لا يمكن لعاقل ان يقف مع اي حاكم عربي لان الحكام العرب لا يمتلكون الشرعية التي تجعل لهم حجة على المحكومين ، الا استنادا الى بدعة مفادها ان سيطرة الحاكم على مقاليد الحكم بالقوة تمنحه الشرعية وتلزم الرعية بطاعته ، وهي بدعة ثبتت الشرعية للدولة الاموية فاقدة الشرعية باقوال الصحابة وابنائهم ، ومما يروى في هذا الخصوص قول الحافظ الذهبي في سير اعلام النبلاء في حديث متسلسل الرواة يقول : قدم زياد المدينة فخطبهم وقال: يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسن نظره لكم ، وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه ، يزيد ابنه ، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أمية وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية ، كلما مات قيصر كان قيصر ، فهي بدعة اول من يفندها هم القائلون بها الذين جندوا كل مرتزقة العالم تحت شعار الجهاد بطريقة زائفة يفضح زيفها منهجهم الذي يقول ان لا جهاد في دار الاسلام ، هؤلاء التلفيقيون الذين ياخذون من احكام الكتاب ما يتوهمون انه يدعم سلطانهم ويتركون غيره ، هم مثل قوله تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَلم } ، فقد كانت دوافع الناس المطالبين بالاصلاحات وتنحي الحكام دوافع مشروعة ، فهؤلاء الحكام الذين بعثوا فينا السام والضجر من تكرار خطاباتهم النارية في الدفاع عن مقدرات الامة وفي مقدمها فلسطين والقدس لم يفعلوا سوى الامعان في ضياع فلسطين والقدس بل وضياع الاوطان التي اصبحت دولة بين السلاطين والاغنياء يعيش ابناؤها في المهاجر خوفا من بطش السلطان او تامينا للقمة عيش اصبح الحصول عليها مستحيلا في دول لا تحتكم الا الى ارادة الحاكم بامره ، وكلهم من رؤساء جمهوريات وملوك وسلاطين وامراء ومشايخ يحكمون بامرهم وما على الشعب الا ان يسمع ويطيع ، او قل يطيع حتى وان لم يسمع ، لكن المصيبة هي ان دوافع الناس المشروعة ضاعت في زحمة خطاب انتجه النظام العربي نفسه للاجهاز على ما تبقى من روح قد تنبعث في الامة التي حولها اصحاب ذلك الخطاب الى جثة هامدة يجب ان لا تدفن للامعان في الايهام بانها حية ، الخطاب العربي نفسه الذي كرس سنين الضياع والحرمان اعاد انتاج نفسه ، بل اوهمنا انه خطاب ازهر ربيعا عربيا ، كربيع براغ مثلا ، فعلى الرغم من ان ذلك الربيع كان ربيعا برياح امريكية ، الا انه ازهر حرية يوم واجه الجيكوسلوفاكيون الدبابات السوفياتية ، حرية ترتبت على تفكك الاتحاد السوفياتي ، ولكنه لم يزهر ارتهان القرار الاوربي الشرقي للارادة الغربية ، بل ان روسيا الان في زمن فلادمير بوتين اقوى من الاتحاد السوفياتي في زمن كرباتشوف ، اما في بلادنا البائسة فيوما بعد يوم تتجلى حقيقة ما سمي بالربيع العربي ، الربيع الذي صور بانه قادم باحلام الزهر والثمر اتضح حقيقة انه كرغوة الصابون التي تشعر المستلقي فيها بنشوة الاستحمام ، ولكن ما ان تذهب الرغوة حتى يجد ذلك المستلقي نفسه سابحا في اوساخه لا تفوح منه سوى رائحة نتنه التاريخي العالق بين الغرائز الضاربة في عمق اصوله التي ورثها من اجداه ، واحد هؤلاء الاجداد بسر بن ارطاة الذي يصفه بعضهم بانه صحابي باعتبار ان كل من عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، هو صحابي عند اؤلئك ، رغم ان علماء الرجال يقولون لا تصح صحبته لما ارتكبه في الاسلام من عظائم ، ولا انكر انا ولا اي مسلم ان معاصرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فضل من الله لا يناله الا ذو حظ عظيم ، فهو نعمة ما بعدها نعمة ، ولكن حذار من ان تتحول تلك النعمة الى نقمة ، كما حدث لكثير من الذين اساؤا صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من عظيم ما ارتكبه ابن ارطاة قتله عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهما صغيران ، قتلهما بين يدي أمهما عائشة بنت عبد المدان ، التي نستذكر بمرارة رثاءها لهما ، بقولها :
ها من أحس بابني الذين هـمـا كالدرتين تشظى عنهما الصدف
واجزم ان دافع ابن ارطاة كان كدافع قتلة سبط رسول الله الحسين بن علي بن ابي طالب ، هو قتل ياتي تحت شعار اقتلوهم ولا تبقوا لاهل هذا البيت باقية ، هو قتل قد جد بنو امية فيه بهدف استئصال البيت الهاشمي ، والا ما ذنب طفلين هرب ابوهما من ساحة المعركة ، ولم يتحل حتى بالموقف الهاشمي المعروف بالثبات في الصعاب ، هذا احد الاجداد الذين تواصلنا غرائزهم نتنا عبر التاريخ ، ولكن حاضرنا جاء بما هو ابشع بن بسر بن ارطاة في قتل الاطفال في ربيعنا المزعوم هذا الذي تتوالى رياحه لتطيح بكل ما علق في الاذهان من قيمة انسانية ، ومن تلك الغرائز اكل القلوب والاكباد الذي كان يوما ما حكرا على هند ابنة عتبة زوج ابي سفيان وام معاوية ، وتحديدا في معركة احد التي خسرها المسلمون بعد ان اطبق عليهم خالد بن الوليد في خطة عسكرية محكمة خبثا ، واعذروني اذ اقول محكمة خبثا ، لانني لا يمكن ان انحاز الا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ايا كان خصمه ، فهند يومها اخرجت كبد سيد الشهداء عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمزة بن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه فلاكته كما لاك احد مقاتلي الربيع العربي قلب جندي سوري ، وانا لاجزم انه حين كان ذلك المقاتل يلوك قلب الجندي السوري كان لعاب الصهاينة يسيل ، ولا احد يجادلني في هذه ، فالعربي الجيد هو العربي الميت كما يقول الصهاينة ، فكيف اذا كان ميتا يلاك قلبه ، اذاً هو العربي الاجود العربي الذي يسيَل اللعاب.
لقد اثمرت الثورة العربية التي قادها رجال عظام ، لهم ايام مشهودة في قتال اسرائيل ، من امثال جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم ، اثمرت دكتاتوريات دفعت العرب الى ظلال الجغرافية واخرجتهم من التاريخ ، فما الذي سيثمره ربيع عربي يقوده امراء قطر الذين لا سابقة لهم في قتال اسرائيل ، بل هم عرابو الصهيونية في الوطن العربي ، واول من ادخل الصهاينة الى المنطقة ، وملوك السعودية الذين لم يطلقوا على اسرائيل طلقة واحدة ، وحكام تركيا من العثمانيين الجدد الذين تربطهم مع اسرائيل صداقة لا وجود لمثلها مع العرب ، حتما انه ربيع سيثمرما هو ابشع من الدكتاتورية ، وليس ابشع من الدكتاتورية سوى تمني الدكتاتورية ، واذا ما كانت الدكتاتورية التي اثمرتها الثورة العربية ليست هدفا من اهداف رجالها ، فان تمني الدكتاتورية الذي سيثمره الربيع العربي هو قطعا هدف رجال ذلك الربيع .