يعد تولي منصب الرئيس، والذي هو في العادة منصب تنفيذي، من أكبر الأمنيات التي يتمنى السياسيون تحقيقها، لأنه يستطيع تحقيق أفكاره التي يطرحها في الإجتماعات والندوات، ويسلك لتحقيق هدفه هذا سبلا كثيرة، قد يكون بعض هذه الأساليب غير مشروعة أو مستساغة.كما أن الرئاسة يمكن أن تُعد مغنما، يستطيع الرئيس أن يحقق ما يتمناه لنفسه ولعائلته، من شهرة وجاه وحتى غنى أيضا، وهنا لدينا شواهد كثيرة لسنا في وارد ذكرها هنا.
بعد التغيير الذي حصل في العراق بعد عام 2003، كان لابد من التفكير في كيفية إدارة البلد بالشكل الذي لا يتيح عودة الدكتاتورية مرة أخرى، بالإضافة الى عدم تهميش الأقلية التي كانت مسيطرة على الحكم طيلة ما يقرب من قرن كامل، وهو عمر الدولة العراقية الحديثة، من هنا كان تشريع أول دستور عراقي دائم (مع وجود الملاحظات على بعض فقراته)، ونجح العراقيون في إنتخاب ممثليهم في أول انتخابات تشريعية، ما نتج عنه حكومة شراكة ضمن فيها الشيعة رئاسة الوزراء، بالإضافة الى الكورد والسُنة.
الملاحظ أن الكتلة الأكبر وهم التحالف الشيعي، لم ينجحوا في أن يكونوا تحت مظلة واحدة؛ إلا عندما كان السيد محمد باقر الحكيم، الذي إستشهد في عملية تفجير عن مرقد الإمام علي (عليه السلام)، وأيضا في عهد أخيه السيد عبد العزيز الحكيم، والذي توفي بعد صراع مع المرض، بعد أخذ عقد التحالف الوطني والكتلة الشيعية بالإنفراط، ما ولد إحباطا كبيرا في الشارع الشيعي، خاصة مع إستلام السيد عمار الحكيم رئاسة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وخروج بعض القيادات من تحت عباءة المجلس.
بدأ عمار الحكيم بالترويج لتشكيل مؤسسة التحالف الوطني منذ إستلامه رئاسة المجلس الأعلى في كثير من المناسبات، لكنه كان يصطدم بمعارضة شديدة من قبل دولة القانون، التي ترى أنه لا داعي لهذه المؤسسة، لعلمها بأنها ستضرها أكثر مما تنفعها، خاصة مع إستحواذ الأخيرة على كثير من المناصب القيادية في الحكومة العراقية، والتي تمول الحزب ماديا وماليا، بالإضافة الى إعتراض الأحرار لإعتبارات شخصية.
نجاح التحالف الوطني في تسمية السيد عمار الحكيم رئيسا للتحالف الوطني، لا يعني القبول بفكرة مؤسسة التحالف الوطني، بقدر ما هو نوع من الهروب الى الأمام، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار عدم قبول التيار الصدري برئاسة السيد الحكيم للتحالف الوطني، والذي وصفوه بأنه ((مؤسسة طائفية))، كما أن الفترة المتبقية من عمر التحالف ليست طويلة، فلا يمكن لرئيس التحالف الوطني أن يقدم شيئا ذي بال، وهو الذي يريد أن يتولى محاسبة المتلكئين والفاسدين في عملهم، كما أنه يريد أن يراقب عمل الحكومة ويحاسب وزراء التحالف الوطني، في حالة عدم قيامهم بعملهم بصورة جدية.
نعم نحتاج هكذا مؤسسة تحاسب المسؤول وتقيم عمله، لكن أمامنا السلطة التشريعية، وهي أعلى سلطة رقابية في البلد، هل إستطاعت أن تقوم بدورها بصورة صحيحة؟ الجواب بالتأكيد (لا) السبب في ذلك لأن الأدوار موزعة بحسب التوافقات الحزبية والحصص الانتخابية التي يملكها كل حزب داخل مجلس النواب.ما الحل؟الحل يكمن في تشكيل حكومة أغلبية حتى وإن كانت بسيطة، تمنح صلاحيات واسعة للعمل، مع عمل السلطة التشريعية على مراقبة الوزارة عن كثب، وحضور رئيس الوزراء والوزراء دوريا الى مجلس النواب لإطلاعهم على عمل الحكومة، كما يجب على السلطة التشريعية أن لا تقوم بعمل المتصيد بالماء العكر، من خلال جمع المعلومات للإبتزاز، فهذه بحد ذاتها جريمة يعاقب عليها القانون، بل يجب إيضاح الحقائق وطرحها بكل تجرد وشفافية لتقويم عمل الحكومة خدمة للصالح العام.