(وَأَحَلَّ اللهُ البيعَ وَحرَّمَ الرِبا)
أصبحت روسيا وماليزيا آخرالدول التي أعلنت عن نيتها تخفيض أسعار الفائدة بغية تحفيز النشاط الاقتصادي ومعالجة الركود الذي يعانيه اقتصادهما، وقبلهما كانت كل الدول الصناعية الكبرى قد انتهجت النهج ذاته فاليابان دأبت على تخفيض أسعار الفائدة الأساسية منذ عام 2000 وأوصلتها إلى الصفر بغية تشجيع المؤسسات والأفراد على الاقتراض وبالتالي تنشيط الاقتصاد. أما الولايات المتحدة فقد كانت سياستها النقدية تقوم على أساس أسعار فائدة منخفضة منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وبعد الأزمة المالية لعامي ( 2007 – 2008 ) خفض الاحتياطي الاتحادي الأمريكي( البنك المركزي) أسعار الفائدة الأساسية الى حدود 2-3% بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي وتجاوز آثارتلك الآزمة، ولا زال هذا البنك يهدد بين الحين والآخر برفع أسعار الفائدة إلا أنه يتراجع ويبقيها منخفضة. كذلك فإن دول الأتحاد الأوربي وبريطانيا تحافظ على أسعار فائدة أساسية لاتتجاوز 2%. إن الاقتصاديين الغربيين ينظرون إلى أسعار الفائدة على إنها العامل الأساسي المحرك للإقتصاد وإنها سعر التوازن فيه وتستخدمها البنوك المركزية للتحكم في الاقتصاد وتحقيق كثير من أهدافها ولذلك فإن التوجه لتخفيض أسعار الفائدة يتناقض مع أساسيات النظام الاقتصادي الرأسمالي رغم إن كثيراً من الاقتصاديين الرأسماليين أنفسهم قد نظر للفائدة نظرة سلبية، فالاقتصادي المشهور )كينز (أشار إلى أن من أهم أسباب أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي هواضطراب أسعار الفائدة وإن خفضها يقلل خطر التقلبات الاقتصادية، واشارت لجنة شكلت في الولايات المتحدة في الستينات إلى أن سعر الفائدة ليس عاملاً هاماً في الإنفاق، وأثبت الاقتصاديان مودكلياني وميلر الحائزان على جائزة نوبل في الاقتصاد إن سعر الفائدة ليس العامل المحدد لاختيار المشروعات الاستثمارية ولا لتقويمها.والأزمة الكبرى التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي والعالمي عامي ( 2007 – 2008 ) كانت تعود أساساً إلى إلى عوامل متعددة مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بهيكل أسعار الفائدة في الاقتصاد الأمريكي، كما كانت سياسات الاحتياطي الاتحادي فيما يتعلق بأسعار الفائدة هي التي هيأت الأرضية لنشوء تلك الأزمة.
إن هذا التوجه في ما يتعلق بأسعار الفائدة ودورها في النظام الاقتصادي الرأسمالي يهمنا نحن كمسلمين أولاً.لأنه يثبت صحة حكم الشريعة في تحريم الربا الذي تمثل الفائدة أجلى صوره، فالنظام الاقتصادي الإسلامي قد حسم الأمر ابتداءاً بتحريم الربا بأشكاله كلها وشدد الإسلام في ذلك، فإضافة إلى الآيات الكريمة ( وأحَلَّ اللهُ البيعَ وحرَّمَ الرِّبا)( البقرة 275 )، و( يا أيُّها الذينَ ءامَنوا لا تأكلوا الرِّبا أضعافاً مُضاعَفةً) (آل عمران 130)، ( وَما ءاتيتُم مِن رِبا ليَربُوا في أموالِ الناسِ فلا يربوا عندَ اللهِ) (الروم39 )، وغيرها، فقد شدد الرسول ( صلى الله عليه وسلم) في أحاديث كثيرة على حرمة الربا فعن جابر بن عبد الله (رض) إنه قال: لعنَ رسولُ اللهِ( صلى الله عليه وسلم) آكلَ الربا ومُؤْكِلَهُ وكاتبَهُ وشاهِدَيهِ. وقد توسع الكتاب والفقهاء المسلمون في تبيان مضار الربا ومساوئه ومبررات تحريمه ، كما بينوا المزايا والفوائد التي تعود على الفرد وعلى المجتمع في ظل نظامٍ اقتصاديٍ خالٍ من الربا والفائدة.
إن الوقائع والأحداث الاقتصادية تثبت يوماً بعد يوم إن النظام الاقتصادي الذي يقوم على أساس مبادئ وحدود الإسلام وقواعد الشريعة هو النظام الذي يحقق العدالة ويمنع الظلم والاستغلال ويضمن التنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة ويمنع حدوث الأزمات إلا ما ينشأ منها بسبب ظروف طبيعية خارجة عن إرادة البشر. وهي تثبت من جانب آخر إن عاقبة الربا واقتصاد الديون اللذين يقوم عليهما النظام الاقتصادي الرأسمالي هي مزيد من الأزمات الاقتصادية ومزيد من المآسي والاستغلال والـظـلم وتركيز الثروات بأيدي عتاة الرأسمالية الذين يسرقون جهود وثروات الآخرين ويثيرون الحروب والنزاعات التي تضمن لهم مزيداً من أموال السحت الحرام ومزيداً من الأموال المسروقة وترسخ عبودية الدول والأفراد.
[email protected]