هالني ما سمعت قبل أیام قلیلة من تصریحات رسمیة لوزیرین عراقیین في مقابلتين منفصلتين على قناة البغدادية، الأولى كانت مع السيد مهدي الحافظ وزیر التخطیط السابق والثانية مع خلفه وزیر التخطيط الحالي السيد سلمان الجميلي.
ففي المقابلة الأولى كشف السيد الحافظ عن أوجه فساد مریعة في مجلس النواب، وهو بالطبع المجلس المكلف دستوریا بمهمتي الرقابة والتشریع. ومن بین ما كشفه الحافظ هو وجود جیش جرار من حمایات النواب یبلغ تعداده حوالي 15000 عنصر تصرف جمیع رواتبهم الى النواب أنفسهم مباشرة بدون ان تكلف الأجهزة المعنیة في دولتنا العتیدة التأكد فیما إذا كان النواب يوظفون فعلا حسب “استحقاقهم” (وهذه قضیة أخرى) ثلاثین حارسا لكل واحد منهم ام لا، وهل كل الحراس یؤدون واجبات فعلیة مع النائب ام ان اغلبهم مجرد فضائیین لكي یقبض النائب رواتبهم ویضعها في جیبه في مخالفة شنیعة یقوم بها بعض ممن أئتمنهم الشعب في السهر على مصالحه حسبما أكد الوزير الحافظ بنفسه، ناهيك عن المسؤولين الذين يتقاعدون ويعيشون في الخارج؟ هل يحتاج هؤلاء أيضا الى استلام رواتب ثلاثين حارسا بقيمة 40 مليون دينار شهريا إضافة الى رواتبهم ومنافعهم الشخصية؟
كما كشف السيد مهدي الحافظ ان مجلس النواب یشترى لكبار موظفیه 550 سیارة مدرعة سنویا تكون تكالیف تشغیلها فقط أكثر من تریلیوني دینار عراقي، أي أكثر من ملیاري دولار سنویا، وهناك أكثر من 2500 موظف في البرلمان، 70 بالمئة منهم لا یحملون شهادة جامعية أولية، في الوقت الذي یقع فیه الملایین من خریجي الجامعات نهباً للبطالة والفقر والیأس وشتى أنواع الانحراف وربما حتى الإرهاب! لیس هذا فقط، بل أكد الحافظ ان مخصصات الایفاد لموظفي البرلمان تبلغ 600 دولار امریكي یومیا مع دفع كامل أجور الفندق والطعام والنقل، ولا ندري ما هو الغرض من تحمیل خزینة الدولة العراقية 600 دولار اضافي إذا كانت جميع نفقات الطعام والسكن والنقل مدفوعة أیضا، ناهیك عن الخدمات التي یحصل علیها الموفدون من مضیفیهم التي تدخل في باب استغلال النفوذ لمن يتبوؤون وظائف عامة؟
هذا غيض من فیض مما ذكره الوزیر السابق والنائب حالیا مهدي الحافظ من فضائح لا تلیق قطعا باي مسؤول مكلف بخدمة عامة في أي مكان في العالم. ويبقى السؤال لماذا لم يتكلم السيد الحافظ الا بعد مرور 12 سنة من التغییر! هل هي صحوة ضمير مفاجئة ام ماذا؟
اما الذي تحدث به السيد سلمان الجميلي وزیر التخطيط الحالي فتلك مهزلة تثيرالاشمئزاز ومن نوع اخر لا تلیق الا بالهواة من سياسي الصدفة الذين من الواضح انهم فقدوا أي إحساس بالمسؤولية او حتى مجرد مشاعر إنسانية إزاء حال عموم الشعب، او على الأقل الجمهور الذي اوصلهم الى كرسي الحكم لكي يسطوا من خلاله على الأموال العامة! لقد كان الجمیلي في حدیثه یرتدي قفازات من حریر ویتكلم برومانسیة ویلتمس الاعذار”للزملاء الوزراء والنواب السابقين” عندما سأله الصحفي عن سبب عدم اخلاء المباني الحكومیة التي كانت في عهدة “زملائه” السابقين عندما كانوا في الخدمة؟ وكان یقول بالحرف الواحد “ان الحكومة قررت “اصلاح” الوضع بالسماح لهم بشغل هذه المباني لمدة سنة إضافیة فقط (سابقا كانت بلا حدود او ضوابط) بعد انتهاء مسؤولياتهم حتى يرتبوا امورهم وينتقلوا الى أماكن جديدة.”
یا للهول! ما هذه العبقریة؟ ولماذا لا یبدأ المسؤول بترتیب امر خروجه من هذه المباني الحكومیة قبل انتهاء مأموريته بأشهر (وهو الذي يملك اموالا وإمكانات هائلة)، ام ان هؤلاء المسؤولين قد تلبسهم هوى الطمع والجشع واستغلال مناصبهم لنهب مقدرات هذا الشعب المسكین وفقراؤه ونازحیه ومهجریه من الارامل والیتامى الذین يبلغ تعدادهم الان بالملایین، ناهیك عن ملایین الأطفال العراقیین المحرومین من حتى كرسي للدراسة یلیق بالحد الأدنى من اعتبارات الكرامة الإنسانية. لماذا یا سعادة الوزیر سلمان الجمیلي تتكلم بخجل واستحیاء عندما یتعلق الامر بتعدي “زملائك الوزراء والنواب” السابقین على أموال الشعب وكأن الذي نهبوه اثناء خدمتهم من قطع أراض ومخصصات وحراسات ورواتب فلكیة لا یكفي؟ هل هذا هو الذي تعلمته من أخلاقیات الخدمة العامة في دراستك للعلوم السیاسیة؟ وماذا عن الشعب الذي يقتات على حصتكم التموينية الناقصة والتي لا تصلح الا للعلف الحيواني كما يعترف بذلك وزير تجارتكم الحالي؟ ولماذا تخططون لفرض ضرائب على العراقيين لتغطية العجز الذي هو من صنع الحكومات العراقية المتعاقبة وتقاومون امر علاج امتيازاتكم الفاحشة؟ وكیف یمكن ان یثق بك العراقیون وانت الان مكلف بوزارة التخطیط التي یفترض انها تتصدى بكل نزاهة واخلاص للمصائب التي یواجهها الشعب حالیا والتي لها اول ولیس لها اخر! هذه الوزارة التي كان يفترض ان يرأسها خبير اقتصادي
مرموق من خريجي احدى الجامعات العالمية المعروفة برصانتها مثل جامعتي أكسفورد وهارفارد، وما اكثرهم في العراق. ولكن تبا…انها المحاصصة الطائفية اللعينة!
ثم هل هذه هي الطریقة التي تكافئ بها أكثر من ملیوني لاجئ في كردستان فقط، وجلهم من ناخبیك انت شخصیا؟ لماذا لم تتكلم عن طرق مساعدتهم وانت وزیر التخطیط في دولتهم التي نسیتهم، بینما یتلقون المساعدات المهینة من المؤسسات الخیریة الأجنبیة وهم يعيشون مع أطفالهم في العراء؟ هل یلیق هذا ببلد یعوم على بحرمن النفط لو لم یكن هم الوزیر فیه هو تسهیل امر القطط السمان من الزملاء والاقارب والاصهارعلى حساب السواد الأعظم من المظلومین من أبناء الشعب؟
اين ذهبتم بمبلغ ال 800 مليار دولار من ميزانيات العراق في السنوات الثمان الماضية فقط؟
والطامة الكبرى ان الوزیر الجمیلي قال بفخر انه هو من قدم مقترح الادخار الاجباري ب 50 بالمئة من رواتب الوزراء وبقية المسؤولين، ولكنه لم یقل للعراقیین أي شيء عن المخصصات والنثریات والایفادات والمنح التي منحت وتمنح لمختلف المسؤولین في الدولة بدون أدني حیاء إزاء الوضع العام للبلد. ان الحديث عن تخفيض رواتب المسؤولين فقط وتجاهل منافعهم الفلكية الأخرى تحت شتى العناوين هو مجرد خدعة أخرى لا تليق ايضا!
ثم لماذا یا اخي تقترح الادخارالاجباري وكأنك تحمل الأجیال المقبلة من العراقیین دینا إضافیا في اعناقهم، بینما كان الاحرى بك كوزیر للتخطیط، ان كنت فعلا تقدر المسؤولیة، ان تقترح تخفیض رواتب جمیع المسؤولین في الدولة من أصحاب الدرجات الخاصة الى الحدود المقبولة عالمیا وبما یتماشى مع ظروف البلد الحالیة ، مع ان من حق العراقیین ان یطالبوا حتى بالأموال التي صرفت لكم سابقا نهبا وتبذیرا بینما یغرق الشعب في نزاعات طائفیة وقبلیة او عرقیة من صنع ایدي بعض الساسة حدیثي النعمة واسیادهم في الخارج، والذين ساهموا جميعا بكل اسف في كسر عين العراق بعد ان اسكروه بأفيون محاصصتهم الطائفية؟
هل يعلم المتأسلمون الجدد الذين يحكمون العراق اليوم ان راتب النائب في عهد وزير المالية الأسبق (اليهودي ساسون حسقيل) كان لا يتجاوز راتب مدير مدرسة ويتم
قطعه فور انتهاء الدورة البرلمانية وهو غير مشمول بالتقاعد الا على أساس عمله السابق الذي يعود اليه بعد اكمال مهمته السياسية؟ كما لم يكن يسمح لعضو البرلمان شراء أي عقار او مزاولة الاستثمار طوال فترة عمله بالبرلمان. وإذا غاب عن خمس جلسات بدون عذر رسمي يتم فصله من البرلمان!
لقد ان الأوان ان یتحمل المجتمع المدني في العراق والاعلام الحر المسؤول مهام التصدي لهذا البهتان والتزویر وعدم الحیاء ونهب الأموال والضحك على الذقون.
العراقیون لیس اقل شانا من شعوب عربیة أخرى قررت ان تتصدى للانحراف بكل بسالة كما حدث في تونس او مصر مثلا. یجب نزع القدسیة التي یحاول السيد سلمان الجمیلي وغیره من المسؤولین اضفاءها على أنفسهم وكأنهم انبیاء منزلین. لقد طفح الكیل ووصل السیل الزبى ولا سبيل الى النجاة الا بعد ان یفهم مسؤولونا انهم خدام للشعب مقابل اجر مكفول ومعلوم وأنهم معرضون للمساءلة امام شعبهم الذي خانوه غیر مرة. ولا عزاء لشعب خانع او ذلیل!