قد يجيد بعضنا التلاعب بأفكار شخص أخر وبإرادته, فينجح في زراعة أفكار, ويدفعه لتبني قناعات معينة.. إن أمتلك القدرة على التأثير والإقناع, والتلاعب بظروف محيطة, أو في الأقل تجيرها لصالح تفسيرها كما يريد, وبما يؤيد ما يريد تسويقه من قناعات.
يساعد على ذلك سذاجة المستهدف, وقلة وعيه, وإندفاعه لتصديق وتقبل كل ما يقال ويطرح.. بل والتفاعل معه بشكل, يدفعه لتبني الأفكار الدخيلة, والعمل على نشرها, ومحاولة إقناع أمثاله بها, بإعتبارها من الحقائق المسلم بها.. بل ومن المقدسات!
قد ينجح هذا مع فرد, فهل ينجح مع مجموعة؟ فكيف بشعب وأمة؟!
من يدقق قليلا فيما يجري من حولنا, يلاحظ أن الرأي العام محليا كان أو إقليميا بل وحتى دوليا.. دوما مشغول بقضية ما, تكون هي محط الإهتمام, وتدور حولها النقاشات, وتتصادم الأراء عندها بين مؤيد ومعارض, وتستمر تلك القضية مدة معينة, لتبرز بعدها قضية أخرى تستحوذ على الإهتمام, وتتراجع سابقتها وتصبح طي النسيان.
هذه الأزمات أغلبها حقيقي وربما ليست مفتعلة.. لكن المفتعل والوهمي فيها, حجمها وحقيقة ما تحوي من تفاصيل, ومقدار تأثيرها على المستهدفين منها.. فهناك من يسوق الأزمة للعلن, ويدفعها للبروز, والإستحواذ على إهتمام الناس, ويدفع الفضائيات لإقامة الندوات واللقاءات الحوارية حولها, ويشغل مواقع التواصل الإجتماعي بها.. فتصبح قضية رأي عام!
كثير من تلك الأزمات “تختلق” لأهداف سياسية وتفاوضية بين الدول, لخلق رأي عام ضاغط تجاه قضية ما, وبعض منه يختلقه مسؤول حكومي فاشل أو حزبه الذي يدعمه, لتخفيف الضغط عنه, كأسلوب قديم ومعروف في الهروب من المشاكل إلى الأمام.
بعض تلك الأزمات تختلقها مخابرات دولية, وجهات ومؤسسات خفية.. بهدف إشغال الرأي العام محليا أو عالميا, بموضوع ما, ليتم إمرار موضوع وقضية أخرى يراد لها, أن تمضي بهدوء ودون لفت الأنظار لها, لتجنب أي ردود فعل غير محسوبة.
لنتحدث عراقيا ونفكر.. هل أزمة المياه مع تركيا هي وليدة اليوم أم تعود لتسعينيات القرن الماضي؟ وهل أن الفشل في إجاد حلول حقيقية لها جديد؟ وهل من الصدفة التركيز على أن الوزراء المعنيين بالموضوع كلهم, ينتمون للتيار الصدري خصوصا مع ملاحظة أن الصدريون هم من حصدوا عدد المقاعد الأكبر خلال الإنتخابات الأخيرة, وان التفاوض على قدم وساق لتشكيل الحكومة؟!
هل من المعقول أن وزارة الكهرباء, والتي تجري صياناتها خلال أشهر الإعتدال الربيعي, بين أذار وأيار سنويا, في سياق فني روتيني معتاد.. لا تعلم أن هذه السنة وفي تلك الأشهر ستكون هناك موجة حر, وسيصادف شهر رمضان, وكذلك تجري الإمتحانات النهائية.. وكلها معا؟!
في عالم السياسة, يندر وجود الصدف.. وكل ما يحدث هو مخطط له, أو يتم إدخاله لاحقا ضمن المخطط.
من يكون داخل حدث معين مؤثر عليه وضاغط, لن يرى الصورة كاملة, لكن من يكون خارج الحدث, أو يحاول أن يرتفع عنه, سيرى صورة أشمل.. وعندها سيرى أن هناك لعبة ولاعبون وبيادق تُحرك.. وعندا سيظن أنها لعبة تشبه لعب الأطفال.