منذ أكثر من قرن كان هناك صراع بين فلسفتين اقتصاديتين هما الفلسفة الاشتراكية التي يمثل رأس الحربة فيها الاتحاد السوفيتي والفلسفة الرأسمالية التي تقف على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسمى بالعالم الحر ’ وقد استطاعت الفلسفة الرأسمالية الانتصار على الفلسفة الأخرى وهنا لانريد الخوض في الأسباب والحيثيات لذلك الصراع ونتائجه بقدر ما نريد أن نستخلص من جملة النتائج الوضع الإنساني لعامة الناس في البلدان الغربية 0
باختصار يجد الإنسان في الغرب فرص عمل حسب قدراته وحسب كفاءته العلمية والبدنية والفكرية ومن يحتاج إلى مال أكثر يعمل أكثر كأن يعمل بدوام جزئي أو كلي أو دوام إضافي ( أوفر تايم ) حسب حاجة الشخص للمال لتكوين نفسه وبناء مستقبله ’ كما نرى الدولة تقدم سبل التعليم المجاني حتى وصول الطالب إلى الجامعة كما توفر له التأمين الصحي والعلاج المجاني والسكن الملائم وكل وسائل العيش الكريم 0
ونقطة مهمة أخرى في العالم الغربي هي إن كل شخص يبلغ الثالثة والستين من العمر يعطى راتبا تقاعديا مناسبا حتى ولو لم يكن يعمل قبل بلوغ هذا السن ’ لهذه الأسباب وغيرها الكثير انتصرت الفلسفة الرأسمالية على الفلسفة الاشتراكية ( وأرجو أن لايزعل مناصروا النظريات الاشتراكية ) من هذه الصراحة 0
بعد هذه المقدمة البسيطة والسريعة نعود لبلدنا العزيز العراق والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو عن الهوية الاقتصادية والسياسية للعراق الجديد هل هو اشتراكي أم رأسمالي ؟ مؤكد إن كل الدلائل تشير إلى إن العراق سائر في ركب النظام الرأسمالي واقتصاد السوق الحر لكن التركة الثقيلة من النظام البائد الذي كان يدعي الاشتراكية تعيق كثيرا في تقدم العراق نحو الاقتصاد الحر قبل التخلًص بشكل علمي وإنساني مدروس بعناية من المصانع والمعامل المملوكة للقطاع العام وتحويلها إلى القطاع الخاص بعد أن تستوعب العملين فيها وتخليص الدولة من عبئ هذه المصانع والعاملين فيها والذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف ’ لكن العراق خسر أكثر من عشر سنوات من عمر أبنائه دون أن تتضح معالم النظام الاقتصادي العراقي الجديد وفي غضون ذلك نشأت طبقة مترفة حد التخمة على حساب طبقات معدمة تمثل ثلث العراقيين الذين هم تحت خط الفقر ’ إن الخوض في هذا الموضوع قد يثير لدى القارئ الكريم وجع القلب لكننا سنتطرق هنا الى ظاهرة التسول في العراق في خضم التحول إلى النظام الاقتصادي الجديد ومعاناة شعب بأكمله جراء تخبط السياسة الاقتصادية العراقية خلال العقد المنصرم 0
التسول ظاهرة اجتماعية معروفة في كل دول العالم القديم والمتحضَر وتمارس بأشكال وطرق متعددة إما مباشرة كما يحدث في دول الشرق وإما عن طريق عزف مقطوعات موسيقية يضع العازف قبعته على الأرض ليضع المستمعون إلى موسيقاه القطع النقدية الصغيرة في قبعته وهذه الطريقة تمارس في معظم الدول الأوربية .
في العراق لدينا أصناف عديدة من المتسولين منهم الشيوخ والعجائز والكهول والشباب والأحداث من كلا الجنسين منهم أصحاء ومرضى ومتمارضين يتنكرون بأزياء كاذبة وأسمال بالية ومنهم من يتظاهر بالعوق الجسدي باستخدام عكازات أو كراسي مدولبة ومنهم من يتظاهر بفقدان البصر أو السمع أو البكم وأحيانا بالجنون والبله 0
إن ظاهرة التسول بحاجة إلى دراسة علمية ’ اجتماعية ’ قانونية ’ تربوية ’ وإعلامية تستخلص النتائج وتضع الحلول المناسبة أمام الحكومة فهل تفعلها حكومة الدكتور العبادي لتريح المتسولين وكذلك تريح المتخمين الذين يعانون من عقدة الشعور بأن في أموالهم حق للسائل والمحروم ؟؟؟