ما أجمل تساقط المطر نردد أنشودته، يتغني الشعراء والأدباء، يختلفون في وصف مناظره، وكلنا يحلم أن نصل الى مدن الضباب والثلوج وطهول الأمطار بكثافة، وكيف عندهم يحترم الإنسان وتطبق الديموقراطية، نشاهد روعة الأجواء الخلابة خلف الزجاج وروائح القهوة ودخان السكائر. إعتدنا الدعاء لنزول المطر، صار أكثر إلحاحاً في سنوات الجفاف، بعدما تحكمت السياسة بالمياه والرياح والغيوم، ومن الفزع والجزع والخوف تخرج المطالب بعفوية وصدق وتستجيب السماء.
دعائنا الى أرضنا المتلضية عطشاً، نقول هذا العام خير حينما يبدأ بالمطر، يفرحنا منظر غسل الأوراق والحقول، تخزن الأرض الى أشجارها المعمره مياه، تزقزق الطيور، مطمئنة لرزقها.
سنوات يقتلنا الجفاف ونقول لماذا ندعو ولا يستجاب لنا، هل لأننا قبلنا بالتسلط بعدما تخلصنا منه بمرارة! وخيارات الأغلبية كان خاطئة ويعني إنها شريكة بالفشل، لكننا نعرف أن السماء تمهل ولا تهمل، وإن غضبت فذلك إنتقام من ظلم، بالنتيجة مرادها الخير.
المطر يغسل الحقول والعقول ويكشف الأقنعة والإهمال، والأعمال التي لا نرى زيفها، تحاك في الغرف المظلمة وتمتد تحت الأرض، إستطاع المطر كشف إنهيار إمكانيات الدولة، لم يعد المواطن يصدق العهود والعود.
المطر حرك مشاعر الشعب بإتجاه واحد وإرتفعت أصوات الإعتراض، رافضة من يتسلق ويكسب أصواته بمأساة وكارثة خيانة عظمى للمباديء والامانة، التي سلمت بأيديهم، ولم يكن مخطط من قبل حينما ترجل أحد المسؤولين، تعالت الأصوات إنه سعد المطلبي عضو دولة القانون ، الرد قوياً غاضباً لم تمنعه سوى القوة العسكرية وأصوات الرصاص، بعد أن كسروا زجاج سيارته الخاصة.
البعض فسر إن النعمة في العراق أصبحت نقمة؛ سببه جهل المسؤولين بالواقع وإبتعادهم عن مواطنهم وتورطهم بالفساد، وأخر قال الفيضانات بالقصد لإخفاء فساد المشاريع والإنتفاع من التعويض والترميم.
غضب السماء وتلبدها بالسواد قطعاً حزناً على واقعنا البائس، ومهزلة المعالجات التي تنقل مياه المجاري بأمراضها الى الشوارع، ولا شك ان المطر جاء بخير يزيح فيه أقنعة الفاسدين، يسقط المفاهيم والأساليب السياسية الملتوية، وإدارة البلاد التي تترك صلب عملها، تتجه للخطاب التحشيدي وعسكرة الطوائف على بعضها لحصاد أصواتها.
بعد كل موسم مطر يأتي الربيع وتتفتح الزهور بدايته شهر نيسان، ومن حسن الحظ وربما حسابات السماء جعلته مع الإنتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة.
الربيع مفهوم ملازم للتغيير، وننتظر هلاك وجوه قبل سقوط البيوت على رؤسنا، مَنْ لم نجني منهم سوى الطبقية ونهب الأموال، ولن يبقي المطر أرض فارغة في صحرائنا للسكن العشوائي، توزع قبيل الإنتخابات للفقراء. إنها نعمة المطر والربيع المشرق الجميل قادم بعدها، لم يبقى سوى شيء من الصبر والإرادة الحقيقة للتمتع بخيرات وهبها الله تعالى للعراقيين، والسماء لا تفعل الأقدار الاّ لخدمة الإنسان.