7 أبريل، 2024 12:08 ص
Search
Close this search box.

( الذبابة على الوردة ) لخضير ميري

Facebook
Twitter
LinkedIn

رحل الكاتب خضير ميري قبل عام ونصف وترك فراغا شاسعا بقلوب محبيه واصدقائه وهو الإنسان والكاتب والمفكر والفيلسوف الذي غادرنا مبكرا ، وخلال إقامة ميري في القاهرة لاكثر من ست سنوات أصدر بعض الكتب في النثر والرواية كان آخرها صدر عن دار الحضارة للنشر عام 2015 بعنوان ( الذبابة على الوردة ) وهى الرواية الثالثة له التى تصدر بالقاهرة بعد (أيام الجنون والعسل) الصادرة عن مكتبة مدبولى ورواية (جن وجنون وجريمة) التى صدرت عن دار نفرو، كما صدر له مجموعة نثرية حملت عنوان “سارق الحدائق” وكان قد قدمها الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر، وروايته التي سنتحدث عنها اليوم ( الذبابة على الوردة) رشحتها الدار إلى جائزة بوكر العربية يوم صدورها واحتفت بها الاوساط الثقافية المصري وكتب مقدمة “الذبابة على الوردة” الدكتور باهى سامى بطى الذى قال: (لا تنتمى الرواية تحديداً إلى جنس السيرة الذاتية، ولا إلى تاريخ القمع البشرى، ولا إلى تاريخ السياسة بين سلطة ومعارضة فى العراق، ولا إلى تاريخ معاناة المثقفين العراقيين مع السلطة الديكتاتورية فحسب، وإنما سنكتشف أنها تاريخ محاكمة اللامعقول الإنسانى للمعقول السائد، المؤسساتى منه والكونى.. إنها حكاية “الفرد الذى يزرعه آخرون فى طريق وجود لا ضمانات فيه ثم يموتون بعد ذلك ليتركوه وحيداً كأنه هو الذى أنجب الحياة ولم ينجبه أحد )..
لقد دونت رواية الذبابة على الوردة للكاتب العراقي الراحل خضير ميري لمرحلة مهمة وهي من اهم المراحل الصعبة التي مرّ بها العراق اثناء الحروب المتتالية التي أحرقت الاخضر واليابس بطريقة مؤلمة ، الحروب التي جعلت من الوطن العراق ان تتراجع فيه عجلة تقدمه وازدهاره لعقود طويلة من الزمن .
وقد جاءت رواية ميري لتؤرخ لتلك المرحلة الصعبة وبطريقة فنية لا تخلو من الذكاء الحاد الذي يتمتع به الكاتب ، ان هذه الرواية يمكن لنا ان نصنفها الى عدة تصنيفات فهي تندرج ضمن عوالم الرواية العربية الحديثة التي تعتمد في تركيبتها وبنيتها السردية على الجمل الشعرية البارعة والتي تنقلك من صورة الى اخرى ضمن سياقات عالية التكنيك في الوقت الذي تحيلك الى عوالم غامضة وغريبة على القاريء والمتلقي ، وكذلك فان الذبابة على الوردة من الممكن ان نعتبرها ضمن ادب السيرة الذاتية وبامتياز ، فهي تتحدث عن سيرة الكاتب ايام افتعاله للجنون من اجل الهروب من الحرب وويلاتها التي استمرت لعقود طويلة في العراق ، وقد شهد الكاتب خضيرميري الكثير من المآسي التي عاشها داخل مستشفى المجانين (الشماعية) ببغداد وتعايش مع المجانين لكي ينقذ روحه من الموت المؤكد في الحرب وان لم يذهب لتلك الحرب فسيكون السجن ومن ثم الاعدام هو مصيره المحتوم .
ومن الممكن ايضاً تسمية الذبابة على الوردة بنص مفتوح على فضاءات جديدة غير مطروقة في النصوص العربية ولا حتى الشعرية الامر الذي يجعل من القاريء للرواية ان يصطدم بالكثير من المطبات الشعرية ، ولعل كثرة وتشعب الاحداث التي جلها تتجه الى شخص الراوي الحبيسة داخل مستشفى المجانين ، وتلك تجربة فريدة في ادبنا العربي ، فثمة العديد من الادباء العرب حين يكتبون سيرهم الذاتية ترافقهم نرجسياتهم العالية ونراهم يبتعدون ايما ابتعاد عن الجوانب السلبية التي مرّت في محطات حياتهم الطويلة ، لكن خضير ميري وضع جميع النقاط على الحروف فكان يتحدث عن شخصه بالسلب والايجاب من دون خوف ، وهذا سر نجاحه في تلك التجربة التي وقف لها النقاد باحترام . ولا ننسى الجانب الفلسفي المحيط بالرواية ، فقد ابدع غاية ابداع في اقحام الفلسفة داخل هذا العمل ، كونه يمتلك ثقافة عالية تؤهله للخوض بهذه المطبات المعقدة التي خبرها منذ نعومة اظافره وهو شاب يافع كرس قراءاته للفلسفة بطريقة مذهلة وتعمق فيها ولهذا اخذت روايته طابعاً فلسفياً اضافت جمالية ورونقاً على سرده الروائي الذي هو بمثابة قنبلة روائية جديدة في عالم الرواية العربية .
لقد سخر ميري في هذه الرواية الجوانب الفلسفية التي يتقنها الى جنون مصطنع استطاع من خلاله ان ينجو بحياته من الموت المحتوم ، وليدخل تجربة الجنون المصطنع وينجح في ذلك لكنه يصطدم بالمآسي والويلات التي شاهدها داخل المشفى المكتظة بالقصص والروايات الحقيقية في عالم المجانين الذين اجبرتهم الظروف القاهرة على فقدان عقولهم بعد ان يعجز الانسان من تحقيق امله المنشود . وبالتالي فأن الذبابة على الوردة هي رواية استثمرت الجنون المفتعل كفعل سردي وكذلك كحقيقة فلسفية فرضها الكاتب من خلال طروحاته البارعة داخل العمل الروائي ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب