18 ديسمبر، 2024 10:21 م

الذين خرجوا إلى الشارع عرايا

الذين خرجوا إلى الشارع عرايا

البعض من بغايا السياسة إمتهنوا لعبة التقافز بين الأحضان وهوايات التزحلق على جليد المصالح والتبعية والخيانات والعيش كحياة العاهرات في ليال صاخبة، لكنهم عند طلوع الفجر يلبسون ثياب الطهارة والنِقاب ويوصوننا نحن الفقراء بالصبر والسلوان.

هؤلاء إمتهنوا المثل القائل (ألف قلبة ولا غلبة)، يجتمع في كلامهم وشخصياتهم كل ألوان قوس قزح، تراهم يتحدثون أمامنا وكأننا العملاء المارقين الذين أضعنا البلاد والعباد، يُقدّمون لنا النصائح والسلوك الحسن في الوطنية، وهم الذين يحجّون إلى بلاد الغير لتلقّي الأوامر والتعليمات، صدّعوا رؤوسنا بالوطنية وحب الوطن وإنهم أُجبروا على خدمة هذا البلد فهم لا يبحثون عن سلطة أو منصب أو حصة من المغانم.

أصناف من البشر تخرج إلى العلن وعلى شاشات الفضائيات لتخبرنا كيف تكون الوطنية والنزاهة وكيفية مكافحة الفساد مع إننا نُدرك يقيناً أنهم يسكنون في بؤر الإنحطاط وقصور الإفساد ومع ذلك يصرّون بلا حياء ولا خجل بأنهم رموز للطهر والنقاء كما تقول عبارة (إحذروا المرأة التي تتحدث كثيراً عن الشرف)، وغالباً ما وجدنا من يتحدثون عن الشرف والفضيلة في بلادنا أبطالاً في الفساد ونجوم في اللصوصية.

حكاياتهم تُذكّرنا بقصة حمّام النسوة الذي إندلع فيه حريق أجبر بعضهن على الخروج إلى الشارع عرايا حفاظاً على أرواحهن، فيما فضّلن الأخريات البقاء وإنتظار الموت حرقاً وخنقاً على أن يخرجن.

حكاية هذا الحمّام وشخوصه نستعيد أحداثها وسط هذا الكم من الفوضى والإنحطاط والإنحراف السلوكي عن أشخاص لايستحون، ولايختشون من سرقاتهم وفسادهم من الخروج عرايا مفضوحين دون حياء أو خجل بوجوههم المكشوفة أمام الناس، فيما يُفضّل الشُرفاء العيش في قواقع ألهم والتفكير وإنتظار ساعة الفرج.

حمّام النسوة يُذكّرنا بالمشهد السياسي القائم الذي يُغري الفاسدين واللصوص إلى الخروج علناً دون خوف أو وجل وهم يتباهون أو حتى يتفاخرون بفسادهم كما قال أحد البرلمانيين (نأخذ الرشاوى لنغلق قضايا الفساد) في إعتراف وقح وإستهتار صارخ لم يجرؤ عليه من سبقهم من السُرّاق في تاريخ العراق الحديث وحتى القديم.

في حادثة طريفة يتطابق واقعها مع العراق وأهله، أن راقصة صادفت الأديب المصري نجيب محفوظ في إحدى مواقف السيارات عندما كانت تُريد الصعود إلى سيارتها الفارهة وهي تنظر إلى سيارته القديمة وتقول “شفت يا أستاذ الأدب وصّلك لِفين؟” فقال لها “وكمان شفت قِلة الأدب وصّلتك لِفين”، فجموع العراقيين الكُثر الذين يُصارعون الفقر والجوع والحرمان والتنكيل مُقابل أشباه الراقصة من السياسيين والزعامات التي إستباحت كل شيء.

الشرف والفضيلة والوطنية أصبحت مثل العملة النقدية التي يحاول السياسيين شراء السلطة والنفوذ بها، لذلك ليس من الغرابة أو العجب أن ترى سياسياً لايمل من الصُراخ في الفضائيات ولايتعب عن أحاديث النزاهة، لتكتشف بعد حين أنه من عصابات الفساد وسرقة المال العام.

في العراق الغائب عن الوعي ضاعت البوصلة وغاب الإدراك حين خرجوا من الحمّام عرايا يبحثون عن الشرف وستر العورة، لكن المفارقة كانت أننا ونحن ننظر إلى هُراء أحاديثهم وسفسطة نصائحهم كُنا نرى أجسادهم العارية ووجوههم الخادعة فيما هم يتحدثون عن نقائضها وتلك هي من مفارقات السياسة المضحكة في العراق.