(( من منا لا يتذكر تلك الأيام الخوالي الجميلة بمرها وحلاوتها وطيبتها وبساطتها التي كانت تسودها المحبة ونقاء السريرة والطيبة المفرطة وسهولة العيش ورتابة نمطها مصحوبة بجمال أسلوبها وقلة تعقيدات غزلها المعيشي وكم كانت جميلة بالرغم من شظف العيش وقلة المورد لأكثرنا إلا أنها تتميز بهدوئها الذي يُضفي عليها متعة الحياة وروعتها . لهذا انطبعت وترسخت في أذهان الأعم الأغلب ممن عاصرها وعاش إرهاصاتها وتمتع بها خصوصا مرحلة الطفولة والشباب البريئة فقد حفرت ذكرياتها وأيامها قناديل من نور على جدران القلب .
لكن مع الأسف هناك الكثير من الناس عندما لعبت الدنيا بين أيديهم وازدهرت وازدانت وضحكت وفتحت أذرعها لهم ماديا ومعنويا تنصلوا من أيامها وناسها ومجتمعهم وأداروا ظهورهم للغير وتنمروا على مجتمعهم وركنوا لخداع الدنيا المغرية التي لا يأمن المؤمن الحاذق والبصير من مكرها وسطوتها وابتسامتها المخادعة إذا ما أدبرت عنه بوجهها الكالح حيث ملئوا جيوبهم بالمال السحت الحرام وتسلقوا المناصب بغير وجه حق وتنكروا لأناسهم ونسوا ما كانوا عليه في بداية حياتهم كأن لهم آذان لا يسمعون بها صوت الحق ولا أعيين يرون فيها الباطل ولا ضمير يُشاركون فيه معانات غيرهم من الفقراء فأصبحت ذاكرتهم مثقوبة تُفرغ ما ترى وتسمع وما اختزنت من حقائق وذكريات بالأمس كانت بين أيديهم بل جحدوها بأقوالهم وأفعالهم وركنوا إلى مغريات الحياة وإلى خزائنهم ومناصبهم الزائلة لم يفهموا أن القيم والمبادئ الخلاقة هي السبيل الوحيد للسعادة والرفاهية والعيش الرغيد البعيد عن تعقيدات الحياة التي في يوم من الأيام أنت مودعها في صندوق ضيق من الخشب مسافرا به إلى رقادك بين الثرى لا أنيس ولا ونيس ولا مال ولا بنين ولا جاه سوى ما يُقال عنك من أفعال وأقوال وخيرا وشرا تُذكر فيه وتُذم )