛ وزارة الدفاع، للمشير محمد السيسي، والذي كان يشغل رئيس اركان الجيش في وزارة حسين طنطاوي، والذي لم يخضع من الناحية الفعلية للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي.

ثم توالت الاحداث الدراماتيكية، والتي في اغلبها مفتعلة، مع ضخ اعلامي ، الاعلام المحلي والعربي والدولي؛ في تشويه صورة الحكومة الجديدة والمنتخبة، ودفع الناس في التظاهر ضدها، اضافة الى تعالى الاصوات عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي؛ برفض سياسة الحكومة المنتخبة، والتى لم يمض على انتخاب الشعب لها سوى اشهر قليلة، وهي، اي هذه الفترة غير كافية، لتتوضح سياستها امام الشعب العربي المصري، حتى يغير الشعب رأيه وموقفه منها في اشهر قليلة، لا تتجاوز اصابع اليدين. ان هذا التحول؛ يؤكد ان هناك طبخة؛ تم الاعداد لها في دهاليز صناعة السياسة، في الحقلين الدولي والعربي على وجه التحديد والتشخيص. في هذه اللحظة التي على ما ظهر تاليا؛ كان قد اعد لها مسبقا، كما بينت في اعلاه؛ طلب وزير الدفاع من الشعب كي يعبروا عن رفضهم لحكومة الدكتور محمد مرسي؛

بالتظاهر ضد الرئيس المنتخب؛ حتى تكون له في ذلك حجة لعزل الرئيس المنتخب بقوة السلاح التي يمتلكها، او يسيطر عليها، كونه وزيرا للدفاع، وهذا هو ما كان قد حصل، ولو من خلال صناديق الاقتراع. وهنا؛ لا اريد الدفاع عن المرحوم الدكتور محمد مرسي، ما اريد التوصل اليه هو الدفاع عن الديمقراطية وحق الشعوب العربية في صناعة حياتها ومستقبلها بنفسها وبقدراتها الذاتية، لخدمة حاضرها ومستقبلها، وليس من خلال الخداع الاعلامي وافتعال الحوادث في تغيير مجريات الامور والاوضاع، بما يجعل الممارسة الديمقراطية في انتخاب السلطة التشريعية والتنفيذية، بالشكل الذي يجعل منها؛ أداة لعودة الدكتاتوريات العسكرية او غيرها من تلك التي تشبهها وان كانت بوجوه مدنية، ولكن بعقلية العسكر من حيث التسلط والشمول. وفي سوريا وليبيا واليمن لايزال المخاض عسيرا، وضحيته الشعب بما يدفع من الدماء والجوع والتيه واللجوء الى اركان المعمورة. في سوريا على الرغم من سيطرة النظام السوري على 80% من اراضي الجمهورية العربية السورية، لكن هناك احتلالات للأرض السورية بحجج واهية، وعلى مرأى ومسمع من الحليف الروسي؛ اضافة الى الهجمات التي تقوم بها الطائرات الاسرائيلية. الشعب السوري يعاني من الجوع والحصار، ولا يوجد حتى هذه اللحظة اي بارقة امل في تغيير الاوضاع نحو الافضل. في الجانب السياسي لم تتقدم عملية كتابة الدستور حتى ولو خطوة واحدة على هذا الطريق. عمل لجنة كتابة الدستور، التي تم تشكيلها طبقا لقرار مجلس الامن الدولي 2254، والذي قضى بتشكيلها، لم تجتمع منذ فترة طويلة. واذا لم يتم كتابة الدستور الجديد لسوريا، هذا يعني ان المرحلة الانتقالية، لن تبدأ الا بعد ان يكون لسوريا دستور دائم، متفق عليه من النظام والمعارضة والموالاة. اذا لم يكن هناك دستور جديد، حتى الآن، ولا يوجد آمل في القريب، في الاتفاق على صياغته بين الاطراف السورية؛

وبالتالي لا يتم اجراء انتخابات لاختيار حكومة وبرلمان يقودان سوريا نحو الامل والحياة الافضل. ان القوى الدولية تشترط في المشاركة في اعمار سوريا؛ ان يتم تحقيق ما تقدم في السطور اعلاه، وهي كلمة حق يراد بها باطل. فأن هذه القوى الدولية، بما فيها روسيا، وحتى القوى الاقليمية، كل منها حسب الطريقة الملائمة والمجال المفتوح امامها، او هي من تعمل على تخليقه، وفتح المسارات له، في الوجود على الارض السورية. جميعها بهذه الطرق المختلفة والمتنوعة؛ حرفت مجرى الثورة السورية عن طريقها الصحيح في تغيير النظام وبناء دولة مدنية وديمقراطية؛

بفتح الطريق والحدود امام عناصر الارهاب، كي تغير الاوضاع في سوريا وتحرف حركة الثورة السورية عن هدفها، او الصحيح هو التعمية على هذا الهدف، ورسم صورة مغايرة تماما لنوايا الثورة واهدافها، رسم صورة الارهاب لها؛ الذي لا يمت باي صورة من الصور لحقيقة الثورة السورية؛ من حيث نية الشعب وهدفه وغايته في لحظة التفجير و من ثم البداية على طريق الثورة. لتصبح الجغرافية السورية، تاليا، بعد عدة خطوات من البداية، موزعة على عدة انتماءات وولاءات خارج الحدود، عربيا واقليميا ودوليا، بفعل فاعل، لجهة القصد والغاية، لتلك المفاعيل، بما يتناقض تناقضا كاملا مع اهداف الثورة السورية. حتى اصبحت الجغرافية السورية؛ ميدان عمل ونهب واستغلال لثروات الشعب السوري، من قبل القوى الدولية والاقليمية، بحجج متنوعة حسب نوع جهة الدعم للنظام السوري، او دعم القوى المضادة للنظام السوري، الاكراد مثلا؛

من القوى الدولية والاقليمية. ان هذه الاوضاع الساخنة والدموية، والفقر والجوع وضياع بوصلة الطريق؛ ادت الى افراغ الثورة السورية من محتواها، وحلم الشعب نحو بناء ديمقراطية وحياة افضل، ومستقبل واعد. وفي العراق هناك ديمقراطية تحبو على طريق المستقبل المجهول، بمساعدة عناصر من خارج الجسد العراقي للديمقراطية فيه. وهي تنتظر من الجسد الديمقراطي العراقي الذاتي، اي المعتمد كليا على قدرات شعب العراق في الصياغة العملية لديمقراطيته التي تنتج في الواقع؛ الاسس الصحيحة، والسليمة لها، في منطقة وجوارها تتغير ساحات الصراع، تكتيكيا واستراتيجيا فيهما سريعا، لجهتي المداخل والمخارج.. . ان يساعد هذا التوجه والاتجاه في حركة الواقع، في الاعتماد عليه وحده، بلا استعانة بعناصر خارجية، لها اهدافها ومراميها، والتي هي بضرورة الواقع ومقتضياته؛ تتقاطع مع اهداف الشعب العراقي؛ في النهوض والسير باستقامة على طريق المستقبل الذي تطمح الى تحويله من المجهول الى المعلوم برؤية يجري التخطيط لها مسبقا، من دون تدخل عناصر اخرى، لها اهدافها وغاياتها التي لا تتطابق مع غاية جسدها الديمقراطي..

وفي لبنان وليبيا واليمن؛ لا يوجد حتى هذه اللحظة ضوء في نهاية نفق الحرب او الانهيار الاقتصادي. لم يبق سوى السؤال الاهم والاخطر؛ من المسؤول عن هذا الفشل، بل عن هذه الدماء والجوع والفقر والمرض وتيه الشعوب العربية في اصقاع الكرة الارضية، الشعوب العربية، أم العامل الخارجي الدولي والاقليمي؟ اترك هذا السؤال بقصد من غير اجابة..