18 ديسمبر، 2024 9:47 م

الرؤية السياسية بين الحقيقة والخيال

الرؤية السياسية بين الحقيقة والخيال

عندما دخل نيلسون مانديلا السجن في خمسينيات القرن الماضي كتب على جدار زنزانته عبارة تتحدى الواقع ( سأصبح رئيس جنوب افريقيا ) ،عبارة في ذلك الوقت تعتبر ضرباً من الخيال لان نظام التمييز العنصري كان في اوج فتراته ، هذه العبارة تجسد رؤية مانديلا ، تلك الرؤية تعبرعن حلم وصورة في مخيلة صاحبها ، استطاعت ان تحافظ على ثباتها في عقلية وسلوك ومنهج مانديلا حتى اصبحت حقيقة في عام 1990.
كثير ما نسمع هذه الايام من ان الدولة الفلانية أطلقت رؤية 2030 والاخرى لديها رؤية 2025 وربما البعض من الدول ذهب ابعد من ذلك واصبح يطلق العنان لرؤية اطول من ذلك الوقت ، الحقيقة ان هذه الدول تخلط الاوراق و تتعمد الخطأ لمحاولة إيهام وإسكات شعوبها لفترة معينة من الزمن من جهة وايصال رسائل الى العالم بأنهم يخططون ويعملون ومن الممكن ان يكونوا نموراً او اسوداً شرق اوسطيون خلال العشرين سنة القادمة من جهة أخرى . رؤياهم مجرد زوبعة اعلامية وأحلام غير قابلة للتحقيق…وبكلمات أخر، ان تلك الدول تتعمد خلط المفاهيم وباتت تستخدم المؤثرة منها على عقلية شعوبها ، فهي تتعمد استخدام مفهوم الرؤية بدلاً من مفاهيم الخطط والمشاريع والاهداف السيتراتيجية وذلك لكون مفردة( رؤية) اصبحت واسعة الانتشار في كل اللغات وذات تأثير كاريزمي على المتلقي وبدأ استخدامها في وسائل الاعلام ينتشر بغزارة .
نجدها في اللغة الانكليزية بمفردة (vision )، تعتبر هذه المفردة من الكلمات الجميلة وسهلة النطق والحفظ وفيها موسيقى او جذب معين نحو المتلقي ، بالاضافة الى ذلك فهي تستخدم هذه الايام كثيراً بامثلة معبرة وذات مغزى تحث على العمل والادارة السليمة ومنها ;
(A vision without action is a dream and action without a vision is a nightmare.)
ونجدها ايضاً في اللغة العربية مفردة معبرة بغاية الجمال ، وبدأت تأخذ حيزاً كبيراً في الاستخدامات اللفضية والكتابية ، وهي في الغالب تستخدم كمفردة تعبر عن مفاهيم اخرى لكنها بدأت تكون اكثر قبولاً لدى السياسي والاعلامي والمتلقي في نفس الوقت .
لا يوجد رؤيا تحدد بزمن معين، لان معظم الرؤى في وقت اطلاقها تكون عبارة عن حلم او خيال في مخيلة اصحابها، قد يتحقق او لا… وهي في العادة اقصى طموح ممكن …. وممكن سرد العديد من الامثلة للرؤى التي كانت خيالاً او حلماً وقت اطلاقها لكنها اصبحت واقعاً بعد بعد مرور فترة زمنية غير محددة ، هذه الفترة قد تطول وقد تقصر حسب ظروف المرحلة ، اهمها الرؤيا التي اطلقتها احدى الشركات الالكترونية الامريكية في الثمانينات من القرن الماضي والتي قالت فيها بانها سوف تعمل على ان يكون في كل بيت جهاز كومبيوتر، في ذلك الوقت كان هذا الكلام عبارة عن احلام صعب تحقيقها، لكنها اصبحت حقيقة مع تقدم العلوم وزيادة المعرفة .ورؤيةاخرى لاحدى شركات الموبايل عندما قالت بأنها سوف تعمل على امتلاك كل شخص في العالم جهاز موبايل ، ايضاً كانت حلماً صعب التحقيق قبل خمسون عاماً، لكنها اصبحت واقعاً مع دخولنا الألفية الثالثة .
يمكن القول بأن الرؤيا هي جزء مهم من العمل السيتراتيجي المنظم ، لكن لا يمكن استخدامها كمفهوم شامل لمجموعة ادوات العمل السيتراتيجي المتمثل ( بالتخطيط والاهداف ، والتنفيذ والمراقبة والتقييم ).