22 نوفمبر، 2024 10:36 م
Search
Close this search box.

الذاكرة بين الوعي الإنساني والديمومة الزمانية

الذاكرة بين الوعي الإنساني والديمومة الزمانية

استهلال:
” إن الذكرى هي من الإدراك بمثابة الخيال الذي نراه في المرآة من الشيء الموضوع أمامها “1[1].

لقد قيل أن عقل جيد الصنع أفضل من رأس ممتلئ بشكل تام وقيل أيضا أن الذاكرة ضد الذكاء وأن تكديس المعلومات في الذاكرة يعرقل عمل الفكر ويعيق الانتباه إلى عالم التجربة ويغفل الواقع الملموس وذلك لاحتمال أن تكون الذاكرة مملوءة بالأكاذيب أو محشوة بمحتويات لا يقدر المرء على الاحتفاظ بها ويعسر استدعاءها عند الحاجة بل تحتكم إلى معيار وقدرة على الانتقاء. لقد قيل أيضا أن الذاكرة يمكن أن تجسد حجة السلطة المعرفية للتاريخ ومصدر النفوذ للتقاليد في المجتمع ويتم توظيف سردياتها بشكل سيء وعنيف. غير أن هذه الأقاويل ظهر ما يقابلها ويفندها ويؤكد عكسها تماما وبرز من الفلاسفة من يرى أن الذاكرة قد تستغل قصصها على أحسن وجه ويستثمر رمزيتها وتمنح اليقين وتكون محل تشريف وتقدير وتتحول شهاداتها إلى منبر ناطق بالحقيقة ومصدر لا ينفذ للتشريع القيمي ومنبع غير قابل للتصحر لإنتاج المعنى. لكن ذكرى الصدق لا تكون صادقة بالضرورة والعجز عن التذكر ليس تعبيرا عن الجهل والغفلة والوقوع في تضليل الايديولوجيا وسطوة التقاليد ولذلك تنصح التربية العقلية بالعمل النقدي للذاكرة والشك في الذكريات وغربلة المعارف السابقة وامتحان الحقائق المكدسة فيها وفحص المعلومات الموروثة والمكتسبة بالتجارب.

هل الذاكرة هي شغل خاص يقوم به الفرد في حياته الذاتية أم عمل عمومي يتعلق بهوية مجموعة معينة تتفقد ما بقي من ماضيها وتراثها ؟ وهل هي مجرد محافظة على الذكرى وتثبيت لها أم استذكار وإعادة إحياء التاريخ وبعثه من جديد عن طريق فعل التذكر؟ هل الذاكرة وظيفة نفسية تستمر في إعادة إنتاج حالة ماضية من الوعي مع طابعها الذي عرفته الذات المدركة أم هي نوع من الهلوسة ناتجة عن آلية الكبت والتعويض ورغبة من الجهاز النفسي للإنسان في المقاومة والدفاع على الأنا ضد طوفان اللاوعي واكتساح النسيان لمساحة الوعي؟ لماذا يتحدث البعض عن وجود ذاكرة عند الحاسوب؟ كيف يمكن اعتبار القدرة على التخزين والتسجيل والحفظ وإعادة استعمال المعلومات السابقة ذاكرة حقيقية؟ أليس الحاسوب آلة تشتغل دائما في مكان معين وفي الزمن الحاضر دائما وعاجزة عن معرفة الماضي بماهو ماضي؟ ماهي علاقة الذاكرة بالعادة من ناحية وبالذكاء من ناحية أخرى؟ ما الفرق بين التفسير المادي والتفسير الروحاني للتذكر؟ وماهي أسباب أمراض الذاكرة؟ وفيما تتمثل الشروط النفسية والأطر الاجتماعية للذاكرة؟ وهل التذكر وفاء للماضي واستدعاء له كماهو في حد ذاته أم إعادة بناء وفق مقتضيات الحاضر؟ وهل نتعرف على الذكريات بالتفكير في معانيها ودلالاتها أم بالوعي بها ومعايشتها من جديد؟ أين تذهب الذكريات حينما نتوقف على التفكير فيها؟ هل تصبح في عداد الماضي ويفترسها العدم أم يلفها النسيان وتغطيها الغفلة؟ وهل النسيان نقص في الذاكرة ومرض في النفس وضعف في الجسم أم هو قوة حياة وإظهار للغفران؟

1- الذاكرة والوعي الإنساني:

إذا انفرد الإنسان بوجود عميق في المكان وحضور غزير في الزمان وتأثير جلي في وجهة التاريخ وحرص حرصا كبيرا على الوفاء للتراث والتقاليد والانتباه اليقظ إلى الأحداث والقيام بالتخطيط المدروس للآتي فإن ذلك يعود بالأساس إلى ما يتميز به من ديمومة وقدرة على التذكر واعتباره كائن متعدد الأبعاد. ولكن إذا كانت الأشياء تعاصر نفسها في كل لحظة والأيام تمضي دون رجعة والحاضر هو قطعة من الديمومة تتضمن ما قام به في الماضي القريب وما أراد فعله في المستقبل المباشر فإن نوع البشر مثابر مستمر الى يوم البعث ومهتم بإسقاط المستقبل على الحاضر ومواجهة الحاضر بالماضي. بناء على ذلك يوظف الإنسان جميع ملكاته من أجل إنقاذ الأحداث التي يعيشها والمعلومات التي يعرفها من التلاشي والضياع ويجعل من فكره محفظة أمينة يودع فيها كل ما تعلمه وأخبر به ويجعل من ذاكرته كيانا قادرا على الشعور وحراسة ما مضى وطريقة للرد على هروب الأيام من سلطة الإنسان وقدرته على التحكم فيها وتوجيهها وعلى متابعتها ومعرفة تفاصيلها وجديدها.

اللافت للنظر أنه يمكن التمييز بين الذكرى والتذكر والتذكير والاستذكار ويمكن اعتبار الذاكرة أساس المعرفة من خلال الجمع بين الذاكرة والذكاء وذلك بالبحث في الأشياء التي كان قد عرفها الإنسان في السابق ويحاول العثور عليها مجددا وإيجادها وإخراجها من العدم إلى الوجود.

إذا كان وجه العالم يتغير بطريقة منتظمة وإذا كانت الأحداث الحاضرة تمضي إلى مستقر لها فإن المرء لا يجد بعض الثبات والكثير من الديمومة سوى في الذاكرة بوصفها امتلاك أبدي لكل ما تفقده البشرية وإنقاذ للأمور التي تفنى وتضمحل بسرعة والعثور على الماضي ولقائه من جديد.

في الواقع، يقودنا البحث الايتيمولوجي إلى القول بأن لفظ ذاكرة في اللسان الأعجمي هو على النحو التالي: memory في الأنجليزية , وفي الألمانية Gedachtnis وفي الفرنسية mémoire . أما في اللسان العربي فقد ذهب الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابه “النجاة” إلى القول بأن الذاكرة هي “القوة التي تحفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية وتذكرها”.

بيد أن ريبو في الحقبة المعاصرة قد أعطى في مؤلفه “أمراض الذاكرة” قيمة كبرى للذاكرة وبين أن هذه الأخيرة هي وظيفة عامة للجهاز العصبي نشأت عن اتصاف العناصر الحية بخاصية الاحتفاظ بالتبدلات التي تطرأ عليها وربطها البعض منها بالبعض الآخر، وبالتالي هي وظيفة نفسية وعبارة عن القدرة على احياء الحالات الشعورية التي انقضت، وبذلك تستبقي ماضى الكائن في حاضره. من ناحية أخرى يمكن التمييز ” بين ثلاثة أنواع من الذاكرات. تتمثل الأولى في الذاكرة الانفعالية التي هي قدرة على تذكر الأحوال الانفعاليةaffective القديمة. وتشير الثانية وهي الذاكرة الحسيةbrute الى قدرة بسيطة على تذكر الأحداث بشكل خام. وتدل الثالثة وهي الذاكرة المنظمةorganisée على ذاكرة المعاني التي تنظم الذكريات وتضفي عليها مختلف التفسيرات والتأويلات2[2]. لكن يجب الاقرار بصورة مختلفة بأنه ” لدينا ثلاثة أنواع من الذاكرة ؛ الأولى : هي العضوية والمؤلفة من اللحم والدم وهي التي يديرها دماغنا. الثانية : هي المعدنية (اللاّعضوية) ، وبهذا المعنى عرف الجنس البشري نوعين من الذاكرة المعدنية : قبل آلاف السنوات المنصرمة، كانت الذاكرة ممثلةً من خلال ألواح الطين والمسلات، إذ نحت عليها الناس نصوصهم. على أية حال، هذا النوع الثاني هو أيضاً الذاكرة الالكترونية لحواسيب يومنا هذا، المستندة إلى السليكون. لقد عرفنا كذلك ضرباً آخر من الذاكرة ألا وهي النباتية، التي تمثلت في أوراق البردي الأولى التي حملت كلاماً مكتوباً، وهي معروفة أيضاً في هذا البلد، ومن ثم تمثلت في الكتب المصنوعة من الورق. “3[3] لكن ماهي أوجه الاختلاف بين الذاكرةmemoire والذكرىsouvenir وبين فعل الاستذكارrappel وفعل التذكر réminiscence واعادة التذكر ressouvenir ؟

2- الذاكرة والتذكر والذكرى:

عندما يقوم المرء باستعراض ما كان قد حفظه سابقا ويستعرض بعض المعارف المكتسبة فإن هذه العملية المعقدة يمكن وصفها بتجربة التذكر ويتراوح هذا الفعل بين الاسترجاع والتعرف. وإذا كان التعرف هو شعور المرء بأن ما يدركه الآن هو معروف لديه وليس غريبا عنه فإن الاسترجاع هو استحضار الماضي في شكل ألفاظ وتدوينات ومعان وحركات ومدركات ذهنية.

لكن اذا كان الاسترجاع مرتبط بالماضي الغائب عن الادراك وغير الماثل أمام الحواس فإن التعرف مرتبط بالزمن الحاضر ويتحقق عبر آلية المماثلة والتطابق بين المعروف والمتعرف. لهذا السبب تتكون عملية التذكر من عناصر التعلم والحفظ والاكتساب والتكوين والتخزين والاحتفاظ والتعرف والاسترجاع والاستجماع والاستيعاب والإحاطة والانتباه والاستنهاض. ويتوزع التذكر الى مجالات عديدة وينقسم هذا الفعل الاسترجاعي التعرفي الى تذكر حسي حيث يهيمن التذكر البصري على بقية الأنواع مثل التذكر السمعي والشمي والذوقي واللمسي وكذلك يشير إلى تذكر حركي وتذكر لفظي وتذكر الأحداث والأرقام والمعلومات والمعاني والأفكار.

لكن لو انطلقنا من فرضية أن الذاكرة هي تثبيت الذكريات ومحاولة تخزينها داخل الدماغ فإننا نصطدم بصعوبتين: الأولى هي أننا لا نقدر على تثبيت كل ما أدركناه بعقولنا وتعلمناه بتجاربنا وجميع معلوماتنا طوال حياتنا خاصة وأن البعض منها يمكن أن يتلف ويضيع ويلفه النسيان. الصعوبة الثانية هي اقتران الذاكرة بعملية انتقاء متواصل وفرز مستمر وتأثرها بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية. فبسيكولوجيا الشكل ( القشطلت) تؤمن بدور العوامل الموضوعية في تكون الذاكرة وترى أن بنية الموضوع هي التي تساعد على تثبيت ذكراه وكذلك شكله الخارجي هو الذي يسمح بتخزينه في الذاكرة . لكن جورج غوسدورف يؤمن بدور العوامل الذاتية ويرى عملية الانتقاء في تجربة الإنسان للذكريات من نوعية إلى أخرى تتم وفق معايير وتقديرات ذاتية وبالتالي يعتبر القيم والاعتبارات والمعايير والأعراف والتقاليد هي منطلق أخلاقي تسمح بتثبيت بعض الذكريات الجوهرية والتخلي عن بعض الذكريات الثانوية4[4].

رأس الأمر أن تحصيل الذكريات ليس مسارا ميكانيكيا وغير شخصي ، والذاكرة ليست مجرد درج تخزن فيه مجموع من الأشياء وإنما هي حركة إرادية واعية من الشخص يثبت من خلالها بعض من معطيات الماضي وفق مطالبه واهتماماته وقيمه وبعد عملية غربلة وانتخاب وحذف. وإذا كانت الدراسات العلمية لبعض المرضى فاقدي الذاكرة قد قادت ريبو إلى بلورة نظرية مادية في الذاكرة والاستنتاج بأن الذكرى يتم الاحتفاظ بها في الدماغ في شكل آثار مادية ويمكن ايقاظها فيما بعد عن طريق الانطباعات الحاضرة والتنبيهات الواقعية فإنه يمكن القول حسب هذه النظرية أن الدماغ يحتوى على قسم خاص من خلاياه وجهازه العصبي يقوم بتخزين الذكريات 5[5].

بيد أن عملية التذكر تشهد بعض التعطل ويشعر المرء بصعوبة التعرف على الأشياء التي كان قد حفظها ويحس بتعب شديد أحيانا حينما يريد استجماع بعض المعلومات المخزنة في ذاكرته وبالتالي ينتابه نوع من الضعف وتتدخل بعض الظروف الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية في تسهيل أو تعطيل عملية الحفظ والاكتساب والاسترجاع والاستجماع والاستعادة والاستثارة.

تبدو الذاكرة حسب ريبو في شكل مجموعة من الصور الحسية والحركات والأحداث التي يتم ايداعها في مناطق عصبية محددة في الدماغ ويمكن اختزالها في قدرة العصب الحيوي على تسجيل الانطباعات والمحافظة على آثارها. كما ” أن الذكريات تتجمع في الدماغ في صورة تبدلات تنطبع على طائفة من العناصر التشريحية: فإذا زالت الذاكرة كان مرد ذلك أن هذه العناصر التشريحية قد فسدت أو تلفت.”6 [6] على هذا الأساس تستوجب توفر عوامل ذاتية وشروط موضوعية من أجل تخزين الذكريات وتثبيتها ويشترط سلامة الجهاز العصبي وصحة الخلايا العصبية التابعة للدماغ وتلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية في ضبط درجة الحفظ وسرعة الاسترجاع ومجال الانتباه ومستويات الذكاء وجاهزية الوظائف النفسية والدوافع الغريزية.

لكن الى جانب النظرية المادية للذاكرة توجد أيضا النظرية الروحية التي يمثلها هنري برجسن الذي وجه سهام نقده في كتابه “المادة والذاكرة” الى نظرية ريبو وكشف عن حقيقة الذكرى التي لا يمكن أن تحفظ بواسطة الدماغ ، وآيته في ذلك هو ما تظهره التجربة من أن إتلاف مناطق عصبية لا يؤدي إلى الذكريات المطابقة والمعنية بل يشير الى إمكانية استرجاعها ضمن توفر جملة من الشروط المعينة. لقد وقع ريبو حسب برجسن في خلط كبير بين الذاكرة mémoire والعادة habitude ، والحجة على ذلك أن العادة هي التي تدفع الناس إلى التفسير عن طريق الروابط العصبية. جملة القول أن ما يتم حفظه من معلومات ونصوص يترسب بطريقة آلية عن طريق التكرار والإعادة والتعود والتعلم apprentissage وتتحول المحفوظات الى جملة من العادات. وفي مقام العادة يُبْعَثُ الماضي ويستعمل ويلعب به ويتم استخدامه وتوظيفه ولا يكون موضع تأمل ولا يبعث على التفكير والمعرفة، ويحدث أن ينسى الانسان الذكرى وتاريخها ولكن نتيجتها تبقى محفوظة في شكل آثار ومخلفات جانبية. بيد أن الذكرى الحقيقة التي يحملها الانسان هي موجودة في حقل مختلف عن الآثار المادية المترسبة في منطقة معينة من الأعصاب الحيوية ، كذلك مغايرة عن العادة والتكرار والإعادة.

3- الذاكرة والديمومة:

ما يلفت اليه برجسن النظر هو أن الذاكرة الخالصة لا تتشكل من المادة وإنما هي مستقلة تماما عن الآلية العصبية وتنتمي الى مجال الروح والديمومة والدافع الحيوي والشعور ومثلما يقول لايبنتز ” الذاكرة هي الفكر في حد ذاته من حيث يحيا ويدوم”. كما أن الذكرى لا يتم الاحتفاظ بها وتخزينها في الدماغ بل هي ماهية روحية محضة وتوجد في الفكر بوصفه غير منفصل في ماهيته عن الديمومة. وبما أن الفكر متماه مع الديمومة فإنه لاشيء ينتجه الفكر ويتحقق منه ويمكن أن يتعرض للتلاشى والضياع ويلفه النسيان بل كل ما فكر فيه الكائن البشري وشعر به وأراده منذ اليقظة الأولى للوعي يظل هناك وراء التاريخ البشري ويستمر الى ما لانهاية له.

بناء على ذلك الأمر الذي يمثل مشكلا فلسفيا في نظرية برجسن يمكن الإقرار بأن المعضلة لا تكمن في المحافظة على الذكرى بل في مولد النسيان، اذ كيف نفسر وقوع الانسان في نسيان ماضيه؟ لماذا يبتعد المرء عن الوعي بمجموع الماضي الذي عاشه بشكل فعلي ؟ ما الفرق بين الشعور والتذكر؟ و”إذا لم تكن الذكريات مختزنة في الدماغ، فأين هي تحفظ؟ …ولكن ما حاجة الذكريات إلى مخزن وماهي بالأشياء التي ترى وتلمس، بل كيف يمكن أن يكون لها مخزن؟”7[7]

غني عن البيان أن الشعور عند برجسن هو بالأساس وظيفة بيولوجية يتمثل هدفها في التكيف مع الفعل الحاضر وبالتالي لا يضيء الشعور سوى الذكريات التي تكون نافعة بشكل مباشر لخوض غمار الممارسة والفعل. وبالتالي” اذا كنتم تصرون على تصور مخزن تقيم فيه الذكريات قبلت ذلك شريطة أن يفهم بمعنى مجازي صرف وقلت في سذاجة أن الذكريات موجودة في الفكر…اننا ندرك وجود الشعور ادراكا مباشرا بديهيا… والروح هو الشعور. والشعور انما هو الذاكرة قبل كل شيء”8[8].

والحق أنه لكي يفعل الانسان في الحاضر لا يحتاج في شيء الى أن يكون واعيا بمجموع ماضيه، ووظيفة الجسم عامة والدماغ بالخصوص لا تتمثل في حفظ أحداث ماضية، وإنما تنحصر في تفعيل الذكريات وغربلة ما ينفع في الفعل. عن ذلك يترتب أن الذكرى المنسية هي غير النافعة والتي تبدو غير صالحة للاستعمال في مستوى الفعل الحاضر، وأن الدماغ وسيلة للاستفاقة الواعية. كما أن الحلم هو الذي يقوم بوظيفة حفظ الذكريات بشكل تام بينما فقدان الذاكرة يعود الى تعب ينتاب الدماغ فيصعب عليه ايقاظ الذكريات القابعة في قاع اللاوعي من سباتها وتجليتها على سطح الوعي. أما النسيان فيعود الى الارتباط بالمادة والوجود اللاوعي أو العدم9[9].

غاية المراد من نظرية هنري برجسن الفلسفية التطورية ” أن حياة الفكر هي التمركز حول الفعل الذي ينبغي تحقيقه، فهي اذن الاتصال بالأشياء بواسطة جهاز يستخلص من الشعور كل ما ينفع العمل ويلف بالظلام أكثر ما عدا ذلك. تلكم هي وظيفة الدماغ في عملية التذكر. انه لا يفيد في الاحتفاظ بالماضي ، بل باخفاء هذا الماضي أولا، وإظهار النافع منه في العمل بعد ذلك”10[10].

لكن ماهو دور الذاكرة؟ وكيف تتكون الذكرى حسب برجسن؟ وبماذا توحي ذكرى الحاضر؟ وهل يمكن تحليل جهد الذاكرة؟ وما الفرق بين الاستذكار المباشر والاستذكار الجاهد والإرادي؟

اذا كان الحلم هو حفظ للذكريات وانبعاث مشوش للماضي فإن دور الذاكرة هو تنظيم تلك الصور المبعثرة وتقديمها الى الشعور لكي يستحضرها ويقف العقل بعد ذلك على ادراكها في مجموعها. وبالتالي توجد ذكريات نائمة خارج الشعور وفي الأسفل وفي الأعماق المظلمة وتمثل مجمل الحياة الماضية ولا تتحرك إلا عند النوم حينما تحس بغياب الحواجز، أما ذكريات اليقظة فترتبط بالظروف التي يوجد فيها الإنسان وبتوجهاته والأعمال التي يقوم بها وتمثل الذكريات المصطفاة.

علاوة على ذلك يشير برجسن الى ظاهرة التعرف الكاذب ويربطها بالذكرى الوهمية التي تظهر حينما ينشغل المرء بالماضي على وجه العموم وتنتج عن اضطراب عارض وكسول وتوحيد بين الادراك الحالي والإدراك السابق وهبوط في الحياة النفسية وانقطاع بين الحياة العليا والحياة النفسية الدنيا وانفصال بين النفسي والعضوي ويميزها عن الذكرى الحقيقية التي تتكون بواسطة جهد تركيبي يقوم فيه الادراك بخلع مظهر الحلم والانتباه الى الواقع.حول هذا الموضوع يصرح: ” والواقع أننا حينما نتحدث عن ذكرياتنا فإنما نعني شيئا يملكه شعورنا، او يستطيع أن يسترده متى شاء…فالذكرى تردد بين الشعور واللاشعور والانتقال بين الحالين هو من شدة الاتصال…ان نشوء الذكرى ليس أبدا لاحقا على نشوء الادراك بل معاصر له. فأثناء ما يتكون الادراك تتكون ذكراه وتمشي معه جنبا الى جنب.”11[11] لكن هل تعتبر الذكرى حالة لاشعورية أم تبدل دماغي؟

من نافل القول بأن الذكرى تتكون أثناء الادراك نفسه وبأنها حالة شعورية نفسية تارة ولاشعورية في معظم الحيان ولكنها يتم انتخابها عن طريق الفكر في سبيل تحقيق أشياء نافعة أثناء العمل. في الواقع ” كلما أمعنا النظر تبين لنا أن الذكرى لن تنشأ أبدا اذا لم تنشأ اثناء الادراك ذاته. فإما أن لا يخلف الحاضر في الذاكرة أي أثر وإما أن نفترض أنه يتشعب في كل لحظة متى انبثق الى دفقتين متناظرتين، تهوي احداهما الى الماضي وتندفع الثانية الى المستقبل.”12[12] والفرق بين الذكرى والإدراك هو في الدرجة لا غير ، فذكرى الادراك إدراك، وإذا كانت الذكرى صورة ضعيفة من الشعور وحالة من غفوة الادراك فإن الادراك صورة قوية وينمو بصعود الذكريات. هكذا يرتبط تدفق الذكريات بوثبة الحياة التي تسري في تيار الشعور وتسمح للذكريات ببلوغ الادراك والتحرك في اتجاه المستقل والانتباه الى الحاضر أكثر مما تعد من أمور الماضي.

بناء على ذلك يميز برجسن بين الانتباه الحسي والتذكر الادراكي أو الشعور التذكري والجهد العقلي ويرى أن جهد التذكر هو عمل عقلي يمكن أن نجد له آثار في الانتباه الحسي والشعوري. وبالتالي إن ” الاستحضار الارادي لذكرى من الذكريات يكون باجتياز مستويات الشعور هذه واحدا بعد آخر في اتجاه معين”13[13]. فآلية الذاكرة ليست ذاكرة آلية تتنزل في اطار تصور تلقائي بما انها ذاكرة عاقلة وجهد التذكر هو جهد عقلي وبعبارة أخرى هو تذكر عاقل مرتبط بالإرادة والعمل. وإذا كان الاستظهار يقوم على الذاكرة البصرية والاستحضار يرتكز على تجميع ذكريات الماضي في اللحظة الراهنة فإن التذكر يقتضي وقتا أطول ويتطلب جهدا عقليا يتمثل في القدرة على الحفظ والتقريب والترتيب والفرز والهبوط بالذكريات من القمة الى القاعدة ومن المجرد الى المتعين وتوجيه الكثرة نحو الوحدة والمعاني والصور والكلمات نحو الغاية والهدف والمقصد. من هذا المنطلق يميز برجسون بين الذكريات الحسية والذكريات الحركية وبين الذاكرة البصرية المحضة والذاكرة العاقلة التي تعكس التعقد الداخلي والتصور التخطيطي والشعور بالغرابة. ويرى أن فعل الذاكرة يجمع بين الجهد والآلية وذلك لأن ماهية الجهد التذكري تعتمد بالأساس على نشر صور المخطط وتمييز عناصرها وعلى هبوط المخطط نحو الصورة والقيام بنزهة وتجول بين الصور قصد تبويبها والتمييز بينها. علاوة على” أن جهد التذكر يقوم على قلب تصور تصور تخطيطي، متداخل الأجزاء، الى تصور ذي صور توضع أجزاؤه بعضها الى جانب بعض”14[14]. كما يفرق بين الاستذكار الفوري وهو نوع من الفهم الاولي والتأويل الآلي والاستذكار الجاهد وهو فهم حقيقي وتأويل منتبه. ” ان العمل العقلي هو السير بتصور وحيد ، خلال مستويات شعورية مختلفة ، في اتجاه يمضي من المجرد الى العياني ومن المخطط الى الصورة.”15[15]

خاتمة:

غاية المراد من هذا التحليل البرجسني هو الاقرار بأن كل وعي هو ذاكرة ودوره هو الاحتفاظ بما لم يعد موجودا واستباق ما لم يوجد بعد، والذاكرة هي من الأنشطة النفسية العليا التي تؤكد اختراق العقل للمادة لا تختزل الى مجرد نشاط للدماغ لأن الحياة قوة روحية ووثبة حيوية مبدعة.

بيد أن الأطروحة البرجسنية تتفق كثيرا مع أطروحة ريبو حول الأمراض العصبية ونسيان الذاكرة وتتحرك ضمن مسلمة واقعية وتعاني من صعوبات وغموض في المجال الميتافيزيقي، اذ كيف يمكن للذاكرة ماهي فكر محض أن تستعمل آليات مادية في العصب الحيوي لكي تجعل من تحقيق الذكرى أمرا ممكنا؟ ومن يقبل بفرضية الحفظ التام للماضي في اللاوعي النفسي؟

زيادة على ذلك تم نقد النظرية البرجسنية من زاوية فنومينولوجية وخاصة عند موريس مرلوبونتي الذي تحرك على أرضية هوسرلية وبيّن أن الذكريات لا توجد في الوعي ولا تمثل شيئا قائم الذات بل الوعي نفسه هو الذي يُكَوِّنُ الذكريات بطرحه الماضي من حيث هو ماضي. وبالتالي لا يجوز لنا الحديث عن تخزين الذكريات لأن الأشياء فقط يمكن تخزينها وتثبيتها بما أن الذكرى هي حركة راهنة للوعي في الحاضر وحكم للفكر الذي يصل بعض الأحداث بالماضي16[16].

بيد أن فعل التذكر ليس تجربة فردية خالصة بل هو يتعلق بالضرورة بأطر جماعية مشتركة، كما ان الذكرى هي الحركة الحاضرة لإثارة حدث جماعي وقع في الماضي ، ولذلك تناول موريس هولبواش Halbwachs موضوع الذاكرة في اطار علاقتها بالمجتمع وركز على الاعتراف بحدث وقع في الماضي بالانطلاق من معايير اجتماعية وقبلات توجه مشتركة حاضرة . ولقد نصص على أن الذاكرة الجماعية هي الذاكرة الحقيقية لاختلاف الاعتراف عن العادة واقترابه من التموقع.17[17] بناء على ذلك يمثل التاريخ ذاكرة الوعي ويمنح شعبا معينا درجة وعي بالذات ويلعب بالنسبة إلى البشرية الدور الذي يؤديه العقل بالنسبة إلى الفرد بالتصدي للزمن ومقاومة النسيان وثبت الهوية. إذا كان التذكر حركة سردية وفق مطالب الجماعة فإن” الذاكرة هي إعادة بناء الماضي بواسطة الفاهمة”18 [18]. هكذا تتخطى الذاكرة الأصيلة حدود الصور التي تتشكل بالإحساس والتخيل وتعود في الأحلام وتتجاوز الأطر الضيقة للذكريات المعتادة التي تتكون بفعل التجربة وتصبح قاعدة للسرد. وفي هذا المقام يشير بيار جناتJanet إلى ارتباط الذاكرة بالضرورة الاجتماعية للسرد ويتمثل دور السرد في حراسة التقاليد والمحافظة على نفوذ التراث وسد الثغرات بين الأجيال وتدارك القطائع والانكسارات بين العصور وتكريس سلطة نواميس الآباء على المجموعة [19]. أن فعل التذكر ليس تجربة فردية خالصة بل هو يتعلق بالضرورة بأطر جماعية مشتركة، كما أن الذكرى هي الحركة الحاضرة لإثارة حدث جماعي وقع في الماضي ، ولذلك تناول موريس هولبواش Halbwachs موضوع الذاكرة في إطار علاقتها بالمجتمع وركز على الاعتراف بحدث وقع في الماضي بالانطلاق من معايير اجتماعية وقبلات توجه مشتركة حاضرة. ولقد نصص على أن الذاكرة الجماعية هي الذاكرة الحقيقية لاختلاف الاعتراف عن العادة واقترابه من التموقع.20[20] على هذا الأساس يمثل التاريخ ذاكرة الوعي ويمنح شعبا معينا درجة وعي بالذات ويلعب بالنسبة إلى البشرية الدور الذي يؤديه العقل بالنسبة الى الفرد بالتصدي للزمن ومقاومة النسيان وثبت الهوية. إذا كان التذكر حركة سردية وفق مطالب الجماعة فإن” الذاكرة هي إعادة بناء الماضي بواسطة الفاهمة”21 [21]. هكذا تتخطى الذاكرة الأصيلة حدود الصور التي تتشكل بالإحساس والتخيل وتعود في الأحلام وتتجاوز الأطر الضيقة للذكريات المعتادة التي تتكون بفعل التجربة وتصبح قاعدة للسرد.

في هذا المقام يشير بيار جنات إلى ارتباط الذاكرة بالضرورة الاجتماعية للسرد ويتمثل دور السرد في حراسة التقاليد والمحافظة على نفوذ التراث وسد الثغرات بين الأجيال وتدارك القطائع والانكسارات بين العصور وتكريس سلطة نواميس الآباء على المجموعة 22 [22]. فأي دور للظواهر الذاكرية في ثبت الهوية وحيازة مجموعة ثقافية معينة على تاريخ رسمي؟ وهل يمكن تصور هوية بلا ذاكرة وذاكرة لا تطرح لازمة الهوية؟

الإحالات والهوامش:

[1] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ، الأعمال الفلسفية الكاملة، ترجمة سامي الدروبي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971، ص.124.

[2] عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، دار مدبولي، القاهرة، الطبعة الثالثة، طبعة 2000.ص.366.

[3] امبرتو ايكو، من مداخلة له بعنوان “حول أنواع الذاكرة الأدبية والجغرافية” ألقيت بمكتبة الأسكندرية في نوفمبر سنة 2003 بالأنجليزية، نقلها الى العربية علي عبد الأمير صالح ونشرت بمجلة نزوى العمانية عدد74 بتاريخ 28 أفريل 2013. الرابط : http://www.nizwa.com/articles.php?id=4035

[4] Gusdorf Georges, Mémoire et personne, dialectique de la mémoire, t, II, édition PUF, Paris, 1950 p.400.

[5] Delay Jean, Maladies de la mémoire, édition PUF, Paris, 1949.p. 31.

[6] هنري برجسن،الطاقة الروحية، مصدر مذكور، ص.47.

[7] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.51.

[8] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.51.

[9] Bergson ( Henri ) , Matière et Mémoire, essai sur la relation du corps à l’esprit, 1939, édition PUF, Paris, 1965.282p.

[10] هنري برجسن،الطاقة الروحية، صص.52.53.

[11] هنري برجسن، الطاقة الروحية، ص.ص.118-119.

[12] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.120.

[13] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.142.

[14] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.153.

[15] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.161.

[16] Voir Merleau-Ponty ( Maurice ), phénoménologie de la perception, édition Gallimard, Paris, 1945.p.471.

[17] Voir Halbwachs ( Maurice ), les cadres sociaux de la mémoire, édition Alcan , Paris,1925.

[18] Voir Pradines ( Maurice ), Traité de psychologie générale, édition PUF, Paris, 1948.p.87.

[19] Voir Janet ( Pierre ) , l’évolution de la mémoire et la notion du temps, leçon au collège de France, 1927-1928. Edition l’Harmattan, Paris, 2006.

[20] Voir Halbwachs ( Maurice ), les cadres sociaux de la mémoire, édition Alcan , Paris,1925.

[21] Voir Pradines ( Maurice ), Traité de psychologie générale, édition PUF, Paris, 1948.p.87.

[22] Voir Janet ( Pierre ) , l’évolution de la mémoire et la notion du temps, leçon au collège de France, 1927-1928. Edition l’Harmattan, Paris, 2006.

المصادر والمراجع:

هنري برجسن،الطاقة الروحية، الأعمال الفلسفية الكاملة، ترجمة سامي الدروبي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971.

عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، دار مدبولي، القاهرة، الطبعة الثالثة، طبعة 2000

مجلة نزوى العمانية عدد74 بتاريخ 28 أفريل 2013. الرابط : http://www.nizwa.com/articles.php ?id=4035

Bergson ( Henri ) , Matière et Mémoire, essai sur la relation du corps à l’esprit, 1939, édition PUF, Paris, 1965.

Delay ( Jean ) , Maladies de la mémoire, édition PUF, Paris, 1949.

Gusdorf ( Georges ) , Mémoire et personne, dialectique de la mémoire, t, II, édition PUF, Paris, 1950.

Halbwachs ( Maurice ) , les cadres sociaux de la mémoire, édition Alcan , Paris,1925.

Janet ( Pierre ) , l’évolution de la mémoire et la notion du temps, leçon au collège de France, 1927-1928. Edition l’Harmattan, Paris, 2006.

Merleau-Ponty ( Maurice ), phénoménologie de la perception, édition Gallimard, Paris, 1945

كاتب فلسفي

[1] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ، الأعمال الفلسفية الكاملة، ترجمة سامي الدروبي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971، ص.124.

[2] عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، دار مدبولي، القاهرة، الطبعة الثالثة، طبعة 2000.ص.366.

[3] امبرتو ايكو، من مداخلة له بعنوان “حول أنواع الذاكرة الأدبية والجغرافية” ألقيت بمكتبة الأسكندرية في نوفمبر سنة 2003 بالأنجليزية، نقلها الى العربية علي عبد الأمير صالح ونشرت بمجلة نزوى العمانية عدد74 بتاريخ 28 أفريل 2013.

الرابط : http://www.nizwa.com/articles.php?id=4035

[4] Gusdorf Georges, Mémoire et personne, dialectique de la mémoire, t, II, édition PUF, Paris, 1950 p.400.

[5] Delay Jean, Maladies de la mémoire, édition PUF, Paris, 1949.p. 31.

[6] هنري برجسن،الطاقة الروحية، مصدر مذكور، ص.47.

[7] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.51.

[8] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.51.

[9] Bergson ( Henri ) , Matière et Mémoire, essai sur la relation du corps à l’esprit, 1939, édition PUF, Paris, 1965.282p.

[10] هنري برجسن،الطاقة الروحية، صص.52.53.

[11] هنري برجسن، الطاقة الروحية، ص.ص.118-119.

[12] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.120.

[13] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.142.

[14] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.153.

[15] هنري برجسن،الطاقة الروحية، ص.161.

[16] Voir Merleau-Ponty ( Maurice ), phénoménologie de la perception, édition Gallimard, Paris, 1945.p.471.

[17] Voir Halbwachs ( Maurice ), les cadres sociaux de la mémoire, édition Alcan , Paris,1925.

[18] Voir Pradines ( Maurice ), Traité de psychologie générale, édition PUF, Paris, 1948.p.87.

[19] Voir Janet ( Pierre ) , l’évolution de la mémoire et la notion du temps, leçon au collège de France, 1927-1928. Edition l’Harmattan, Paris, 2006.

[20] Voir Halbwachs ( Maurice ), les cadres sociaux de la mémoire, édition Alcan , Paris,1925.

[21] Voir Pradines ( Maurice ), Traité de psychologie générale, édition PUF, Paris, 1948.p.87.

[22] Voir Janet ( Pierre ) , l’évolution de la mémoire et la notion du temps, leçon au collège de France, 1927-1928. Edition l’Harmattan, Paris, 2006.

أحدث المقالات