18 ديسمبر، 2024 8:54 م

الذيول وأحزاب السلطة

الذيول وأحزاب السلطة

مع أني لا أحبذ النشر في المواضيع الجدلية حينما تجتاح أزمة ما الوطن وكيف بها وهي تهدد سلامة العالم بأسره ونحن في زمن أحوج ما فيه الى التضامن فيما بيننا ودعم كل منّا الآخر، إلّا أني أجد نفسي اليوم ملزما للحديث في هذه المسألة وهي مسألة استراتيجية وتهدد سلامة الشعب والوطن.
حينما وقفت سلبا تجاه التظاهرات التي اندلعت في اول تشرين الاول لم أكن ضد حق الاحتجاج ولا ضد الاحتجاج نفسه بمواجهة السلطة القائمة، فأنا ولا فخر وقفت منذ 2011 في ساحة التحرير ولأكثر من مرة محتجا مع المحتجين يوم كنّا نعدّ ونحصى حتى من قبل تلميذ تعلم للتو الحساب. بل لأني أدركت جيدا أن هذه لعبة استدرج لها شباب محبط ويغذيها طائفيون حلما بالعودة الى الحكم.
أدرك جيدا أن صدام قد قبر الى الأبد واعلم علم اليقين أن حزبه الفاشي لن يعود، وأقول مطمئنا ولا شك يساورني في ذلك البتة أن لا أحد في العراق يحب صداما ولا حزبه المجرم حتى ممن يرفع صوره ويتغنى بما يسميه الماضي الجميل وهو ماض حقير بائس، إنما هؤلاء طائفيون موتورون لا يقبلون بحكم الاغلبية ويظنون أنهم يجب أن يحكموا هم فقط، لان الاغلبية هي من الهمج الرعاع لا يصلحون للحكم وعلى أفراد هذه الأغلبية أن يكون مطأطئي الرؤوس لهم دوما خاضعين مستسلمين يمجدون بهم. ترى هولاء يسيقون مختلف الحجج وشتى الأعذار ويبررون بألف تبرير حقدهم ويحسبون أن الوطن لهم وحدهم فقط، لا يقيمون وزنا ولا اعتبارا لمشاعر الاغلبية ورأينا بأم أعيننا كيف استهزئوا بمشاعر ملايين الناس التي خرجت تؤبن وتشيع ابو مهدي المهندس ولم يقولوا أن هذا صوت الشعب فلنحترم وننصت له، بل اقتصروا على حفنة سموها صوت الشعب مع أنهم لم يعدو عن بضعة آلاف في أحسن أحوالهم رغم كثير من الأفعال المشينة التي ارتكبتها هذه الحفنة وجريمة الخلاني واحد من أحقر أفعالها الشنيعة. الاغلبية عندهم رأيهم وليس كثرة الناس، وهم على حق دائم ودمهم ملكي أزرق والدين حكر لهم وغيرهم مبتدع وعلى ضلال.
التظاهرات خرجت لان هناك صراع معروف بين أمريكا وإيران. أمريكا تريد أن تجعل من العراق ساحة للصراع مع إيران وأن يكون قاعدة لمهاجمتها وتدميرها مستقبلا، أما إيران التي تفهم جيدا الأهداف الامريكية الحقيقية من غزو العراق في الاستحواذ على الشرق الاوسط وتسليمه الى قلعة الغرب فيه اسرائيل فهي تعلم يقينا أن أمريكا ليس مع أي تطلعات من الشعوب لا في العالم ولا في المنطقة ولا في العراق تحديدا وتعلم أن الهيمنة الاسرائيلية هي الهدف والغاية ويجب أن تتشظى كل الدول العربية الكبيرة في المنطقة ثم مناوئي اسرائيل من أمثال إيران. لهذا السبب كان القرار الإيراني الاستراتيجي واضحا بالتدخل بقوة في الشأن العراقي حتى لا يكون العراق مرة ثانية بوابة شرقية تقذفها بالحمم. إيران تدافع عن نفسها في العراق لأنها تعلم أن أمريكا تستهدفها من العراق وتريد استنزافها بالمعارك والحروب. والعراق ساحة للصراع بينهما جراء اندفاع الدولتين في تحقيق غايتهما وغياب الشعب العراقي عن المشهد الذي ارتضى لنفسه السكوت والتفرج أو الانحياز.
كلامي لمن وصفنا بالذيول تارة أو لمن ظن أننا ندافع عن أحزاب السلطة تارة أخرى، الآن وقد جاء رئيس وزراء على الهوى الأمريكي بأفضل ما تريد وتشتهي وإيران لم ترفضه بل ربما وافقت عليه لأنه أعطى تعهدا بعدم مهاجمة المصالح الايرانية أو هكذا يبدو المشهد على الأقل، وأحزاب السلطة من الإسلام السياسي جاءت بقضها وقضيضها في حفل تكليفه معلنة تأييدها له، وهذا المكلف لن يغير شيئا لا في سياسة المحاصصة ولا في كسب المغانم ولن يعيد سيادة للوطن المنتك ولن ينصف أحدا ولن يغني فقيرا ولن يعمر اقتصادا ولن يحقق شيئا مما يُراد ويُتمنى.
أقول الآن من يرفضه أثبت بالدليل القاطع الذي لا لبس فيه أنه ليس بذيل ايراني، فها هي إيران تقبله وتتفق معه. ومن يرفضه ليس مع أحزاب السلطة لأن هذا المكلف جاء منها وهو صنو لها في كل سيئاتها وهو مدافع عنها ولن يضرها بمثقال ذرة. ومن يقبل به ويسكت عن التظاهر بعدها يثبت أنه رضي بما رضيت به إيران وأحزاب السلطة الفاسدة وأخص بالذكر منها حصرا وتحديدا الأحزاب الشيعية التي تتمظهر بالإسلام زيفا وخداعا، أما الأحزاب السنية فهي أتفه حتى من أتي على ذكرها فهي ليست إلّا أبواقا جوفاء تردد ما يقول لها أسيادها وليس لها من المروءة في شيء فهي نهمة شرهة للمال والمكاسب حتى لو صبغت الشوارع والمدن بلون الدم وما جرى من إرهاب القاعدة وداعش كله بتمويل ودعم وحماية منهم، أما الأحزاب الكردية فهل رأيتم احد في العراق أحرص على تفتيته منها وأكثر اندفاعا للارتماء باحضان الصهيونية. عنّي شخصيا لم أر أحدا ينافسهم في ذلك فلهم قصب السبق والقدح المعلى في الخيانة.
الآن هو الموقف الوطني الحقيقي عندما يعلو صوت الوطن ويقول نحن نتظاهر ونرفع صوتنا تجاه هذا الاختيار أي كان من اتفق عليه إن كان ايران أو امريكا او احزاب السلطة ومن يسكت عن ذلك فلن أصفه بشيء ولكن أقول له هل عرفت الآن من هو الذيل الذي يخمد عندما يسكن صاحب الذيل، وهل عرفت الآن من هو ضد أحزاب السلطة ممن يعارضها لا بغضا في فعلها ولكن لأنه يريد أن يحل محلها في السرقة والفساد المحروم منهما، وهل عرفت الآن من هو الذي تحركه الأيادي الخفية عن المغفلين والظاهرة مثل الشمس لكل ذي بصر وبصيرة. إذا لم تكن تعرف فقد آن الآوان أن تعرف وإذا رضيت بما يجري فاعلم أنك ضمن هذا المركب الحقير مركب الفساد والخيانة.
ولتعلم جيدا أن خدعة رفع المصاحف لا تنطلي إلّا على من في قلبه مرض، وإن استغفال الشعب والشباب في تشرين والذي بسببه تعطلت مصالح العباد وتوقفت الحياة في البلاد وراح ضحيته بالعشرات أو المئات شباب مندفع، استغفالهم وجرهم للمحرقة ذنب بل خطيئة عظيمة سيأتي يوم حسابها إن في الدنيا أو في غيرها، ولكن عليك أن تعلم أن ألاعيب ابن العاص مكشوفة مثل سوأته على مر التاريخ ولن تغفل عنها عيون من التزم الصراحة ومبدأ مناهضة المستكبرين. واعلم أيضا أن المقاومة روح في نفوس الثائرين وليست ملكا لدولة أو فكر فكما سقطت الشيوعية في وحل أنظمتها الدكتاتورية القمعية ولم يسقط جيفارا بل ازداد رفعة وعلوا فلن تسقط المقاومة ولا الحشد الشعبي لأن أحزاب السلطة الشيعية الفاسدة الخائنة رافعة شعار الإسلام وافقت على الخيار الأمريكي الذي كنتم تسعون وتقاتلون لأجله.
المقاومة نهجنا من قبل ومن بعد ولن نتخلى عنه أبدا لأنها نهج الانسانية الثائرة ضد الظلم أينما وقع وكيفما حصل. وسوف نبقى نعارض أحزاب السلطة ونسعى بلا تردد لاسقاطها كلها بلا استثناء ونستمر في قتال أمريكا والصهيونية حتى الرمق الأخير بلا هوادة ولا أدنى كلل وملل لأنه بدونه لن نكون إلّا عبيدا أذلاء وهيهات منّا الذلة.