حيدر العبادي.. قبل أن يكون عضوا بارزا في حزب الدعوة، وقبل أن يتفوق في دراسته وينال شهادة الدكتوراة، وقبل أن يكون رئيس وزرائنا.. قبل كل هذه الامتيازات والمؤهلات والعطاءات هو إنسان عراقي.. يحمل من الخصال الحميدة ما يحسد عليه العراقيون. فمعروف عن العراقيين حبهم لمعيتهم سواء أكانوا بعيدين عنهم أم قريبين! والتزاور شيمتهم منذ قديم الزمان، ولطالما سمعنا من آبائنا وأجدادنا كيف كانوا يقطعون المسافات الشاسعة لمواصلة قريب او صديق، او حتى شخص ربطتهم معه في سنة ما رابطة ما. فالتزاور إذن..! هو دأب العراقيين وهو ما يزيد من رصيدهم في العلاقات الاجتماعية.
وعلى ذكر التزاور والتواصل.. أذكر زيارة قام بها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الى إقليم كردستان العراق، وتحديدا في شهر حزيران من العام المنصرم، وقطعا كانت زيارة لحل المشاكل العالقة، ولتلطيف الأجواء المغبرة جدا.. جدا يومها. واستبشر العراقيون كل الخير من تلك الزيارة، لاسيما وقد بادل الزيارة بعدها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وقام بمثيلتها الى بغداد.
وكلنا يذكر كيف كان لتلك الزيارتين أثر إيجابي سريع، أتت نتائجه بتقدم ملحوظ في سير العملية السياسية، كذلك على اجتماعات مجلس النواب ومجلس الوزراء وباقي اجتماعات الرئاسات، وهذا قطعا ناتج عن كون العراق بمحافظاته وإقليمه جسدا واحدا، إذا أصاب جزءا منه ضرر (تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ولم تكن الزيارتان وليدة حالة طارئة، اوإسقاط فرض اودرء شر اومحاباة لجانب معين. فالتزاور -كما أسلفت- من خصالنا التي لازمتنا في مجتمعنا العراقي منذ القدم بين الأقارب والمعارف والجيران، ولطالما كانت وراء زياراتنا أسباب ودواعٍ أبعد من كونها زيارة توادد أو رد واجب اوعيادة مريض، إذ قد تكون لحل مشكلة او تسوية خلاف. ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة، فقصته مع جاره اليهودي معروفة، حين عاده في بيته يتفقده بعد ان افتقده، على الرغم من أن اليهودي كان يلاقي النبي (ص) صباح كل يوم بما لايليق بمنزلته. لقد كان لتلك الزيارتين دور في ردم الهوة العميقة بين الإقليم والمركز، ورأبت الصدع الذي ماكان المفروض ان يصيب بناءً متراصا ونسيجا فسيفسائيا كالنسيج العراقي.
اليوم يقوم رئيس وزرائنا الحالي بزيارات مكوكية تحسب لصالحه فيما لو أتت أكلها نضرة يانعة، في وقت ضاقت الخناقات على العراقيين بشكل غير مكافئ للانفراجات التي تحصل بين حين وآخر، وأستطيع القول ان السبب الرئيس في شحة الانفراجات على العراق هو الدول الاقليمية، بل وأستطيع البت أيضا بعدم استثناء دولة منها على الإطلاق. فبالأمس وصل العبادي إلى الامارات في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه منصبه، وكما مخطط له أنه سيبحث خلالها ملفات الأمن ومستجداته وتداعياته على الساحة العراقية، وكما صرحت وسائل إعلامية انه -العبادي- سيناقش هناك دعم مشاريع إعادة إعمار المدن التي استعادتها القوات العراقية من قبضة عصابات داعش. والى هنا الأمر سليم ويسير في خطوات صحيحة، وما من عراقي لايرغب بتحسين العلاقات بغية الاستفادة منها حاضرا ومستقبلا. ولكن..! هل من الممكن نسيان الماضي من الزيارات التي عادة مايبادر بها مسؤولو العراق الى دول الجوار، ويعودون بخفي حنين؟
وهل سيأتي الذاهبون الى السعودية والامارات والكويت وتركيا والاردن وإيران، عند إيابهم بصيد وفير له مردودات إيجابية ملموسة، يستطيع العراقيون بعدها فتح صفحة جديدة مع دول الجوار؟