في هذه المرحلة من الحراك العربي تسعى الشعوب العربية لدول ديمقراطية. لهذا تثار مسألة تعسف الأمن في التعامل مع المعارض السلمي، وعن مدى استقلال القضاء، وتطبيق فصل السلطات، ودور الجيوش في السياسة وعلاقة الدين بالسياسة وعلاقة الأقليات بالأغلبية وعمق العدالة الاجتماعية وقدسية الحريات وقيم الكرامة والتنمية.تعلمنا من الحركات العربية المختلفة في الدول التي لم تقع فيها الثورات، أن الصمت لا يعني عدم وجود مأزق,ولا يعني أن الوضع لا يحتويعلى تفاعلات معقدة غير ظاهرة للعيان. وأن الطاعوية فرضت بواسطة القبضة الأمنية والقوانين المقيدة
للحريات والسياسات الاقتصادية والقبضة الحديدية التي تصنع الاستقرار لفترة زمنية معينة . لم تكن الأنظمة العربية تعتقد أنها بحاجة إلى التنمية السياسية ,ولم تؤمن بضرورة الشراكة، وفي أغلب الحالات إن قبلت ببعض المشاركة فقد فعلت ذلك بهدف التراجع عنها عند أول منعطف.لكي يمكننا القياس عن مدى ديكتاتورية اي حاكم في العالم يلزم أن نستند إلى مؤشرات مختلفة مثل احترام حقوق الإنسان، استقلال القضاء، احترام حرية التعبير، احترام حرية الصحافة، احترام حرية الاعتقاد ، احترام العملية الانتخابية والتعددية. الأنظمة الديكتاتورية رفضت مبدأ تداول السلطة وجعل النخب تتنافس بصورة نزيهة من أجل تحقيق برامج جادة ومسؤولة. ولم تكن الأنظمة الشمولية تولي أية أهمية لتطوير العدالة، والشفافية، والثقة وفصل السلطات مصحوباً بالفكر والبحث والعلم والعقل لتكون الطاقة الأهم في بناء مجتمعات نامية واثقة. وتصر الأنظمة الشمولية، وما كان في حكمها من الدول الديكتاتورية المتنكرة بإسم الديمقراطية، على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد،ونرى رجال الحزب الحاكم مهتمين بتذكير الناس بموعد الانتخابات و يذكِّرون الناس بيوم الانتخاب، مع العلم أن النتائج محسومة سلفاً بحكم الدستور في بعض البلدان، وبحكم ارهاب الدولة في بلدان أخرى ، وأحيانا تجتمع كلها ، وكذلك الاستفتاءات التي تجري على الولاية التالية للرئيس، الحاكم بأمره، الذي ليس له منافس، بل حكمه للبلاد حكم مطلق، إلى الابد. فالطاغية يتحكم فى شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم أنه الغاصب والمعتدى، فيكم أفواه ملايين البشر لمنعها عن النطق بالحق، مثل فرعون ونيرون وأكثر أباطرة الصين وملوك فارس، وجنكيز خان وهتلر وموسولينى وعيدى أمين وبوكاسا ، ومعظم حكام عالمنا العربى. والحاكم المستبد لا يخضع للمساءلة أو المحاسبة، ولا الرقابة من أى نوع، ويعتقد انه آمنا فى كل الأحوال. الحكام الديكتاتوريون بحاجة الى مساعدة الشعب الذي يحكمونه حيث أنهم من دون هذه المساعدة لا يستطيعون تأمين أوالحفاظ على مصادر القوة السياسية , وتشمل مصادر القوة السياسية , السلطة : إيهام العامة من الناس بشرعية النظام وأن طاعته واجب أخلاقي ــ الموارد البشرية : الأشخاص والجماعات التي تطيع وتتعاون أو تقدم العون للحكام , المهارات والمعرفة : يحتاجها النظام لأداء أعمال محددة ويوفرها الأشخاص والجماعات المتعاونون ,العوامل النفسية والفكرية التي تحث الناس على طاعة ومساعدة الحكام ,أما المصادر المادية :
وهي درجة تحكم الحكام بالممتلكات والمصادر الطبيعية والمصادر المالية والنظام الإقتصادي ووسائل الإتصال والمواصلات ,بالاضافة الى العقوبات القاسية المطبقة على أو التي يهدد بإستخدامها في حالة العصيات او اللاتعاون لضمان الخضوع والتعاون اللازمين لبقاء النظام وقدرته على تنفيذ سياساته. اذا إستطاع الحاكم الديكتاتور من السيطرة اوالتدمير لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة عن التأثير الحكومي من نقابات وجمعيات وإتحادات ومنظمات وحركات وجميعات فعلى المعارضة أن تخلق جماعات ومؤسسات إجتماعية وسياسية وثقافية مستقلة جديدة. الخيار العسكري وإستخدام الإسلحة ضد الإنظمة الديكتاتورية لا يؤثر في مواطن ضعف هذه الأنظمة وإنما يبرر لها إستخدام قوتها العاتية ويضع حركات المقاومة في موقف ضعف لا تحسد عليه لأن الأنظمة الديكتاتورية غالباً ما تتمتع بالتفوق العسكري. ومن الاخطاء التي وقعت فيها بعض المعارضة او المقاومة انها اعتمدت على اسلوب واحد او اسلوبين في ثوراتها مثل الإضرابات والمظاهرات الإحتجاجية وفي الواقع هناك العديد من الإساليب التي تتيح لإستراتيجي المقاومة أن يركزوا المقاومة او يوزعوها حسب الضرورة . ألاساليب للعمل اللاعنيف التي من المؤكد أنها تحقق نتائج أفضل , مثل الإحتجاج والإقناع , اللاتعاون , والتدخل . تتكون أساليب الإحتجاج والإقناع اللاعنفي بشكل كبير من مظاهرات رمزية تشمل على الإستعراضات والمسيرات, و اللاتعاون الإجتماعي واللاتعاون الإقتصادي واللاتعاون السياسي . في بعض الحالات يكون استخدام العنف المحدود ضد انظمة الحكم الدكتاتورية امراً لا يمكن تجنبه فقد تصل درجة الاحباط والكراهية الموجهة ضد النظام الحاكم الى الانفجار العنيف وقد ترفض بعض الجماعات التخلي عن اساليب العنف حتى في حالة معرفتهم بأهمية دور النضال اللاعنيف .. هذه الحالات لا تضطرها الى التخلي عن التحدي السياسي ولكن ينبغي
الفصل بين اعمال العنف واعمال اللاعنف الى اقصى درجة ممكنة عن طريق الفصل الجغرافي و مجموعات السكان و التوقيت والقضايا. وقطعا ارتبطت صعوبة تجاوز الديكتاتورية لتحكمها بمؤسسات الدولة وسلطاتها العامة وكذلك فى قطاعات المجتمع الحيوية.مثلا النازيون فى ألمانيا والفاشيون فى إيطاليا وأنصار الجنرال فرانكفو فى إسبانيا والعسكريون فى أمريكا اللاتينية لم يحتكروا السياسة والسلطة التنفيذية فقط، بل سيطروا على المؤسسات الإدارية وبيروقراطيتها والجيوش والأجهزة الأمنية. لم يقبضوا بيد من حديد على قطاعات المجتمع التعليمية والتربوية والإعلامية والثقافية فقط، بل أقاموا شبكة تحالفات مع القطاع الخاص المشارك فى النشاط الاقتصادى وسخروها لأغراض القمع وإطالة عمر الديكتاتورية فى الداخل وأحيانا لحروبهم التوسعية فى الخارج. والكثير من الدلالات المهمة فى هذا الصدد ترتبط بحكم النازية فى ألمانيا (1933ــ 1945) والتحالف غير المشروط الذى كان بين نخبتها وبين كبار الصناعيين الألمان وابنوك .
المتابع لاحداث التاريح السياسي يجد أنه عند سقوط الدول الكبرى أو الإمبراطوريات والدول الصغرى ولم تتمكن دولة مكافئة في القوة أو مقاربة للدولة السابقة من السيطرة على أراضي ومناطق تلك الدولة التي انهارت تتحول الى مناطق وقطاعات هذه الدولة للخضوع تحت إدارة ديكتاتورية . حدث هذا الاستبداد في زمن الدولة الاموية أي بعد دولة الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بني العباس وبني عثمان الى معاهدة سايكس بيكو حيث تم تقسيم الامبراطورية العثمانية إلى دول ودويلات تحكمها حكومات عسكرية أو حكومات مدنية مدعومة بالقوات العسكرية ، وتمثلت قدرة هذه الحكومات على الاستمرار في إدارة تلك الدول بمقدار قوة العلاقة مع هذه القوات العسكرية وقدرة هذه القوات على المحافظة على شكل الدولة ، سواءً بالقدرة التي تملكها هذه القوات من شرطتها وجيشها أو القدرة الخارجية التي تدعمها. وقيام هذه الدول وسيطرة هذه الحكومات ،جاء في الغالب بالاتفاق مع المستعمر وليس بانتصار هذه الحكومات على الاستعمار وكل ما في الأمر أنه انسحب ووكلها مكانه ، أن هذه الدول سقطت في أيدي تلك الحكومات. وسواءً كانت هذه الدول مستقلة حقيقة أو اتبعت كل منها في الخفاء الدولة التي استعمرتها سابقا إلا أنها بعد فترة أصبحت تدور في فلك النظام العالمي الذي تمخض بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والذي كانت صورته المعلنة هيئة الأمم المتحدة وحقيقته التبعية لامريكا وحلفاءها. لا يرى الحكام الديكتاتوريون غير أنفسهم. إذ ان غرورهم وجبروتهم الفارغ يدفعهم إلى التعمق في محاربة الظواهر الإيجابية في مجتمعاتهم، وعندما يكتشفون ردود الفعل حولهم يقمعون الحريات بقوة لأنها تثير التساؤلات وتخلق الوعي. فيقومون بملأ السجون بالمفكرين والناقمين والناقدين من كل جانب. الديكتاتور يرى أن كل ما هو مختلف وجديد ومتغير وديمقراطي ومستقل يأكل من سلطته ومن دوره ويذكر الناس بما آل إليه وضعهم على يده. مع الوقت تصبح هذه الأنظمة في وادي بعيد عن شعوبها وكلما ازداد القهر قهرت لمجتمعاتها وفتكت بها ازداد البعد بينهم.
يتفق علماء الاجتماع السياسى على أن الديكتاتوريات تنشأ عن طريق حرمان الغالبية العظمى من الشعب وإفقارهم,وأغلب الطغاة عاشوا حياة معذبة، من الطفولة والصبا مثل صدام ونيرون و جنكيز خان وهتلر هذا يعني ان شخصية الديكتاتور هي مجموعة من العقد والشعور بالنقص وتسود لديهم عقلية المؤامرة اي عدم الثقة بكل الناس ، وهذا ما اكده الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” ضعف الطاغية وفقر نفسه وهزالها، يتم تعويضه عبر مزيد من الطغيان، خاصة عندما يعتلى شعوبا خانعة راضية بالهوان. لكن هذه الديكتاتوريات تمارس ابشع الجرائم ، خلال شروط تاريخية معينة، مثل فترات تعرض البنيان الاجتماعي لأزمات تحت ضغط ظروف مختلفة، سقوط مشروعية الحكم في أزمة، ويكف الرأي العام عن الإيمان بها، وقد جرت العادة فى بلاد فارس، قديما، عندما يموت الملك، أن يُترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون، لتعم الفوضى والاضطرابات جميع البلاد، والهدف من ذلك هو أن بنهاية هذه الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى منتهاه، فإن من يبقى على قيد الحياة، بعد تلك الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقى وصادق للملك الجديد، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدى رعب الحالة التى يكون عليها المجتمع، إذا غابت السلطة السياسية.
منذ أن عرفت البشرية نظام الحكم والسلطان وحياة الملوك والرؤساء وتعاملهم مع شعوبهم، ووجد أن من ناصب الشعب العداء واعتمد على قوته فنهايته تكون بيد حاشيته أو جنده أو شعبه، لكن الكثير من الحكام لم يعتبروا بما حصل لمن قبلهم،مثل نهاية نيرونحيث قتل نفسه خوفا من الثوار، بعدما أحرق روما وأهلها لهوا وعبثا، ونهاية هتلر و تشاوسيسكو وموسوليني أو امبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي وصدام حسين وغيرهما من الزعماء العرب الذين بدأوا يتساقطون الواحد تلو الآخر وانطبقت عليه دورة التاريخ. وكذلك سوهارتو الرئيس الإندونيسى(الذي ذبح اكثر من مليون شيوعي) وماركوس الرئيس الفلبينى.لا يزال في عصرنا الراهن الكثير من الأنظمة الاستبدادية أو الدكتاتورية. فنجد في معظمها أنظمة الحزب الواحد المغلقة على بقية العالم مثل بورما أو أكثر انفتاحا معظم الأنظمة الملوكية العربية.