لطالما كان صانع القرار السياسي ورأس الهرم في أي سلطة سياسية محلّ دراسة وبحث من قبل المختصّين في العلوم السياسية، كيف لا وعلم السياسة هو علم السلطة.
كيف يفكّر صانع القرار؟
ما هي العوامل المساهمة في تكوين شخصية صانع القرار؟
كيف نشأ؟ وكيف أنعكست هذه النشأة على طريقة إدارته للدولة؟
ما تأثير البيئة المحيطة بصانع القرار على قراراته؟
ما مدى الحرية التي يتمتع بها صانع القرار في اتخاذ قراراته السياسية؟
وهكذا..
نحاول من خلال هذه الأسئلة وغيرها البحث في الخفايا التي تقف خلف القرارات والمواقف الظاهرية لصناع القرار وزعماء السلطة، ومنها التنبؤ بالقرارات المستقبلية لهم.
ولأجل هذا وضعت نظريات مهمة في العلوم السياسية وأسّست مدارس فكرية، فكانت المدرسة السلوكية ونظرية صنع القرار وهكذا.. لكن كل تلك النظريات والمدارس لم تصل لنتيجة حاسمة في فهم كيف يفكّر “صناع القرار” أو الزعماء السياسيين. وهذا مرده لطبيعة الإنسان نفسه والذي هو ليس من قبيل المواد القابلة للقياس، بل إن مشاعره وحالته النفسيّة تحركانه إزاء هذه القضية أو تلك في أكثر الأحيان..
فهنا اتخذ قرار الحرب في وضع كان فيه نفسياً يعيش مرحلة بالغة السوء في حين كان يميل لتسوية قضايا أعقد من الأولى بالطرق السياسية والدبلوماسية بسبب حالة من الراحة والاستقرار.
قطعاً الأمر ليس لهذه السهولة والسذاجة، لكن ما نريد قوله إن العوامل النفسية تترك أثرها بشكل كبير على صانع القرار إن شئنا أم أبينا.. وهذا ما يدفع صانع القرار لإتخاذ قرارات ومواقف تظهره في غاية الحماقة السياسية لا لسبب مقنع أو عامل منطقي وإنما لمجرد وقوعها مع يناسب نفسه على المستوى العام أو الخاص.
فالبشر في العموم يتساوون من حيث الرغبة في مديح الناس والإشادة بهم، ولذا نجد صانع القرار دوماً يبحث عن جوقة من المطبلين له ولسياساته حتى وإن كان على المستوى العقلي يدرك أو يعلم كذبهم.
كما أنه يميل لإخافة الناس والظهور بمظهر المهيب على الرغم من أنه من الناحية العقلية محبة الناس شيء ألطف أو أجمل، لكن مشاعر الهيبة تتغلّب على صوت العقل والمنطق.
ومنظر الزي العسكري أكثر وقعاً من الناحية النفسية والمشاعرية من ذلك الشخص المدني البسيط المتواضع، بالتالي تجده يميل إليه رغم أن الناس تميل أو تحب من يشابهها في المظهر.
وإذا ما نظرنا اليوم لعموم المشهد السياسي فإننا سنجد هذه المظاهر ماثلة أمامنا وبما يجعلنا نكرر السؤال ذاته: كيف لصانع القرار أن يتخذ ذلك القرار الأحمق؟
إذا ما نظرنا لرئيس يخصّص من موازنة الدولة مبلغاً لا بأس به لمجموعة من المرتزقة -ممن يحسبون على عالم الصحافة- لينافقوه وليلمعوا صورته وليسبحوا بحمده ليل نهار، فيما كان بإمكانه أن يحوّل هذه المبالغ لمن يستحقها وعندها سيحصل على الأمرين معاً، حب الناس الذين أحسن إليهم ومدح مجموعة من الصحفيين والمراقبين لهذه الخطوة.. لكنه يتصرّف بحمق !!!
وكذا حال قرارات المواجهة العسكرية لو وضعها صانع القرار في ميزان العقل والمنطق لاكتشف أنه كان بالإمكان تجاوز المواجهة العسكرية وتسوية الخلافات سلمياً بأقل الأضرار والخسائر، لكن مشاعر الثأر والرغبة في الانتقام قد تدفعه لاتخاذ قرار الحرب في أكثر الأحيان دون أي اعتبارات منطقية.
حالة الحمق التي قد تصاحب بعض صنّاع القرار أو أصحاب السلطة تذكرنا بمشهد فرعون عندما قرر أن يتبع جيش موسى (عليه السلام) بعد أن شقّ الله (عز وجل) له البحر، إذ كيف لرجل غير مؤمن يشاهد نبي يشق له البحر ويعبره دون خوف فيتبعه؟؟ اللهم إلاّ إذا كان أحمقاً، وهذا ما كان عليه فرعون..
فماذا كانت النتيجة.. غرق فرعون ومات على الكفر وأودى بقومه إلى الهاوية.