9 أبريل، 2024 6:21 ص
Search
Close this search box.

الذيول الغبية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كنت اختلف مع السياسة الإيرانية في دعمها لأحزاب المعارضة العراقية التي أمسكت زمام السلطة عن طريق المحتل الأمريكي بعد عام 2003 م ، باعتبارها أحزاب براغماتية ستقبّل اليد الأمريكية يوماً ما ، كما قبّل غيرهم اليد السعودية ، وأن هذه الأحزاب لا مبدأ ولا عقيدة مخلصة لها ، وقد شرعنت الفساد ونشرته بنحو مشابه لما فعله حزب البعث المقبور طيبة أربعين عاما ، بل استعانت بهؤلاء البعثيين في سرقاتها بنحو مباشر . وأن أحزاباً مثل الدعوة والمجلس الأعلى وتفرعاتهما الميكافيلية اللاحقة ليست سوى بقايا لنفوس مظلمة وانانيات عائلية وشخصية ومناطقية ليس بإمكانها حمل قضية كبرى كالسياسة المدنية الشيعية .
لكن هذا الاختلاف لا يمنع من الاعتراف أن غاية الإيرانيين كانت على الدوام عقائدية مبدئية ، احسن منظرو السياسة هناك الظن وهماً بمثل هذه الأحزاب لاعتبارات تاريخية ودينية . ومن ثم لم يكن الدعم الإيراني لهذه الجهات قائماً على فكرة افسادية كما في المشروع الأمريكي ، وإنما أخطأ الإيرانيون من حيث أرادوا أن يحسنوا حينها .
اما الأمريكان – الذين كانوا حلفاء لصدام وللدكتاتوريات الخليجية في آن واحد – فقد خططوا من سنين طويلة لإفساد الواقع العراقي ، حين جاءوا بصدام حليفهم الدموي الجاهل كما في الكتابات الاستخبارية العراقية والأمريكية والاوربية ، وحين ادخلوه في حرب شيعية شيعية بين إيران والعراق لطحن الشيعة في البلدين حيث لم يكن عمود جيش صدام سوى الشيعة المغرر بهم ، وراح الملايين من أبناء البلدين في تلك المجازر الغبية ، وخرج العراق مديوناً لبريطانيا وحدها من أجل السلاح بما يعادل خزينة العراق جميعها لعام 1988م . وكذلك حين استدرجوا صدام إلى سحق الكويت وحملوا العراق مليارات الدولارات من الخسائر والتعويضات لازال يدفعها إلى اليوم . أما سحقهم لمنظومة الصناعة والإقتصاد والثقافة والطفولة والصحة في العراق في عام 1991م فطاعون إجرامي لم يشهد له تاريخ الصراعات مثالا ، فضلاً عن الحصار المفجع الذي فرضه الأمريكان وحلفاؤهم والذي جوّع شعباً يحكمه ديكتاتور لا يعرف الرحمة والذي استمر حتى سقوط نظام صدام باليد الأمريكية .
ليأتي الأمريكان – الذين طوّعوا الأمم المتحدة – بنظام وكتل وشخصيات سياسية منبوذة ومنخورة ذهنياً ، في ظل أنظمة تم تقنينها لنشر الفساد والمحسوبية والحزبية والصراعات القومية والدينية ، وانتشار للشركات المتعددة الجنسيات ذات المنهج الرأسمالي الاحتكاري المافيوي المعهود غربياً وأمريكيا ، رغم أن الشعب لم يخرج بعد من بوتقة الإشتراكية العجوز ويعيش في مسحوقاً دون خط الفقر ، وليس في وسع التاجر العراقي فعلياً منافسة التكتلات المالية والصناعية الدولية .
فاضطر الشعب العراقي ومرجعيته الدينية والنخبوية للقبول باخف الضررين الأمريكيين من الاحتكام إلى هذه المنظومة السياسية والاقتصادية المحكومة أمريكياً والمنفعلة حزبيا ، او إدخال البلاد في موجات كبيرة من الفوضى ، لا سيما مع وجود بؤر نزقة لقيادات شابة غير واعية ومسلحة اطربت المشروع الأمريكي بغبائها وسذاجتها .
ثم صنع الأمريكيون القيادات الإرهابية في القاعدة وداعش في سجون تابعة لهم مثل بوكا ، لينشروهم كالجراثيم لتسميم الأرض العراقية ، وليفجروا شيعة العراق في اسواقهم ومحالهم ، بل وصل الأمر ان يقوموا هم وحلفاؤهم لهذه الأعمال الإرهابية بصورة مباشرة ، كما فعل الضباط البريطانيون الأربعة في البصرة ، والذين ألقى القبض عليهم ابو مهدي المهندس حينها ، وقد كانوا متنكرين .
ثم نخرت القيادة المشتركة للأمريكان المنظومة العسكرية للعراق ووزعت الضباط الفاشلين على مفاصلها ، لينتج جيش ضعيف انهار سريعاً أمام المجموعات الداعشية القادمة من البؤر الإرهابية في سوريا ومن القواعد الأمريكية في الانبار واعماق الجزيرة العراقية ، دون أن يتدخل الحليف الأمريكي لايقافهم بطائراته او آلياته ! .
وحين هبّ العراقيون لسحق هؤلاء القتلة من الدواعش راهن الامريكيون على فشل هؤلاء البواسل من أبناء عشائر العراق لا سيما الجنوبية ، وادعوا أن الأمر يحتاج إلى عشرات السنين . الا ان الانتصارات الإعجازية للحشد الشعبي وإعادة تصفيف المنظومة العسكرية أحرج الأمريكان واربكهم . إذ كانوا يخططون لتقسيم العراق ، فصنعوا مناطق محرمة على القوات العراقية دخولها ليدربوا فيها الارهابيين ويتركوا لهم متنفساً للاحتماء . حتى قاموا بإلقاء المساعدات العسكرية والغذائية واللوجستية لهم كما تم تصويره من قبل العراقيين والروس . ولما لم يجدوا ذلك كافياً لتحقيق الانتصار الداعشي على الغيرة العراقية قاموا بضرب القوات العراقية بالطائرات بصورة مباشرة ، حتى بلغ مجموعة الاعتداءات الأمريكية على القوات الرسمية العراقية منذ دخول داعش نحو خمسين اعتداء . وراح عشرات الشهداء العراقيون مضرجين بدمائهم الزكية . إلى أن أظهر الأمريكيون وجههم القبيح الصريح من خلال قتل واغتيال القادة العسكريين ذوي المناصب الرسمية . في انتهاك تم الاتفاق على دولياً بنحو كبير على كونه ( بلطجة ) . إذ خالف نص الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية ، وكذلك خالف الأعراف الدولية العسكرية والمدنية .
كل ذلك بعد ان استحوذ الأمريكيون وحلفاؤهم على الثروة العراقية من خلال جولات التراخيص النفطية ، التي تمت بالرشوة والفساد كما صرح القضاء البريطاني .
فيما حارب الأمريكان اي فرصة لتعاون عراقي صيني من أجل الأعمار والبناء ، ونشروا عملاءهم في مفاصل القرار المالي والصناعي العراقي . فيما كانت هيئة النزاهة العراقية ملزمة برفع تقرير شهري للإدارة الأمريكية من أجل استخدام أوراقها لابتزاز أولئك السياسيين العراقيين الفاسدين وتطويعهم للمشروع التخريبي الأمريكي ، فكانوا ضيوف السفارة الدائمين .
وفي ظل كل هذا لم تكن إيران سوى مستشار للمنظومة العسكرية العراقية لمرحلة ما بعد تأسيس الحشد الشعبي العراقي ، وبدأوا يساعدون العراقيين في تنظيم صفوفهم وعبور حواجز العرقلة الأمريكية . ولم تكن تجارتهم داخل العراق – وهو أمر طبيعي في ظل بلد مفتوح اقتصاديا – تعادل ما كانت عليه التجارة السعودية والتركية . بل وصل الأمر ان يضخ العراق النفط للأردن بأسعار تفضيلية مخفضة استجابة للطلب الأمريكي باعتبار أن الأردن حليف استراتيجي للأمريكان ، وهو البلد الذي يحتوي جميع أعداء العراق من الارهابيين والبعثيين الصداميين ، والذي رفضت حتى السعودية تزويده بالنفط بهذه الطريقة لأكثر من شهر .
فمتى كانت إيران اكثر قسوة من الأمريكان ، ومتى كان دورها أخطر من الدور الخليجي الذي أفتى وموّل قتل العراقيين على معتقدهم . ومتى صرّح الإيرانيون بخطر الهلال الشيعي كما صرّح ملك الأردن الورقي !ّ .
أن الكتابة ضد إيران ناشئة عن ثلاثة عقول غبية ، ذيول الأمريكان ، وبقايا البعث ، ويتامى الإرهابيين .

تنويه : ان كتابة هذا المقال لبيان ان العمق الاستراتيجي للعراق لم تكن يوماً امريكا او الممالك الخليجية البدوية الحليفة لها ، بل التاريخ يقول أننا لم نجد من هؤلاء سوى العداء والنهب لحدودنا وثرواتنا ، ومساندة الديكتاتوريات المقيتة . وهي دول لم تملك حضارة يوما .
فيما إيران كانت وحدها عمقنا الاستراتيجي دائما ، حتى أنها دعمت الشعب العراقي في فترة الحصار الأمريكي في التسعينات من القرن الماضي .
فربما نختلف سياسيا ، لكننا شيء واحد شعبياً وحضاريا .
ان الاشتراك الحضاري العراقي الإيراني مختلف كلياً عما عليه تاريخ كل المنطقة البدوي ، ولهذا وحده لا يمكن ان تفهم حكومات هذه الدول ما يريد شعبنا .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب