23 ديسمبر، 2024 2:16 م

الذكرى التاسعة لرحيل مفكر تقدمي وفيلسوف مجدد

الذكرى التاسعة لرحيل مفكر تقدمي وفيلسوف مجدد

الزميل البرفسور دكتور كامل مصطفى الشيبي
في يوم الأثنين 4/8/2006 توقف نبض قلبه وغادر الدنيا عن عمر يناهز التاسعة والسبعين عاماً، لكن ذكراه لم تمت بل بقيت محفوظة محفورة في أفئدة زملائه وأصدقائه ومحبيه وتلامذته وقرائه.فهو الباحث العالم الذي ترك وراءه نتاجاً علمياً زاخراً بالعطاء أثرى به المكتبة العربية والعالمية في مجالات الفلسفة واللغة والتراث والتصوف بشكل خاص.

كنت وعائلتي أقضي عطلة الصيف في القاهرة عام 2006 شعرت بهاجس معين تجاه صديقي الدكتور الشيبي فاتصلت ببيته هاتفياً فكانت على الخط زوجته السيدة سماح ام طريف فعندما سألتها عن أبي طريف شعرت بأنها حزينة لكنها فرحة لاتصالي، أعطته الهاتف قائلة له هذا فلان معك. وتكلم معي بكل رباط جأش وأسمعني ضحكته المعهودة واسترسل بالكلام بكل بشاشة، ومع ذلك شعرت بأنه في حالة صحية حرجة. وبعد يومين من تلك المكالمة قرأت على شاشات معظم الفضائيات العراقية نبأ وفاة العلامة الشيبي.

ولد الدكتور كامل مصطفى الشيبي في الكاظمية – بغداد في 6 /5/ 1927 وأكمل تعليمه الإبتدائي والثانوي في الكاظمية والأعظمية، وأكمل دراسته الجامعية بقسم اللغة العربية بجامعة الاسكندرية عام 1950، ونال درجة الماجستير في الفلسفة الاسلامية من جامعة الاسكندرية أيضاً سنة 1958، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كمبردج سنة 1961. بدأ عمله الجامعي في كلية الاداب بجامعة بغداد سنة 1961 استاذاً للتصوف وعلم الكلام وتدرج في نيل الالقاب الأكاديمية حتى منحته جامعة بغداد لقب أستاذ متمرس، تنقل في مصر وليبيا والولايات المتحدة استاذاً زائرا ومنتدباً وباحثاً.

في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، بعد أزمة الكويت، ونتيجة للوضع الاقتصادي الصعب الذي مر على العراق توجه الدكتور الشيبي الى ليبيا وعمل سنة واحدة في جامعة طرابلس بعدها جاء الى جامعة الزاوية، يوم كنت رئيسا لقسم الدراسات الفلسفية والعقائدية. وقدم طلباً للتعين في القسم، فقمت بتهميش الطلب بما يلائم ومقامه العلمي الأكاديمي واصطحبته معي على الفور الى عميد الكلية صديقنا الشاعر الليبي الدكتور أبو القاسم خماج واعطيته نبذة مختصرة عن شيخنا الشيبي فوافق على تعيينه دون تردد، وهو بدوره أخذ الطلب باليد واصطحبنا معه نحن الاثنين الى رئيس الجامعة ليتمم قرار تعيينه الذي نفذه السيد العجمي غبراهيم مسؤول مكتب أعضاء هيئة التدريس العرب. وبذلك تمت الموافقة على تعيينه بسرعة لا مثيل لها.

إنتاجه العلمي : للمرحوم الشيبي بحوث علمية معمقة عديدة يصعب سردها لكثرتها بالإضافة إلى مؤلفاته الكثيرة أذكر منها كتابه ( الصلة بين التصوف والتشيع ) الذي ترجم إلى الإنكليزية والتركية والفارسية وأثار لغطا كثيرا في الأوساط العلمية بين قادح ومادح كل حسب هواه . ومن كتبه الحب العذري و الأدب الشعبي مفهومه وخصائصه ، و الطرق الصوفية ورواسبها في العراق ، وصفحات مكثفة من تاريخ التصوف، و البهلول بن عمرو الكوفي سيد عقلاء المجانين .

الشيبي حلاج بغداد المعاصر:

يقول عنه أحد الكتّاب ” خلافاً للكثيرين من أبناء عصره يبدو الشيبي باحثا ًدقيقاً صادقاً مباشراً في طرحه للمعلومات، مؤمناً بالهوية العربية غير ملتفت إلى المسألة الدينية أو الطائفية. هذه الحادثة تعطي تصوراً عن طبيعة الإنسان الذي عُرف فيما بعد باسم حلاج بغداد المعاصر، وذلك لدوره الكبير في تحقيق كتابات الحلاج ونشرها فلا يمكن لك أن تبحث في تاريخ التصوف إلا وتمر على اسم الشيبي في باب التحقيق، والواقع أن هذا الاسم الذي التصق به، دفع الناس لإغفال أعماله الأخرى في اللغة العربية والثقافة الشعبية، وغيرها من الأعمال المميزة وهي كثيرة لا يمكن تناولها جميعا في مقال واحد”.

الشيبي عاشق المهمشين في التاريخ:

وحقق الشيبي ديوان السهروردي المقتول،وألف كتاب رباعيات الخيام باللهجات العامية العربية , والعجلي العضلي أول مظلي في التاريخ وديوان القومة وديوان الدوبيت الذي نال جوائز عالمية وعربية والفكر الشيعي والنزعات الصوفية، وحقق رواية دون كيخوت وديوان الحلاج وكتاب الطواسين , وحقق كذلك ديوان الكان وكان وديوان الشبلي البغدادي , وحقق ديوان الفلك المحملة بأصداف بحر السلسلة، وعلى أثر هذه التحقيقات لقب الشيبي بعاشق المهمشين في التاريخ .

ونقلت لنا تلميذته الليبية الأستاذة فوزية عمارخبراً يقول بإن أبا طريف في أيامه الأخيرة وضع مخطوط كتاب على الطاولة تحت عنوان ( عن الموت ) أوصى بطبعه بعد وفاته . وأوصى أهله بأن تفتح مكتبته العامرة بنفائس الكتب للباحثين وطلاب العلم، ولكن مع الأسف الشديد علمنا بأن المكتبة قد بيعت بعد رحيله مباشرة لى تجار الخردة وبثمن بخس. لقد عملنا سوية في جامعة الزاوية مدة تزيد على عقد من الزمان فكان من يتعامل مع الشيبي يشعر بأنه مثال للإنسان المتفتح الوافر العطاء الجواد في الإرشاد والتوجيه من غير تكبر إذ كانت الكياسة والتواضع من أبرز خصاله , فهكذا كان الفقيد مع زملائه وطلابه. كان الوقت كافياً لي للغوص في أعماق الرجل والتعرف على التفاصيل الدقيقة لأفكاره، فلقد كنا نسكن في مجمع سكني واحد هو المجمع السكني لأعضاء هيئة التدريس بجامعة الزاوية في منطقة قمودة، وأقوم بنقله معي في سيارتي من والى الجامعة. وبالمناسبة كنت أضع بنفسي الجدول الأسبوعي لمحاضرات القسم – بحكم موقعي الوظيفي – مع الأخذ بنظر الاعتبار أن يتزامن جدول محاضراتي مع جدول محاضرات الشيوخ العراقيين الثلاثة العاملين في قسمنا قسم الفلسفة والدراسات العقائدية وهم ( حسب أقدمية الأعمار )، أستاذ الفلسفة الحديثة الدكتور كريم متى، والدكتور الشيبي واستاذ الفلسفة الإسلامية الدكتور جعفر آل ياسين.

من طرائفه:

وكثيرة هي الطرائف التي نتلقاها من الدكتور ابي طريف، ونذكرهذه الطرفة التي تتعلق (بأقدمية الأعمار): في يوم الثلاثاء من كل أسبوع يكون الشيوخ الثلاثة لديهم محاضرات صباحية أقلهم معاً بسيارتي الخاصة. الدكتور جعفر أل ياسين يعتني بهندامه الى درجة كبيرة ولايخرج من بيته إلا ببدلة وبربطة العنق، أما كريم متي والشيبي فانهما ليس كذلك فلا يتقيدان دائما بالهندام، فنراهم يدفعون آل ياسين للجلوس بالأمام جنب السائق ويجلسان هما في الحوض الخلفي. وبدافع الإثارة “البريئة” قلت لهم: أنكم تلتزمون بقاعدة الأقدمية وتدفعون أكبركم سناً يجلس في المقدمة. فاجاب الشيبي على الفور:

لا…لا يا دكتور …الأكبر هذا وأشار الى د. كريم متي ، فهذا خوفو وانا خفرع والذي جنبك منقرع. وأضاف قائلاً: ( الدكتور آل ياسين النونو مالنا).

الشيبي في مديرية الأمن العامة:

نتيجة لمواقفه العلمية وتحليلاته الأكاديمية واجه الشيبي موجة هجوم من معارضيه، وفي هذا الصدد يقول الدكتور الشيبي في إحدى مقابلاته الصحفية: ” من الطبيعي ان يعاني الباحثون عن الحقيقة الجلية في بلدنا هذا وفي زمننا هذا من مضايقات كونهم ينفردون بأفكار ومناهج قد تكون غير مرضية من قبل الاغلبية التقليدية من الباحثين والسلطات هنا وهناك. ومن الطريف انني اضطررت الى احالة نفسي على التقاعد لأسباب صحية بسبب هذه المضايقات في داخل قسمنا وكليتنا بالذات وقد انتقلت هذه المضايقات الى طلبتنا في الدراسات العليا بحيث كانت المراقبة مستمرة على ابحاثهم ورسائلهم وكانت لجان من زملائنا تشكل لهذا الغرض مما ادى الى حذف كثير من الفصول من رسائل بعضهم خدمة للاغراض السياسية السائدة في بلدنا، ومن المضحك انني في كُتَيبي (إهداء وملامح عربية واسلامية في رواية دون كيخوت لسرفانتس) طُلب مني ان اضع ترجمة لنفسي كالعادة الجارية في مجموعة الموسوعة الصغيرة، فلما ذكرت انني من مواليد الكاظمية اعترض عليّ المشرف عليها ( الرقيب ) وطلب مني أضع مكان هذه العبارة، ولد في منطقة قريبة من بغداد، فلما اصررت على ان اعتز بإنتمائي الى مدينتي العظيمة فرضخ للأمر كارهاً. علماً بأني أكره الطائفية البغيضة وأنفر منها”. ومواقف الشيبي الطبيعية هذه هي التي تثير حساده من الطسالى وضيقي الأفق وهم الذين دفعوا بالأمر الى الحد الذي جعل مدير الأمن العام فاضل البراك يستدعيه للمثول أمامه في مقر المديرية.

في جلساتنا الخاصة في بيتي بمدينة الزاوية الليبية، أخبرني: بأن بعض الصغار كتبوا تقارير عني بأني شعوبي فارسي، على أثرها استدعاني مدير الأمن العام د. فاضل البراك فذهبت إليه فواجهني بما كتب عني، فقلت له كيف اكون فارسياً وأجدادي من رفّاد الكعبة؟ ولازالت أحدى أبواب الكعبة تحمل اسم باب بني شيبة؟ وتحدثت معه باسلوب مقنع جعله أن يجمع أصابع كفه اليمنى ما عدا السبابة التي وضعها على أنفه ؛ (علامة الصمت) ليشير باليسرى الى صورة صدام حسين الموضوعة خلفه. فعلمت أنه على خلاف ما مع الرئيس، وهو يرغب بإعلامي بأنه مأمور في استدعائي، ولكني تعاملت مع هذا الموقف بصمت وتجاهل وحذر، وفي نهاية المقابلة ودعني بلطف جم.

من تحليلاته الجريئة:

سمعت من الدكتور الشيبي شخصياً، بأنه قد نشر بحثاً في أحدى المجلات التراثية ، أعتقد أنها مجلة التراث الشعبي، يثبت فيه بأن نظرية العصمة مستحدثة وألصقت بالأئمة عند الشيعة الإثنى عشرية وأنها قد ظهرت خلال القرن السابع الهجري أي بعد انتقال الحوزة من النجف الى الحلة أواخر القرن السادس الهجري سنة 598 هجرية. ويعتقد بأن أئمة الشيعة لم يتكلموا عن عصمة لهم بل أن الحوزة الحلية خطت خطوة حكيمة عندما نادت بهذه النظرية من أجل سد باب الغلو نحو تأليه الأئمة لدى عامة الناس في ذلك الوقت نتيجة لاضطهادهم المفرط من قبل السلطات العثمانية المحتلة. وقال لي الشيبي إنه بعد نشر المقال مباشرة اتصل بي الدكتور أحمد الوائلي هاتفياً وهو معاتباً، فقلت له: هل تحليلي صحيح أم خطأ؟ فرد علي الوائلي بأنه تحليل صحيح، فقات له: إذا كان صحيحاً فلماذا تخافون منه منه؟.

ومن طروحاته التخيلية الجريئة قوله، لو لم يستشهد حمزة يوم أحد لما كانت هناك سقيفة.

ويعتقد أيضاً بأنه لو كتب للمعتزلة أن يحكموا البلاد الإسلامية لتغير وجه الإسلام نحو التقدم في مسيرة الحضارة الإنسانية.

الشيبي معروف بعلمه:

عام 1995 كنت وعائلتي اقضي عطلة الصيف في العاصمة الأردنية عمان فوجدت موضوعاً في إحدى الصحف الأردنية يتحدث عن عملاق الأدب الليبي الأستاذ علي مصطفى المصراتي فأعجبني المقال وأعجبتني السيرة الذاتية لذلك العالم الفذ . فاحتفظت بنسخة الصحيفة وحملتها معي إلى ليبيا على أمل أن التقي بالأستاذ المصراتي. وبالفعل أخذت اسأل عنه حتى قيل لي انه يتواجد أحيانا في الفندق الكبير في طرابلس. وأخذت أتردد بين الحين والآخر على ذلك الفندق عندما أذهب إلى طرابلس إلى أن شاءت الصدف أن أجده أمامي وكانت بصحبتي طفلتي رغد وكان عمرها آنذاك عشرة أعوام. فقدمت له نفسي وتعرفت عليه وأعطيته نسخة الصحيفة الأردنية وأهديت له ثمانية كتب من مؤلفاتي. كان استقباله لنا قد عكس تواضع العلماء وسمو مقامهم ، وقبل توديعنا نهض معنا وقادنا مشياً إلى مكتبة الفرجاني في شارع الأول من سبتمبر خلف الفندق واشترى من جيبه الخاص أكثر من عشرة كتب من مؤلفاته من بينها (قصة القرد في المطار) وكتب عليها بخطه إهداءً جميلاً إلى ابنتي رغد وكتب كذلك على بقية الكتب الأخرى إهداء لي. وقبل توديعه لنا سألني: أين حل الدهر بالدكتور كامل مصطفى الشيبي؟ فاندهش عندما قلت له انه معنا في ليبيا يعمل في جامعة الزاوية ، فطلب مني أن يلتقي معه. وعندما عدت إلى الزاوية أخبرت أبا طريف برغبة الأستاذ المصراتي فقال: وأنا ابحث عنه. وفي اليوم التالي حققت اللقاء بينهما وكنت اعتقد بأن الاثنين يعرفا بعضهما من قبل ، ولكن سياق الحديث الذي جرى بينهما يؤكد بجلاء أنهما يلتقيان وجه لوجه لأول مرة. واخذ كل واحد منهما يناقش أفكار الآخر المنشورة خلال ستينيات ذلك القرن-القرن العشرين- فعلمت أن العِلم قد جمع بينهما منذ عقود طويلة رغم عدم التقائهما بشكل شخصي. ومن طريف ما يذكر في ذلك اللقاء انه قد انضم إلى جلستنا ضيف عربي – مدير عام المكتبات في البحرين- فدار الكلام حول البرلمانات فذكر الضيف بان فلان الفلاني كان أول رئيس لبرلمان البحرين ، فنط المصراتي مصححاً للرجل تاريخ بلاده : لا إن أول رئيس لبرلمان البحرين هو علي العريض وكانت لي صلة صداقة حميمة معه. في نهاية اللقاء تنافس الشيبي مع المصراتي ” عمرياً” وكان يعتقد بأن المصراتي أصغر منه، فسأله: أي مواليد يا دكتور كامل؟ قال : 1927، فرد عليه المصراتي: أنا مواليد 1926.

من نوادره: ارسل الدكتور المرحوم محمد حسين الأعرجي، من المجر،عن طريق البريد في مظروف واحد، نسختين من مؤلفه ( الأيريات في الشعر العربي – منشورات دار الجمل – ألمانيا) كإهداء واحدة للدكتور الشيبي والأخرى لي. في اليوم التالي ذهبت الى شقة د. الشيبي لكي أصطحبه معي الى الكلية فوجدته يكتب رسالة عن عجل، وحينما أكمل الرسالة سألني: هل تعرف لمن كتبت هذه الرسالة؟ فقلت له: حبيبي ابو طريف ليس من الكياسة أن أسألك لمن تكتب. فقال خذها وأقرأها قبل أن أغلقها. قرأتها فوجدتها رسالة قصيرة موجهة الى الدكتور محمد حسين الأعرجي يشكره فيها على الإهداء وأنهى رسالته بالعبارات التالية: ( كان ينبغي عليك أن تضع عنواناً فرعياً تحت عنوان الكتاب فيصبح عنوان الكتاب:

(الأيريات في الشعر العربي

ويليه جزءان الكـ……ــيات والط……يات).

ومن نوادره، كان جالسا معي في البيت، دخل علينا أحد الأطفال وأخبره بأن زوجته أم طريف قد طلبته، فأنه قطع حديثه وخرج مسرعاً لزوجته، وعاد بعد خمس دقائق، فقلت له (ملاطفاً): يبدو أنك مطيع جداً لزوجتك؟ فرد على الفور قائلاً: إني ثلاثة أرباع مطيع أمام زوجتي.

استدعائه الى مديرية الأمن في الزاوية:

ديدن النظم الشمولية واحد وخصوصاً في عالمنا العربي، فقد تم استدعاء شيخنا الشيبي الى مديرية امن مدينة الزاوية الليبية بسبب برقية بعث بها من بريد جامعة الزاوية الى بغداد بمناسبة عيد ميلاد حفيده هاشم، والبرقية كانت على شكل ترنيمة نوطّها الشيبي بطريقته الخاصة، يقول في مطلعها ( مبارك عيدك الميمون هاشم دن ددن دن دن…الخ. فسألوه في دائرة الأمن: ما معنى دن ددن دن !!

مواقفه المساندة:

ذات يوم شتوي من عام 2000 كان الدكتورالشيبي معي في بيتي ننتظر وصول صديقنا المشترك مظفر النواب لتناول العشاء، في ذلك اليوم خرج من المطبعة كتابي ( راشكا – سنجق )ن فسالت البروفسور أبا طريف: ماذا أكتب من عبارات إهداء لشخصية مثل النواب؟ هذا شاعر وأنا متخصص في العلوم السياسية. فأجابني بابتسامته المعهودة : اكتب لأرى ماذا ستكتب دون نجدتك في مثل هذا الموقف. بعد سماعي جوابه أصبحت في زاوية حادة غير الزاوية الغربية التي اقطن فيها، فاستللت قلمي وكتب العبارات التالية: إلى معلمنا لمادة الصبر في مدرسة الغربة الذي أصبحت أشعاره نشيداً وطنياً يردد في مشارق العالم العربي ومغاربه إلى الشاعر مظفر النواب

مع خالص تقديري .

المؤلف. فعندما قرأ الشيبي ما كتبت نهض من مكانه وقبلني مع ترديده كلمة الله ثلاث مرات.

بيت الحكمة يستذكر الشيبي:

وبعيد وفاته استذكره بيت الحكمة وهو الصرح العراقي العلمي الثقافي، في مؤتمر أقيم في سنة رحيله ،حيث جاء في بيان بيت الحكمة: تقديراً لدور رواد الفكر وتكريم شخصياتهم ، وما بذلوه من جهود في تقدم العراق وديمومة نهوضه الحضاري . ياتي نشر بحوث ودراسات عدد من الباحثين العراقيين التي تتناول اسهاماته الفكرية وريادته الصوفية في سواطع الفلسفة ولوامع التصوف هؤلاء الباحثون لبّوا دعوة بيت الحكمة في تكريم رائد مـن رواد العراق ، وشخصية متميزة من شخصياته الفكرية ارست دعائم الريادة في طرح الدرس الصوفي الفلسفي في الصرح الجامعي الاكاديمي العراقي المعاصر ، واسهمت في احياء تراثه واستذكار شخوصه ، الا وهي شخصية المفكر العراقي الراحل الاستاذ المتمرس الدكتور كامل مصطفى الشيبي ( رحمه الله ) الذي عرف بسياحاته في تراثنا وتجواله في ما غاب عنا منه ، على وفق ما تبنى من منهج متميز في التدقيق والتحقيق ، وفي البحث والتوثيق ، وفي العرض والتفصيل ، فسجل ريادته في القضايا الصوفية والفكرية والفلسفية والادبية حتى غدت مؤلفاته ومصنفاته وبحوثه ودراساته منهل الباحثين وطلاب الحقيقة . ولعل تكريم المؤلف لرمز من رموز الريادة العراقية والابداع الفكري الصوفي ، المفكر العراقي الراحل الدكتور كامل مصطفى الشيبي يدخل في اطار عزم بيت الحكمة على نشر ما قدم الباحثون من بحوث اصيلة ومعمقة تناولت فكر الشيبي عبر تحليل فكره وقراءة مؤلفاته وتوضيح مواقفه وارائه الصوفية . من المواضيع التي تناولها الكتاب :

ــ كامل الشيبي وتصويبه لاخطاء المستشرقين . ــ قراءة في منهجية الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه ( الصلة بين التصوف والتشيع ) . ــ فلسفة الزهد والتصوف والتشيع في رؤية الشيبي . ــ الشيبي في ديوان السهروردي المقتول / عرض ومناقشة لارائه في شعر السهروردي .

قالوا في الشيبي:

وحينما نشرت مقالتي في رثاء الدكتور الشيبي عام 1999 علق عليها الكثيرون من الأساتذة العلماء، وهذه نماذج منها:

تعليق أستاذ الأدب العربي البروفسور دكتور عبد الإله الصائغ (شعراً):

ياسيدي يا ابن مهدي ينبيك ما اجتاح وجدي ياجعفرا لست نهرا يابحرُُ من دون حد بوركت فكرا منيرا وباذخا في الجهد بوركت قلبا شذيا يحكي عطور الرند امتعتني بمقال فما جزاؤك عندي فليرحم الله شيخا مثل الفتى المجد ابا طريف ويكفي فلن يحد بلحد لأنه محض علم لأنه محض ود غدا سنمضي جميعا من بعد عيش رغد فكل حي مول ان حان حين الوعد عبد الاله الصائغ مشيغن المحروسة

وعلق أستاذ اللغة العربية البرفسور دكتور محمد البكاء قائلاً:

رحم الله استاذنا الشيبي ، فقد كان علما لايبارى، حاول جهد مااستطاع تبرئة المذهب مما ألحق به من خزعبلات وترهات ، وهذا ماجعل الكثير يتحفظ على ما أبداه من آراء علمية طمعا في الكسب اللا مشروع! ولكنها في الوقت ذاته كانت محط تقدير الكثير من المتنورين الذين ينظرون الى تراث آل البيت عليهم السلام بصفاء، وبصيرة .. فشكرا للأستاذ الدكتور جعفر على هذا الوفاء، وهو يجاهد بقلمه لأحياء سيرة علم من أعلامناالذين نعتز بتراثهم،الذي حاول بعض الجهلة إخفاء معالمه النيرة.. رحم الله الشيبي علما واستاذا، وبورك بجهد من كان الوفاء شيمته.

وكتب أستاذ التاريخ الإسلامي البرفسور دكتور عبد الجبار العبيدي:

لم يكن الوفاء مجرد كلمة تلفظ على اللسان،بل هي قيمة معلقة في الصدور والاذهان ,ووفاء جعفر عبد المهدي الصديق الوفي للعلم والعلماء والاصدقاء مثالاً. لم يبقِ جعفر عبد المهدي من رموز الثقافةالعراقية الاصيلة من احد الا وقدم له التثمين والتقييم أبتداء من بالشيبي ومرورا بجعفر آل ياسين، وان دل ذلك فأنما يدل على روح الاصالة العربية فيه، وميله دوما نحو العلم والثقافة وروادها الاصليين. الخالد الشيبي واحدا من الذين يستحقون الوفاء ،زاملته في جامعة السابع من ابريل في ليبيا مع المرحوم الفذ الدكتور جعفر آل ياسين فكانا مثالا للعلم والعلماء والمخلصين لله والوطن والاصدقاء.شكرا للاخ الدكتور جعفر لتفقده كل الاخيار والعلماء.والوفاء صفة العلماء دوماً و الدكتورجعفر عبد المهدي منهم.

وكتب عالم الجغرافية البرفسور دكتور محسن المظفر تعلياً:

الاخ أ. د. جعفر عبد المهدي صاحب …تحية طيبة، عرفت المرحوم الدكتور كامل الشيبي من خلال نتاجه العلمي وعرفتة شخصياً عن كثب فهو عالم موسوعي وفيلسوف غزير المعارف خرج جيلاً من العلماء لا تخاله غائباً عنا برغم موته رأيته مرات عدة في الزاوية الليبية يمش الهوينا بخطوات مثقلة وانا مثله اجر اطرافي ومثلنا الدكتور فوزي رشيد العالم الآثاري العراقي، قلت في نفسي: عجباً ما أعظم محنة العراق، علماؤه بين مهجّر ومهاجر في خارجه ومتقاعد في داخله براتب تقاعدي مؤسف ومحزن وهم الأقدر على العطاء بما يملكونه من خبرات متراكمة تفيد في التخطيط والبناء والتغيير والقيادة وفي كل الشؤون رحم الله العلامة الشيبي الذي ترك لنا نهراً معرفياً يجري في بلاد الرافدين لا ينضب نميره وأن كانت الدولة والآحرين تناسوه فأن محبيه لاينسونه وهاهو العلامة البرفسور جعفر عبد المهدي ينبري ليسطر مآثر الرجل وينعاه باسلوب العالم المقتدر. أخي الاستاد جعفر أن ما كتبته عن الشيبي جعلني أغبطك على ما عندك من إحساس حب للعراق ولعلمائه وجعلني أكن لك الود كل الود وأتدكر أنه عند خضوري مجلسك كنت تقدم لي باقات معرفية ملونة كباقات ورد فأنت حقا وردة

وأن حدثتني عن شؤون العالم والدول والعولمة وشؤون السياسة تزدني اطلاعاً عن العلم فأنت موسوعي عالمي اذ تجتمع عندك ألوان الحياة بجمالها والمعرفة الموسوعية بأطيافها شكرا لك.

وعلق أستاذ اللغة العربية الدكتور صالح هويدي:

أخي الأستاذ الدكتور جعفر تحية شوق لقد أحسنت أخي الكريم في تقديم صور وذكريات وملامح واستذكارات عفوية جميلة، تقطر وفاء للراحل الكبير الذي تفيأت بظله وحزت في صحبتك له على بعض ثماره. وليس قليلاً في هذا الزمن الذي تغير فيه كثير من الرجال أن يحتضن زميل زملاءه فيرتفع بهم ويرفع من سوية الصرح العلمي الذي يعمل فيه. نعم إنه الواجب الذي ليس للنجيب فيه فضل، لكنه الواجب الذي عز وندر في يومنا هذا، وهو غير غريب عنكم وعن أخلاقكم وعلمكم. بارك الله فيك باحثاً جميلاً ومشتغلاً في حقل معرفي بأسئلة متجددة