نوعان من المسارات تحكم العملية السياسية في عراق اليوم، محاولات الإنقاذ لكل الفرقاء في تشكيل حكومة تقفز على الصراعات الحزبية وهمسات الصمت لتمزيق اوصال العراق الى دول متعددة، ومشكلة الرئيس فؤاد معصوم انه يقف على محك الاحداث بشكل لا يحسد عليه من اجل معادلات انية سريعة لوصفات الحلول الناجعة والسؤال كيف يمكن الخروج من هذا المأزق ؟؟
تتعالى همسات الصمت حول تقسيم العراق، مرة في مؤتمر عمان لقوى عشائرية ،وأخرى في لقاءات بعض القيادات الكردية امام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،وفي كلا الامرين ، لا يبدو العراق الا عرضة للتقسيم، ففي واشنطن ، دعا إقليم كردستان المجتمع الدولي الاعتراف بواقع التقسيم في العراق الى 3 دول، وقال فؤاد حسين رئيس ديوان رئيس إقليم كردستان في جلسة استماع نظمها معهد واشنطن ، ان الاحداث ما بعد سقوط الموصل بيد داعش وانهيار 80% من القوات العراقية تؤكد ظهور ثلاث دول واقعية ذات ثلاثة أنظمة مختلفة، كلها ضمن بلد واحد. فثمة دولة إسلامية أممية لا تعترف بالحدود الجغرافية.،وهناك كردستان، دولةٌ آمنة تحاول بناء عملية ديمقراطية، مكونة من مجتمع متعدد الأعراق والديانات يؤمن بالحرية الدينية وبحقوق الإنسان.،ولكن هذه الدولة لم تعد تحدّ العراق، بل “الدولة الإسلامية” التي أعلنت نفسها بنفسها وتفصل بيننا وبين بغداد. أما الدولة الثالثة فعبارة عن حكومة معطّلة أو مفككة في بغداد.
حسين اكد في شهادته امام مجتمع صناع السياسات الاميركي في الاجتماع الذي اداره ” ديفيد بولوك” الخبير المتخصص بشؤون الامن في الشرق الأوسط بان مهمة حكومة إقليم كردستان تتمثل الهدف في الدفاع عن حدوده، مشيرا الى ان الولايات المتحدة وتركيا ليست مستعدتان لإرسال جيوشهما، كما أن الأكراد ليسوا قادرين على التوغل في المناطق العربية ومحاربة الإرهاب.
فيما يؤكد مؤتمر الشخصيات العشائرية المنعقد في عمان ، صحة التوقيعات بان ثمة ترويج لظهور سياسي مؤيد لتنظيم داعش وخلافته الإسلامية في المنطقة، وان هذا الترويج قد وظف لأسباب مرحلية الكثير من الشخصيات التي ترى ان تهميش اهل السنة في العراق الجديد لا يمكن حله الا من خلال القتال المسلح ، والفارق الشاخص امام المثقف العراقي ان هذا التحالف ما بين قوى طالما وصفت نفسها ضد الطائفية السياسية نراها اليوم في مؤتمر عمان او ذلك الذي يتبعه ربما في مصر او لبنان او اسطنبول ، اكثر انغماسا فيها ، لان التشكيل المطروح بغياب للفعاليات الشيعية وربما الكردية ، يذكر بمؤتمر لندن للمعارضة العراقية عام 2002 حينما غابت الفعاليات السنية عنه مكتفية بحضور الشريف علي بن الحسين الذي وقع ممتعضا على وثيقة المحاصصة الطائفية التي منحت السنة العرب حصة ال13% من مجموع المناصب في حكومة ما بعد “التحرير الأميركي” ، والتي اعتبرها العرب السنة فيما بعد في مباحثات كتابة الدستور ، والتي اشترك فيها شخصيات تشارك اليوم في مؤتمر عمان، بانها تهميشا لأهل السنة في العراق الجديد .
هذه الوقائع ، تجبر الرئيس العراقي الجديد البحث عن حلول مفيدة والسؤال كيف ؟
الدكتور فؤاد معصوم، الرئيس العراقي الجديد، رجل هادئ في اصعب الظروف التي تحيط بالعملية السياسية العراقية، هكذا عرفته منذ عام 2003 ، وكتبت على حائط الفيس بوك “من يعرف الدكتور فؤاد معصوم يعترف بكونه احد قادة العمل السياسي في العراق الجديد ، في احاديثه، يؤكد حرصه على ايجاد الفرص المؤاتية لحل المعضلات ،و الكثير من الامور تأخذ نصابها الصحيح بعد ان نستمع لكلمته ” المؤجلة” عن مستقبل العملية السياسية في وطني العراق وهو يواجه مرحلة اضطراب امني وسياسي فاحشين .
مشكلة اليوم ان ينتهي من انتخبهم الشعب قبلنا بهم ام رفضناهم الى حلول مصيرية ترسم خارطة طريق للاصلاح الحقيقي وليس تسكين الالام ومهمة الدكتور معصوم خلق الاجواء الايجابية لمثل هذه الحلول ربما تكون محور كلمته المنتظرة”
وفي اتصالات هاتفية متكررة وجدت الرجل في اجتماعات دائمة، مرة مع قيادات التحالف الكردستاني بعد ساعات من انتخابه رئيسا للعراق الجديد ، ومن ثم مع قيادات التحالف الوطني ، وثالثة مع شخصيات دولية وأربعة …. كل هذه الاجتماعات تبدو استطلاعية، يستمع فيها الرئيس المنتخب لطروحات الجميع باذان صاغية ، بحثا عن حلول يريد منها المضي بسفينة العراق نحو بر الأمان وسط أمواج مضطرية وصخب سياسي واعلامي متصاعد عن الكتلة لاكبر التي لابد وان يكلفها الرئيس بتشكيل الحكومة.
مشكلة اليوم ان الرئيس معصوم يريد ان يستعيد الدور الكردي كبيضة قبان في العملية السياسية العراقية ، هذا الدور الذي اختفى في خضم الخلافات بين بغداد واربيل ، فيما تبقى السياسات الكردية نوعا من السعي الهادئ لتحقيق المطالب ، بعقلية رجل حصل على الدكتوراه في رسالته عن “اخوان الصفا ” ، فيما بقي مخلصا لميوله اليسارية وأيضا ظلا ملتصقا بالجبل والبشمركة لايجاد الحول للقضية الكردية فكان اول رئيس وزراء لإقليم كردستان عام 1992 ، في تلك الظروف الصعية ، مما يجعله يحظى باحترم جميع الفرقاء الاكراد ، كما حظي باحترام جميع الأطراف في بغداد خلال ترؤسه للجمعية الوطنية عام 2005 .
ويمتلك الرجل من الخبرة والدراسة بانه عمل في لجنة كتابة الدستور العراق الدائم، ويعرف خفايا التوافقات السياسية التي أدت الى وصول العملية السياسية الى هذا الدرك الأسفل من المعضلات، كل ذلك يجعله اليوم على محك التعامل مع الزعامة الشكلية لمنصب رئيس الجمهورية بكونه حافظا للحريات والدستور.
المثير للجدل ان الرجل رفض في حديث صحفي سابق معه أي وصف بكونه خليفة الرئيس طالباني في حزبه او منصب رئاسة الجمهورية، وكرر في ذلك اللقاء على انه لا يطمع باي موقع لا يكون نتيجة توافق سياسي شامل داخل الاتحاد الوطني الكردستاني وأيضا داخل العملية السياسية برمتها.
المثير في الموضوع ان الرئيس معصوم سبق له وان عمل مديرا للإذاعة الكردية الناطقة باللغة العربية، ويتملك قدرات إعلامية في الحوار بلغة عربية فصحى ربما تضاهي ما يمتلكه الكثير من المذيعين العرب، فهل يوظف هذه القدرات كلها في حوارات الحلول التي يبحث عنها .. سؤال بانتظار كلمته امام مجلس النواب العراق ؟؟