في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين كان العراق يئن تحت سياط الظلم والقمع والبطش، على يد طغمة من الحزب الفاشي البعثي الدموي، تلاحق الأحزاب والأشخاص المعارضين لحكمها، وتحاربهم في سبل عيشهم فضلا عن زجهم في زنازين نادرا ما يخرجون منها سالمين، وإن خرجوا ينتهي بهم المطاف الى تصفيتهم جسديا إن لم ينفذوا بجلدهم هاربين خارج حدود البلاد. وبطبيعة الحال حين تتسلط طغمة مثل هذه على رقاب شعب سنوات طويلة، لابد أن تستشري في مفاصل البلد إبان حكمها كثير من السلبيات. في القرن الواحد والعشرين، دال الأمر الى حكومات منتخبة يتفاخر كثير منا بالقول أنها؛ (منا وبينا)، وما تفاخرهم هذا إلا حق من حقوقهم، إلا أنهم في حقيقة الأمر نالوا حقا وغابت عنهم حقوق جمة، بعد أن غيبها هؤلاء الـ (منا وبينا) عمدا او سهوا او جهلا او غباءً او رعونة او تواطؤا او خيانة او عمالة، عن ملايين المواطنين، وهم غير معذورين في تعمدهم وسهوهم وجهلهم وغبائهم ورعونتهم وتواطئهم وخيانتهم وعمالتهم على حد سواء.
فإن كان عمدا فهو يدل على النهج الموضوع والخطط المرسومة في برامجهم المبطنة التي أتوا بها، ويثبتون بتعمدهم أنهم مجندون ومسخرون وفق أجندات خارجية او داخلية او الاثنتين معا، كانتا قد طبختا مسبقا وماعليهم إلا إتمام تنفيذهما، فتصح عليهم حينها عبارة (العبد المأمور).
وإن كان سهوا فهو دليل عدم حرصهم وجديتهم فيما موكل اليهم من مهام، وما منوط بهم من واجبات، فيصح في وصفهم مثلنا؛ (نايم ورجليه بالشمس)
وإن كان جهلا فهو دليل على عدم أهليتهم لقيادة مؤسسات البلاد والتحكم بمصائر العباد، فيصح عليهم في هذه الحال مثلنا القائل؛ (انطي الخبز لخبازته).
وإن كان تغييب حقوق العباد غباءً، فإن خير وصف لمضيعيه بيت المتنبي؛
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
مضر كوضع السيف في موضع الندى
أما لو تسببت رعونة الراعي في ضياع حقوق الرعية، فينطبق عليه إذاك بيت ابن زريق البغدادي الذي يقول فيه:
أعطيتُ مُلكا لم أحسن سياسته
وكذاك من لايسوس الملك يُخلعه
وفي حال كون التواطؤ هو سبب ضياع حقوق الشعب، فإن أقل ما يمكن قوله بحق مضيعيه بيتا الشعر:
وإخوان حسبتهم دروعا
فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات
فكانوها ولكن في فؤادي
أما الخيانة فإنها الداء العضال الذي لاشفاء منه إلا بالاستئصال، وماللخائن في حالتي تضييع الحقوق او صيانتها إلا ماقاله عبيد بن الأبرص:
إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة
فإنك قد أسندتها شر مسند
بقي لنا من الموبقات المتلفة لحقوق المواطن العمالة، ولاأظنها تبعد عن أغلب ساسة حاضرنا العراقي أكثر من شبر او شبرين في أحسن الأحوال، وقد نادى بإطاحة العملاء دعاة خير كثيرون ولكن دون جدوى تذكر. وبين هذا المتلف وذاك المضيع، ضاع على العراقيين الخيط والعصفور على يد من قلنا عنهم؛ (منا وبينا)..!