26 نوفمبر، 2024 10:19 ص
Search
Close this search box.

الذنب العربي والغفران الصعب

الذنب العربي والغفران الصعب

ربما نحتاج اليوم في هذا الوضع المتشنج والجو المليء بالكراهية والتعصب والتصارع على السلطة والمصلحة وفي ظل بروز العنف واللاّتسامح الى الاحتماء بقيم الحق والحرية واستنشاق هواء المفاهيم وتنفس رائحة المعاني وايثار البحث عن الحقائق والاعتصام بالسرد الحالم والطموح الى الرّقي الفلسفي والصفاء الفكري والسمو الإتيقي والى قليل من التآلف الانساني والإحساس بالآخر. على الرغم من أن الفلسفة أضحت من الكلاسيكيات غير المثيرة للاهتمام وأنها صارت مجال مترامي الأطراف وحقلا لا يمكن تسييجه الا أن المؤلفات النقدية المعاصرة تعتبر من المفضلات عند العديد من القراء والمتابعين وذلك لما تطرحه من زيادة في المعرفة وفائض في القيمة وخصوبة في المعنى حينما تتدخل في الشأن العام وتناقش العلوم والآداب وتهتم باللاّفلسفي وتتفهمه وتعقلنه. ولعل من القضايا التي برزت الى العيان في المتن الفلسفي هي في العموم علاقة الهوية بالزمان وبالتحديد تمييزاته الحاسمة والدقيقة بين التاريخ والذاكرة وبين النسيان والصفح ومحاولاته الجادة لتجاوز المواقف المطلقة والخروج من الوضعيات الحدية مثل الحرب والعدوان وللتقليل من النزاعات الفكرية والحلول القصووية.

 والحق أن العرب يتعرضون اليوم الى سياسات الابادة الجماعية وقتل على الهوية والتهجير القسري بلا ذنب ارتكبوه ووقع تعطيل مشروع الدولة الأمة واجبروا على التخلي عن مفهوم السيادة دون مقابل أو بديل. وتم اختطاف أديانهم وتوظيفها بشكل هجين من أجل خدمة مشاريع كليانية وتم تبريرها بغية لازهاق الأرواح وتخريب العمران. كما تبدو الذاكرة العربية مهانة ومعاقة ومهزومة ومتلاعب بها وغارقة في مستنقع الأدلجة والشعور بالذنب ويجب تحريرها من كسر التاريخ وسلطة الميراث للوصول الى ذاكرة متصالحة مع ذاتها وهادئة ومرتاحة. رب وضع مزري يتردى فيه الناطقون بلغة الضاد يجعلهم أبعد عن لغة المساومة والصلح والاعتراف وأقرب إلى الدفاع عن النفس والاستثبات من أجل حفظ الكيان. فماذا فعلنا بأنفسنا حتى ينتشر التحارب وتعم الفتن ويتعولم القتل في كل ناحية من ديارنا؟ هل يقبل الذنب العربي اختفاء الجلاد أم تغيير الضحايا للدفاع عن القضايا العادلة؟ وهل العدو يتربص بنا في الخارج ويحيك خيوط مؤامراته أم يقبع داخلنا ويدفعنا إلى إتباع سياسة التدمير الذاتي؟

يصعب على العرب ممارسة النسيان والتسلح بالعفو والاعتصام بالصفح واعتماد قيمة الغفران في بناء علاقة مستقبلية مع الآخر فحجم الدمار كبير وعدد المجاز لا تحصى والضحايا هم من الأطفال والعزل والأبرياء والدم البشري مسفوح والحرية الإنسانية مذبوحة ودرجة الانتهاك للكرامة الإنسانية هائلة والجرح الذي أصاب الذاكرة عميق والعار قد يلحق بالثقافة والتصحر قد يصيب الحياة. كل ذلك يحدث وفق عنوان ولكن تعجز اللغة عن التبرير وعن النصل من المسؤولية وتتعثر حينما تحاول تجميل المشهد أو تبييض السواد الملطخ لوجه الراهن القبيح.

من جهة الذنب العربي نحن في حاجة الى اكتمال الحداثة الخاصة بنا وليس استنساخ معيار للحداثة يتم عولمته على كل الثقافات. ليس المسلم مذنبا بالطبع ولا خطاء بالضرورة وبعيدا أن يكون في طور الاختفاء والتلاشي والاحتضار في نهاية التاريخ وإنما العولمة المتوحشة والاستحمار والجهل المقدس في الداخل والاستعمار من الخارج والإرادة الغازية والصراع بين الحضارات هي التي دفعته الى ابتداع أشكال اللاّعقلانية للدفاع على نفسه تدمر الانسانية التي ينتمي اليها.

نحن نتحرك في اطار الوجود المدين تجاه التقاليد ونحمل دينا كبيرا تجاه التراث علينا ارجاعه وفكرة القطيعة مجرد وهم وسراب اذ لا يمكن طرح الذاكرة جانبا. والثقافة الغربية بفلسفاتها وعقلانيتها وعلومها وتقنياتها ليس غيرية بالنسبة الينا بل نحن أنتجنا غيرتنا العدائية من داخلنا وجعلناه في قلب ذاتيتنا وتحولت الى عائق يمنعنا من التقدم ويؤجج الصراعات الداخلية ويصعد من موجات الهدم الذاتي. الاسلام الكوني لم يبدأ بعد، القرآن لم يقرأ بالقدر الكافي أو تم التعاطي معه بشكل تاريخي مؤقت، نحن في انتظار مجيء الفهم الحقيقي للإسلام.

 خلاصة القول أنه يجب أن نكون ذاتنا وننجز هويتنا متعددة المنابع أولا ونفكر بعد ذلك في اللقاء بالآخر والتثاقف معه والانفتاح عليه والاستفادة من تطوره وثوراته ورقيه الحضاري. فبأي ذنب يقتل الإنسان في حضارة إقرأ اليوم ؟ وكيف يتحول تمني الموت الى ارادة حياة؟ ومتى يقدر العرب على تصويب بوصلتهم في اتجاه استراتيجية مقاومة لأي ضياع في العالم؟

أحدث المقالات