لو دققنا مليا في ملامح قصيدة مشروع مجموعة الشاعر
وليد حسين ( ظلي هناك ) لوجدنا أغلب نصوصها قد جاءت
ضمن حدود ترجمات شفروية متعددة تحتمل قراءات مختلفة الأوجه التي من شأنها ترويج ثنائية ( التكشف / التحجب )
حيث أن القارىء لهذه النصوص الشعرية يبقى متابعا لسؤال العضوية الشعرية بكل ما تذهب إليه من مؤولات اختلافية في دائرة وجهة النظر بيد أن القارىء لها يظل حبيس اللسان و السمع و البصر و انطلاقا من هذه التعريفية الاستباقية لهوية و معنى دلالة النص الشعري في مجموعة الشاعر أجدني أقول أن نظرية القراءة يمكنها ترجمة دلالات النصوص في شكل استحالي المفهوم و التصور و الاحتمال و الواقعة ، غير أنها في الوقت نفسه يمكنها أحتواء آلية انتاج مشفر الترجمة دون الولوج الفعلي في هاوية السقوط النسبي في مدار المؤول الأحادي لشفرة دال ( قراءة / تأويل)
وهذا الأمر بحد ذاته سوف يكون بوصلتنا الأداتية في قراءة نصوص ( ظلي هناك ) حيث لاحظنا بالتالي بأن أغلب نصوص المجموعة قد جاءتنا بلغة أقرب ما تكون الى عوالم و أجواء معاملات المقامات الصوفية الغارقة في حقيقة هوية الواحدية و الوحدانية و الأحدية و شواهد العيان التي أمتاز بها أصحاب التصوف و العرفان . و إذا فحصنا من جهة ما هذه العلامات الايقونية من جانب يبدو أكثر أهمية في مكونات قصيدة الشاعر لوجدناها عبارة عن جملة خلوصيات تسعى في ذاتها للفناء وهو في أقصى حالاته الصيرورية و النواتية الإيصالية المنبثقة في حلقات روحية دال البنية
الذهنية الشعرية المقاربة لحدود شروعية انجاز النص المتعدد في قراءته و تأويله في أبعاد آفاقه اللغوية و الجمالية
و الأيقونية .
( النص تركيبة إجرائية بعلامة متعددة )
منبلج كالصبح .. له وجه قدري
أناخ النجم على منحره
يدمدم
مع زمجرة الصوت الغاطس
في الأعماق .
في مقاطع هذا المدى الدوالي الممتد من أفق المتن الصوفي
النصي ثمة انفتاحية ما حول مديات فضاء يتراءى لنا
متواريا خلف مشجب حساسية دوال الحجب و الأعماق
و عبر المزيد من التجليات الصورية المنداحة في صيغ
الترجيح الايقوني السالك نحو مركزية و فاعلية الأنبلاج
التضامني المشترك على قاعدة استهلالية واحدة و على
قاعدة سياقية واحدة : ( منبلج كالصبح .. له وجه قدري )
بهذه الانبلاجية التضمينية و التشبيهية ( كالصبح ) نعاين
بأن الدلالة تقودنا في البدء نحو ظهورية ما يكون مصدرها
دوال ( الصوت / النجم / يدمدم / الوجه / قدري ) وصولا نحو تقاربية عضوية في أفق الأنتقال الأضماري و التقاربي
في علاقة الدوال ( الصوت الغاطس = في الأعماق =
في وحدته = وظيفة إحالية = تصدير عتبة علامية متوارية )
فيما تدخل إجرائية هذه الدوال في صميم مساحة ( النص
تركيبة إجرائية متعددة = الأنا التشكيلية = الأحتواء الخطابي) وذلك لإدراكنا لحجم الصراع بين الأفق العتباتي
في دلالة المركز ( متحدا بالعزلة ) و بين دلالة المؤول
الأظهاري في دليل المشفر التحقيقي الذي راح بدوره يتمثل
لنفسه صوت دال ( الأعماق ) . و هذه المقاربة منا مهما
كانت مسطحة ، إلا إنها تعيد إنتاج الإفتراضية المخصوصة
في مواطن معالجة مؤولات و إجرائية خطوات النص و
كلامه التوالدي .
إذا جاء الليل
و الليل يتطاير بالأرق المزمن
يبحث عن دفء التلويث
مازال الوقت ممتلئا
بأساطير السرد المتهرىء.
يمكننا معاينة هذه الشفرات العضوية و التوصيفية من
زاويتين : الأولى كمجموعة خطية من ( العلامات +
الأداة اللغوية + الدلالة المخصوصة + التكشف + التحجب)
و الثانية كمجموعة منفلتة من دائرة تشظي المقاربات
الدلالية التي ترتبط و حدود بنية متجلية من الكيفية المتعددة
في لغة وصف ( الأرتباط / الطابع / الأبقاء / خاصية الدليل)
أي أنها منتوجات خطية صادرة عن أفق مسايرة ما تبدو
متعلقة و هوية التركيبة المشفرة في تراسلية مقولة قارة في
أشكال الأستقبال الترابطي في دلالات المتن الشعري
( إذا جاء الليل = درجة خطية متوسطة الدليل = مركب
علامي = احتمالية صورية مقاربة الدلالة ) و الى جانب
هذا الأمر هناك دليل خاصية موضوع في عتبة الأستقبال
التصديرية الأولى و التي تتضمن عضوية الحدوث العتبي
( كالصبح ــ في وحدته ــ الصوت الغاطس ــ في الأعماق
ــ إذا جاء الليل ــ و الليل يتطاير ــ بالأرق المزمن ــ يبحث
عن دفء التلويث ) ان حضور مركزية الدليل المؤشر على
وحدة قصدية الأستدراج تكمن في دوال و مؤولات ( متحدا /
أحذوا / بالعزلة ) و الشاعر في هذه الأنتقائية الأنتقالية راح
يدعم وسيلة المعنى نحو السياقية الرحمية و الربطية بالميل
أولا و أخيرا نحو خلق أدلة أظهارية بعلامة منفتحة و
واضحة تتشارك في العديد منها مع نوعيات الدليل الأنعكاسي
المخالف و الراجح في فرضيات المعنى عكسا .
و أنا الوهم
أسترق السمع .. أعظم آلهة للنجوى
وخبايا الصدع المتقيء
عند الشبق
ثمة حدس يوصلني بالطرف الآخر
من العالم
بمناطق ليست مهجورة .
في هذه المسافة الذروية هناك منطقة مبهمة من الإيحاء
حيث نرى الشاعر يلوح أليها عبر كيفية رسم الحالات
المقصدية المحتجبة من جهة طاقة تكشف الأيحائية المضمرة
في أنا المتكلم ( و أنا الوهم ــ أسترق السمع ) أن وليد حسين
يسعى نحو العلاقة المراوغة في نصه المبطن و في حدود
دلالاته الملتبسة وهو يتراءى في النقيض ــ المعادل ( ثمة
حدس يوصلني ) إذ تتجه حواسية ( الباث / المستقبل ) نحو
إبراز الكينونة المحتجبة في خاصيتها الأبتدائية الزمنية
( الذات / المثول / زاوية ــ الحضور ــ الغياب ) وصولا الى
قناة المستوى الأظهاري وهو يشغل في ذاته مستوى تحريك
شكل دال المتوار المؤثر ( بالطرف الآخر من العالم ) مما
يحفز وهمية طرف الباث في النظر الأوسع الى صوره
التشكيلية ل ــ ( بمناطق ليست مجهولة ) و على هذا النحو
صار الشاعر يحيل معادلاته الحواسية و التوصيفية نحو فاعلية ( حجب الشفرات ) إذ ينفتح المقترح المؤول الدال
( متحدا بالعزلة ) من خلالها و بانضمامه في الوقت نفسه
عبر تماس المخالف من الحواس ذاتها و آلياتها مما راح
يجعل حدود الصيغة الرجعية و كأنها استجابات مغيبة في
افتراضية معنى الدوال الوظائفية المقترحة .
( تعليق القراءة )
في عوالم شعرية قصيدة مجموعة ( ظلي هناك ) عاينا
بوضوح بأن لدى الشاعر ثمة ثنائية ( تكشف / تحجب )
تتصل و حدود أشكال أيقونية منغمة في معناها الصوفي
الإيحائي و عبر القولبة الأسلوبية و الفنية . فما هذه التجربة
إلا صورة كبيرة شاهدناها من خلال قراءتنا لقصيدة
( ظلي هناك ) و قصيدة ( الصمت ينمو ) و قصيدة
( مغيب أنا ) و قصيدة ( طويت رحلك ) و قصيدة
( أرصفة الطرقات ) و قصائد أخرى عديدة في مجموعة
الشاعر . غير ما لفت انتباهنا في مجموعة الشاعر هو تلك
الوسائلية الأداتية في منطقة شعرية التكشف و الأحتجاب
وصولا الى تلك المسارية الأنفتاحية في مواطن شفرات
لغة القصيدة وهي تقرر صورة الذات الشعرية فيها مساحات
واسعة من المعنى المعادلي و البلاغي في متاريس الدال و
الدليل و عمقه في حجبه و انكشافه و في غيابه و في
حضوره عبر مواطن تلك الأفكار و تمظهراتها المفتوحة نحو
إضاءة سيره المتواصل نحو المكاشفة في معجم القصيدة
المضاعفة في الحس الشعري الأخاذ.
ينأى بعيدا ..
عن النطق
لا يسلك طرقا مطروقة
و الألفاظ رسل القوم
تتمرد عند الأملاء
وهي أداة
للتغير لا للتكفير .
يبدو أن الألمام بالتصور الذي يقاسم اجرائية فعل علائقي
ما ، ليس أكثر من قياس ما في إثارة جوانب معينة من دخيلة
حواسنا المغيبة . وهذا التصور المحكوم بفعل التأثير بالآخر
كنوع معين لمقادير معطيات استدلالية مباشرة ومحايدة من
شأنها استدراج دلالات غواية المقروء الى أقصى حالات
منح مسرح شعورنا جاهزية حصيلة ما تحدد مقدرتنا
الأيحائية بالتوافق مع تلك العلاقة التي تربطنا بالنص ذاته .
و هذه التوفيقية بطريقة ( الذات / الموضوع ) و بعلامة
( القراءة / التلقي ) لربما تمنحنا بدورها حدود أفق ذلك
المعنى المخبوء في مواطن صيغة شعرية ليس من السهل
علينا أن ننتهي أليها في أقرب فرصة لخيارتنا المعيارية
الذاتية إلا في حالة واحدة هو جعل تلك المعايير الدلالية
في النصوص دون مستوى الأختبار و المساءلة و البحث
في مشروطية مسوغاتها الأحادية و المتعددة . بل مثل هكذا
نصوص كمجموعة ( ظلي هناك ) حتما هي واقعة المحمولات الكيفية التي تشغل لذاتها أقصى حالات
الإعتبارية التصورية المحكومة بأدق أفعال ذروية الإجراء
الفني التي لا يمكن الإحاطة باتجاهاته الشفروية عبر حدود
مجساتنا و وعينا المتساءل بحسية الميول حينا و الإضطراب
حينا و الإفتراض تعليقا .