في التعامل مع الوضع العربي،كان التحليل الغربي بشكل عام، والأمريكي منه على نحو خاص،ينطلق من ضرورة العمل على احداث اصلاح عربي طوعي من الداخل، أو قسري من الخارج، في البنى والمؤسسات العربية،بما يفسح المجال للحريات ، ويخرج الوطن العربي من الاستبداد الى الديمقراطية، وخاصة بعد احداث سبتمبر،بقصد ابعاد شبح التطرف والإرهاب المزعوم،وتجفيف منابعه التي اصبحت تطال عقر دارهم، حيث لم يكن في واردهم الانقلاب الجذري الذي يؤدي الى تقويض الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، التي صنعها الغرب في سايكس بيكو الأولى. لذلك شاع في الاعلام،وفي كواليس السياسة،ومراكز القرار، الحديث عن الاصلاح التدريجي في الوطن العربي،لأنه كان البديل المقترح عن الاحتقان والثورة القادمة، لتلافي خسران الأنظمة الاستبدادية،وما يترتب على تداعيات ذلك الحال من مس بالمصالح القومية للغرب،وتهديد محتمل لأمن الكيان الصهيوني.
ولا شك ان الزلزال العربي الكبير، الذي حصل في أكثر من قطر عربي في السنوات الثلاثة الأخيرة،كان ولا يزال مادة دسمة للبحث والدراسة، وبالتالي فهو يستوجب قراءة معمقة تستقصي كل عوامل التأثير،وتفاعلاتها التي ادت الى هذا الزلزال المدوي،وما استجد على اثره من تداعيات، جعلت منه أفقا مفتوحا للمراجعة المستمرة، والاستشراف الهادف.
ولعل اختلاط الرؤى في تحديد مدلولات ما اصطلح عى نعته بالربيع العربي،وهل يصح ان يسمى ثورة،او انتفاضة، ام تمرد،جاءت نتيجة التحليل العربي القاصر للحدث،والتوصيف السطحي له ابتداء،بل وانسياقه وراء التحليلات الغربية المغرضة،حيث سادت فكره التبخيس بالقيم،وطغت اليات شيطنة دور الشعب وطلائعه الجماهيرية،وطمس دورهم الواعي في احداث التغيير،والتشكسك في قدرتهم على قيادته بالاتجاه السليم،الذي يحقق الاهداف المتوخاة منه في الاصلاح، والديمقراطية، والتنمية.
ان المطلوب تقويض هذا النهج في التحليل، والتركيز على منهج القراءة التاريخية للفعل الشعبي،باعتبار الجماهير ذاتا تاريخية حية، يمكن أن تصنع تاريخها،وترسم قدرها بنفسها ذاتيا،وليست رعاعا فوضويا قاصرا يحتاج الى وصاية من أحد، ليصوغ لها مستقبلها، ويحدد لها طريق الوصول اليه.
وبغض النظرعن كل التداعيات التي رافقت ربيع التغيير العربي،فانه قد جاء زلزالا معبرا عن رفض جمعي لأطروحة الغرب المتهافتة حول الاصلاح الشكلي من جهة،ورفضا للاستبداد والديكتاتورية التي يتعذر اصلاحها بوسائل الترقيع المهلهلة.