22 نوفمبر، 2024 10:08 م
Search
Close this search box.

الرؤساء و القفص .!!

الرؤساء و القفص .!!

نُسجّلُ هنا اوّلاً , أنّ هذه الكلمات ليست لأجل الدفاع عن ايٍّ من الرؤساء العرب السابقين او المخلوعين , ولا حتى التعاطف مع شخوصهم وسياساتهم , وكذلك الأمر مع الرؤساء غير العرب الذين جرى خلعهم بالطريقة التي خُلِعوا بها وبخلاعةٍ سياسيةٍ متوحّشة .
  لقد شاهدنا جميعاً الصور المتلفزة للرئيس السابق حسني مبارك خلف قفص المحكمة وقد كان اجلاسه على سريرٍ طبّيٍ وارتداؤه النظارة السوداء داخل قاعة المحكمة المغلقة , اشارة لتلافي الإحراج والخجل أمام الشعب ودول العالم الأخرى بعد ان كان يحكم مصر لأكثر من ثلاثين عاما , كما شاهدنا ايضا صور الرئيس المصري السابق الآخر ” محمد مرسي ” وقد البسوه بدلة السجناء واقفاً خلف قضبان قفص الأتهام بطريقةٍ مُذلّة .!
 وكأمثلةٍ مختارةٍ اخرى , وكأفرازٍ لما هو أبعد من قفص المحاكم ونتائجه , لاحظنا الطريقة البربرية البشعة التي جرت عند القاء القبض على الرئيس السابق ” معمّر القذافي ” , والى ذلك , وخارج النطاق العربي , فلا زالت ماثلةٌ في الأذهان طريقة الأعدام المبتذلة للرئيس الروماني السابق ” نيكولاي شاوشيسكو ” وزوجته في عام 1989 . وفي الواقع فمهما ارتكبوا هؤلاء الرؤساء او غيرهم من اخطاءٍ او ما هو اكبر من الأخطاء ! فليس من التحضّرِ ابداً ان تجري معاملتهم بهذه الأساليب البدائية التي تنّم عن روح الثأر والحقد , فعدا الأقتداء بحديث الرسول ” ص ” < ارحموا عزيز قومٍ ذَلْ > , فما الضرورة القصوى وما هي الحتميّة التي لا بدّ منها ! أنْ يوضع رئيس دولةٍ ما داخل قفص .؟ وخصوصاً أنّه في طور التحقيق القضائي انتظاراً لحكم المحكمة , وكم سيغدو من التمدّن لو كانت محاكمة الرئيسين < حسني مبارك و محمد مرسي او غيرهما > في مكتبٍ لائق وبأحتفاظ كُلّ منهم بشخصيته واناقته دونما بزّة السجون , وما الضرر في ذلك اصلاً .! وكم ستكون صورةٌ لامعة لأيّ نظامِ حكمٍ جديد حين يتعامل مع قادة الحكم السابق بطريقةٍ لائقة وبأحترام .
  تجرّنا هذه الكلمات الى يوم 23 يوليو 1952 , يوم الثورة المصرية والقضاء على النظام الملكي في مصر , حين تمّ توديع الملك فاروق ” منفيّاً ” على ظهر يختٍ حربي ضمن مراسمٍ عسكريةٍ بروتوكولية وجرى اطلاق 21 قذيفة مدفع فيها ضمن المراسم المتبعة , كان قادة الثورة المصرية من الضباط الأحرار برئاسة اللواء محمد نجيب وجمال عبد الناصر والقادة الآخرون على درجةٍ عالية من التحضّر , بينما كانت الصورةٌ سوداويةً حين عرض تلفزيون بغداد جثث الرئيس السابق عبد الكريم قاسم والقادة العسكريين الآخرين القتلى , كانت جثث البعض منهم تتدلى من جانب المقاعد والأخرى مرميّة على الأرض وبطريقةٍ بعيدةٍ عن المظاهر الأنسانية , وحينها انتشرت اقاويلٌ في الشارع العراقي بأنَّ مصير واسلوب عرض قادة تموز 1958 ما هي إلاّ ردّ فعلٍ طبيعي لما جرى لرموز الحكم الملكي  ” ابتداءً من اطلاق النار على  الملك فيصل الثاني الشاب   ومرورا بالوصي عبد الأله وانتهاءً بنوري السعيد ” وبطريقةٍ مخزية وهمجيّة يخجل منها حتى المغول والتتار .! ولماذا لم تجرِ محاكمتهم اصلا قبل اعدامهم بالطريقة المقزّزة للأنفس .!
  وبالعودة الى ” القفص ” وقضبانه  فأنه لم يوجد اصلاً لمحاكمة رؤساء الدول ووضعهم بداخله ! وانما وكما معروفٌ فأنه ليس سوى حالة رمزية قضائية للمتهمين الجنائيين كانت قد اوجدته دول اوربا منذ بضعة قرون , ثمّ توارثتها دول العالم منها , وهو حالة رمزية فقط و ليست لغرض حصر المتهم بداخله وعدم تمكينه من الهروب في قاعةِ محكمةٍ تعجُّ برجال الشرطة وخصوصا في خارجها ومحيطها .
  ينبغي على اجهزة القضاء في العالم وخصوصاً رجال المحاماة التعمّق في النظر اكثر بأنّ اقفاص الأتهام تشكّل حالةً من الأهانة وتشويه السمعة وبشكلٍ خاص اذا ما تمّت تبرئة المتّهم من التهم الموجّهة ضدّه , وهذه الحالة تخالفُ كلّياً مبدأ : < المتّهم برئ حتى تثبت ادانته > . والى ذلك ايضا فوضع المتهمين ” وخصوصا السياسيين ” داخل الأقفاص فأنه سيفرض عليهم حالةً سيكولوجية من الضعف المصحوب بالأحراج المعنوي والأجتماعي , ويزيد الطين بلّةً في ذلك اذا ما جرى نقل محاكمة الرؤساء والسياسيين على شاشات التلفزة , ولعلّ ذلك يعيد التذكير بِ ” محكمة المهداوي ” في زمن الرئيس قاسم وما جرى فيها من مهاترات وتجاوزات من قبل رئيس المحكمة ذاته ..
  إنّ التمسّكَ القضائي بنصبِ الأقفاص وسطَ قاعات المحاكم ” واينما كان في العالم ” هو حالةٌ تجسّد الغباء القضائي المتّسم بقصر النظر المفرط في مسألة حقوق الأنسان , فالأقفاص بحدّ ذاتها جرى ابتكارها وصنعها للحيوانات وليس للأنسان , ولم تستطع ” لغاية الآن ” اية مرجعية قضائية رفيعة المستوى في ايٍّ من دول العالم من تبرير وتسويغ ضرورة وضع الأنسان المتهم ” افتراضاً ” داخل مثل هذه الأقفاص , وهذه الحالة تتعلّق بعموم المتهمين من بني البشر , فكيف تغدو مثل هذه الحالة اذا تعلّق الأمر برؤساء جمهورياتٍ ودول وهم يتمتّعون بالمقام الأرفع والمكانة المتميزة .! ومن الطبيعي أن لا يعني مثل هذا الكلم اية محاولةٍ للتخفيف من مسؤوليات بعض رؤساء الدول الذين يحالون الى القضاء , فحكم القضاء يأخذ مجراه , إنّما المطروح هو روح التمدّن الحضاري والأنساني في اسلوب التعامل والأحترام قبل واثناء وبعد صدور احكام وقرارات القضاء , وهذا الأمر يعيد الى الأذهان ” ومن زاويةٍ ما على الأقل ” كيف أنّ دول اوربا والولايات المتحدة غيّرتْ طريقة الأعدام بالرصاص او بالشنق منذ نحو قرنٍ من الزمن واستبدلتها بالأعدام بواسطة الكرسي الكهربائي المجهز بفولتيّة فائقة وعالية والذي ينهي حياة المحكوم بالأعدام خلال ثانيةٍ او ثانيتين على حدٍّ اقصى , او ايضا عبر زرق المحكوم بحقنٍ عالية السمّية وسريعة المفعول .
  السؤال الموجّه الى انفسنا جميعاً هو ايّةُ فائدةٍ نجنيها من اهانة المتهم او تعذيبه  سواءً كان رئيسا او سياسيا او متهما جنائيا , سوى التنفيس عن غرائزٍ مضغوطةٍ تتحكّم بالعقل البشري .! , ثمّ لماذا لا نرتقي الى ما ارتقته دول الغرب منذ قرن .! وسوف لن نرتقي لذلك بالطبع , وذلك هو احد اسباب تخلّفنا .!
 [email protected]

أحدث المقالات