7 أبريل، 2024 5:21 ص
Search
Close this search box.

الراكب المجاني

Facebook
Twitter
LinkedIn

الراكب المجاني هي نظرية أو مشكلة معروفة في العلوم الإجتماعية تشير إلى فئة من سكان مجتمع ما تستمتع بمزايا التغيير أو العمل الجماعي المجتمعي الذي أدى إلى تغيير ما ولكنها لم تشارك في صنع هذا التغيير ،هؤلاء الركاب المجانيين الذين ينتظرون من يقوم بالتغيير بالنيابة عنهم مع عدم رغبتهم في دفع الثمن هم غالبا السبب في فشل عمليات التغيير في المجتمعات العربية .
لنعترف جميعا أننا في الغالب الأعم شعوب سلبية بمعنى أننا لا نشارك في صنع الأحداث أو التغييرات ولكننا ننتظر من يقوم بهذا التغيير بالنيابة عنا ونستمتع نحن بجني المكاسب أن نجح التغيير ،أو نكتفي بأننا نجونا من أن ندفع فشل محاولات التغيير،نعم يحكم غالبية الشعوب العربية مبدأ صوتي لن يؤثر ولن أجنى شيئا من المشاركة في التغيير سوى الأذى،نظرية وأنا مالي بالتعبير المصري غالبا ما تكون السبب أننا محلك سر لا نتطور ولا نحقق أي نوع من التقدم للأمام ، بل على العكس نتراجع للخلف وتفسد أي محاولة للتقدم .
لو نظرنا للثورات العربية لرأينا أنها كانت وليدة اليأس ،اليأس من سوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ،ثورات قام بها شباب أدرك أن لا شيء لديه ليخسره فانطلق بكل قوة يحاول أن يصنع التغيير، ونجح بالفعل في ذلك لكن في النهاية فاز بالغنيمة الراكب المجاني الذي لم يكن مشاركا في هذه الثورات،وحتى من شارك فيها  فلقد شارك بعد اندلاعها واقتراب نهاية النظام الذي كان سائدا،هنا استغل الراكب المجاني الثورة ليلتقط ثمارها دونما مجهود أو خسائر .
إن نجاح تجربة الراكب المجاني الرابح وحده لثمار تغيير النظام والثورات العربية ولد احباطا شديدا لدى قطاعات كبيرة من   المجتمعات العربية وجعلها تكفر بالتغيير،فالتغيير الذي صنعه أبنائهم وشبابهم لم يؤدي إلى تحسن الأوضاع بل على العكس لقد أدى إلى تدهورها ،كما أدى إلى  ظهور ديكتاتوريات جديدة جاءت عبر صناديق الإنتخاب لتحكم وفق نظام ألبسته الزي الديني حتى يصعب معارضتها أو الخروج عليها ،فالخروج عليها كفر يحرمه مجموعه من وعاظ السلاطين كما اسماهم الدكتور علي الوردي رحمه الله ،لقد أدت نتائج الثورات العربية إلى ازدياد حالة السلبية في المجتمعات العربية بل ولقد أدت في أحيان أخرى إلى لوم من قاموا بالثورة وتحميلهم مسئولية سوء الأوضاع السائدة ومطالبتهم لمن قاموا بالثورة بمحاولة اصلاح الخلل الناتج عن وصول تيارات بعينها ،وأصبحنا نشهد تناقصا عدديا  ملحوظا في الميادين العربية الثائرة فمن شاركوا في الثورة باتوا يتسائلون عن دوافع استمرارهم في المطالبة بالثورة وهم من صنعوها وأضيروا فيها ولم يجنوا منها شيئا بل على العكس أصبحوا في موقف المدافع عن نفسه وثورته،ومن لم يشاركوا فيها فما حدث للثوار من قمع واضطهاد جعلهم يلتزمون الصمت ويأثرون السلامة ويحاولوا أن ينتظروا لعل الفرصة تأتيهم ويقفزوا في المركب في مقعد الراكب المجاني الذي لا يدفع ثمن وجوده في هذه المركب ولكنه يستفيد من استخدامها مجانا .
إن مشكلة الراكب المجاني وعزوف الجماهير الواضح عن صنع التغيير هو أكبر عائق حقيقي أمام أي اصلاح مجتمعي ،الثورات التي قامت كانت ثورات لحظية بمعنى أنه لم يكن مخططا لها ولم يكن لها أي قيادات أو فكر ثقافي محدد يعبر عنها ،نعم رفعت شعارات عامة كعيش ،حرية ،عدالة اجتماعية ،لكنها تبقى شعارات بلا فكر ثقافي ومنظرين يخططوا لهذه الثورة ويعبروا عنها ،لو نظرنا للثورة الفرنسية التي صنعت التغيير والفارق لرأينا أنها حملت شعارات ولكنها أيضا كان لها منظروها ومفكريها الذين قادوا التغيير الثقافي الذي يجب أن يصاحب أي ثورة من الثورات لكي يصنع الفارق ويحدث التغيير الشامل في أي مجتمع من المجتمعات .
لا يوجد تغيير بدون ثقافة معبرة عنه ومدافعه عنه وشارحه لأبعاده،ولا يوجد تغيير بدون أن يكون له قادة يقبلون بالتغيير ويرغبون في صنع الفارق،لننظر إلى جنوب أفريقيا على سبيل المثال هل كان من الممكن أن يحدث التغيير لولا وجود نيلسون مانديلا ورفاقه الذين آمنوا أن التغيير غير ممكن عبر القوة المسلحة ولذلك لجأوا للحوار ومن ثم لبناء مجتمع جنوب أفريقيا على أسس المصالحة وقفل صفحة الماضي .
التغيير هو ما نحتاجه في مجتمعاتنا واعادة البناء هو الحل الوحيد لكي نتقدم ونتخلص من حالة الجمود التي نحياها الآن والتي تجعلنا دوما في موقع التابع للخارج والمنفذ دوما لإرادته،ولكن التغيير لن يحدث ما لم يؤمن كل فرد في هذه المجتمعات أن لصوته قيمه ولجهده أهمية تستوجب أن يساهم في التغيير ويصبح عنصرا فاعلا فيه ،أما السلبية وانتظار التغيير الذي سيحدث من السماء أو سيولد من رحم الغيب فهذا سيؤدي إلى استمرار ما نحن فيه ،بل لربما سيؤدي إلى أن تسوء الأحوال أكثر فعندما يطمئن الحاكم إلى أنه يحكم مجموعة من السلبيين الغير راغبين في التغيير سيقوم بالتفرد بالسلطة ويقوم بادارتها بالطريقة التي تروق له .
الإختيار الآن للشعب أما أن يشارك في التغيير ويصنعه مهما كان الثمن ،أو ليقبل بالوضع ويتحمل كل أخطاء النظام ولا يشتكي .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب