18 ديسمبر، 2024 6:54 م

الذات المحبطة وغياب الرؤية النقدية ؟

الذات المحبطة وغياب الرؤية النقدية ؟

منذ أيام قلائل قرأت بالمصادفة ثمة مقالا منشورا في صحيفة الزمان الغراء جاء تحت عنوان ( القراءة بين إعتلاء المقروء و إنكفاء القارىء ) للدكتورة نادية هناوي سعدون المصادف ( الأثنين / 4 /يناير / 2016 ) ومما أثار استغرابي و سخريتي هو أنني كنت قد كتبت حول مباحث و فصول كتاب ( منازع التجريب في روايات جهاد مجيد ) و قد قلت فيه مجموعة مقولات تقويمية لعلها لا تستحق من هناوي كل هذا الحشد الانفعالي في ردها التحاملي و اللانقدي على شخصي تحديدا .. و من المفارقات التي شهدها مقال هناوي أنه كان يتسم بروح النرجسية و الشموخ و الثقة العمياء بالذات ناهيك عن ذلك الكبرياء الاكاديمي الذي ليس له من أثر ما في مساحة معالجاتها في طيات كراستها السحرية و العجائبية حول روايات الكاتب جهاد مجيد . فعلى سبيل المثال و الإيضاح تقول الدكتورة نادية في أحدى مواطن فقرات مقالها عني : ( و انطلاقا من وظائفية البنية العنوانية يفترض أن يكون القائم بعملية القراءة على دراية من استراتيجية القراءة ليكن واعيا إزاء طبيعة المقروء وقادرا على فك الشفرات ) في الحقيقة يتضح لي بأن طبيعة مباحث كراسة ( منازع التجريب ) ليست بحد ذاتها عملية جبارة في اطلاقية جل مفاهيمها المتحذلقة بأسماء المصادر التي استعانت بها هناوي لأكمال مشروعها المتعثر حول روايات كاتبا سرديا لا يستحق حتى مجرد الوقفة القرائية لأعماله الغير ملفته ابداعيا . كما أن فكرة و مفهوم التجريب أصبحت من الخواء و القدم و التآكل و الاستهلاك مما جعلنا كقراء لا نتحدث بها أصلا و ليس أن ننشأ مشروعا نقديا تحت لوائها المعتق في القدم . أما بخصوص شفراتك ؟ الاكاديمية المزوقة التي طالما تتحدثين عنها و بعلو لست أهلا له فأنا شخصيا لا أجد من خلالها سوى محض حالات فشل إدارتك القرائية ــ الإجرائية ــ للروايات ذاتها و هذا الأمر لا يحده رأيي الشخصي وحده بل هناك عدد من النقاد والأدباء من يشاركني إياه و لربما حتى جهاد مجيد نفسه .
أما بخصوص كلمة ( حاضنة ) التي أصبحت نشيدك

الأوحد في تصيد ثغراتي ، فما كانت هذه ببساطة سوى

هفوة طباعية لا غير لم أكن متنبه لها خاصة و أني لم

أقم بمراجعة المقال بعد طبعه و هذا ذنبي الكبير . و مما

أثار استغرابي أيضا هو قول هناوي مثل هكذا كلام :

( هذا جانب و من جانب آخر ذي صلة بالدقة النقدية يتمثل

في مشاعية أستعمال العبارات بأعتباطية و فوضوية تنم

عن عدم قصدية في التعامل معها ) ليس هناك في كل

كتاباتي ما تسميه بالفوضوية و عدم الدقة أو الأعتباطية

بل من الأولى بك مراجعة فصول قراءاتك لروايات جهاد

مجيد حيث الأختباء خلف المسميات و أصوات الإحالات

المصدرية التي لم تحسني حتى توظيفها بالشكل اللائق ..

على أية حال أنا لم أكن أود بالرد على مقالك لولا إلحاح

و ضغوط بعض من الأصدقاء النقاد و الأدباء في مدينة بغداد

و البصرة ، لاسيما وهم ممن قرأ مباحث كراستك العبقرية

( منازع التهريج ؟ ) بالمناسبة أود القول لك و بشكل مباشر

ودون أدنى مراوغة ما : أن الخطاب النقدي لا يتشكل من

وظائفه فحسب ، ولكنه يتجاوزها الى نطاق فعاليته و

مسؤوليته إزاء نفسه . فمن المؤسف جدا و نحن نقرأ منازع

التجريب لم نجد رؤية الناقد الإجرائية السليمة و الأمينة التي

من شأنها فرز وظائفها التطبيقية و بالطريقة التي تجعل

قارئها يتوصل الى دلالات إيجابية و فهمية في مقتربات أفقها

الموضوعي الناتج عن رؤية الناقد و معرفيته و دليله

المفهومي لمحتويات تلك النصوص و ما تعنيه بالضبط من

أوجه تعليلية و تأويلية جادة . بل أننا في منازع

( تجريبيتك !! ) لم نجد سوى لغة تعليمية وكأنها شروحية

تلقى داخل فضاء صفوف الجامعة .. لغة تتعكز في كل

مقرراتها و تمفصلاتها و تأملاتها لدلالات النصوص على

أساس من توفر حالة تصعيدية خاصة للمقروء على أنماط

من المد الرؤيوي الاكاديمي الفاتر حصرا . فالتسكع الفارغ

و قضاء الوقت بلا طائل هو ما يخص صفحات منازع

تهريجك التجريبي في روايات المسكين جهاد مجيد . أما

بخصوص رد مقالك فهو الآخر محض أرهاصات ذاتية

محبطة في ازدواجيتها المتشبثة بمسمى و هوية (الناقد) .

و في صدد هذا المقام يحضرني كلام نقدي كبير للناقد

الدكتور المبدع صبري حافظ حيث يقول فيه : ( الوظيفة

النقدية للوهلة الأولى و كأنها محض متابعة أو حتى لهاث

نقدي وراء الأعمال الفنية الجيدة فأن جانبها الآخر وهو

الكشف عن عوامل الضعف و التهافت في الأعمال الهابطة

قد ينفي عن النقد فكرة التبعية و يؤسس في ساحته قيمة هامة

وهي المعيارية .. فالنقد معيار أي ميزان حساس ذو ضمير

حي متيقظ أبدا و الحياة الأدبية التي لا ينهض فيها النقد

بأدواره المتعددة تلك هي حياة بلا ضمير تتفشى فيها

الأمراض و تتفاقم فيها المشكلات و تتأرجح بين الوقوع في

وهاد الجمود أو التخبط في أحابيل الميوعة الفكرية ولكنها

لا تتحقق أمكانياتها الكاملة أبدا دون الأطلاع بكل وظائفه

المتعددة .. صبري حافظ / كتاب أفق الخطاب النقدي )

و في مكان آخر من مساحة فقرات مقال الكاتبة تشيد بهذا

القول المستفهم : ( و قد يسأل سائل ماذا عن وظائفية النقد

القيمية أو الحكمية من قبيل تصيد الهفوات و تبني الأدعاءات

فأقول أنها وكما يعرف النقاد المنهجيون ما عادت تقر بها

المدارس النقدية المغايرة في رؤاها ) هذا ما قالته الكاتبة

نادية هناوي و ذلك ما قاله الدكتور صبري حافظ من جملة

الأراء إلا أنني مع نفسي أتساءل و أقول للكاتبة العبقرية

هناوي سعدون !! : فماذا هو النقد برأيك يا جوليا هناوي

كريستيفا !! هل هو درسا في صفوف طلاب الجامعة ؟ أم

هو أحتفالية لشرب الشاي مع شلة من أساتذة الأكاديمية ؟

أم هو رحلة القراءة المنهجية الفارغة ؟ أم لعله مجموعة

مصطلحات و خطابات مفبركة كحال ما قرأناه في روايات

جهاد مجيد هذه الدراسات التي ليس لها من رائحة ولا لون

ولا طعم مجرد أطروحة جامعية متحذلقة بلغات المناهج التي

وإن غابت فلا تعد و إن حضرت فلا تحصى ؟.لعل المرحلة

العمرية التي عليها السيدة الكاتبة قد أثقلتها بوهن أختلاط

الألوان و الأسماء و المدركات و الرؤى وصولا الى مرحلة

التقاعد و الأنفصال التام عن خطية معارف و هويات لغة

النقد و مداليله المعيارية الجادة . و بأختصار شديد أكرر ما

قلته سابقا في دراسة مقالي بأن مباحث و فصول منازع

التجريب ما هي إلا مقولات منهجية مستوردة من هنا وهناك

فيما أخفقت الدكتورة نادية في توفير مساحة ملائمة

موضوعيا في طرحها لمواقف وحالات و شخوص الروايات

بطريقة متوازية مع مقولات مصادرها . أن القارىء الذي

تبحث عنه الدكتورة لمنازع تجريبها هو قارىء فوق العادي

و دون مستوى القراءة النقدية التي تدعيها هناوي في أكثر

من مكان لفقرات مقالها .. للأسف الشديد هذه الباحثة لربما

واهمة كبيرة عندما تتصور بأن مفازات مباحثها تتعدى

حدود فهمي الخاص لها .. بل العكس تماما مما تعتقد فأنا

لست ممن يطعن في كمالات النصوص إن كانت متكاملة .

ولكن من المخيب هو أنني لم أجد في مباحثها سوى نكهة

من لغة المحاضرات الجامعية و ليس متانة رؤية الناقد

الحقيقي الذي يوازن بين جانب التنظير و التطبيق و حتى ما

قرأته من تطبيقات في مباحث كتابها فلن تفي بمساحة

الإجراء القرائي الجاد للنص الروائي : أيها القارىء الكريم

فأنا شخصيا لم يتسنى لي معرفة شخص هذه السيدة الكاتبة

في أي يوم من الأيام بل وحتى لم يتسنى لي معرفة أسمها

إطلاقا في الأوساط النخبوية لهيئة اتحاد الأدباء و الكتاب

في العراق إذ كانت قراءتي لمباحثها و الكتابة عنها كممارسة

اعتيادية كباقي ممن كتبت عنهم من الأدباء و الشعراء و

النقاد ، إذ كانت كتابتي حول مباحث كتابها لا تتعدى نطاق

القراءة و الكتابة و وجهة النظر التقويمية العادلة . و لكن

للأسف عندما قرأت مقالها المكتوب عني وجدتها أنسانة

غارقة بأحلام القارىء المثالي الخارق ، بل أنها تتصور

لنفسها حجما مرعبا من الأهمية و الكبر المفهومي الزائف

و الخادع . بل لم تكن على دراية تامة بأنها و مع حجم

مباحثها التي لا تفارقها المصادر و الإحالات و المقولات

المستوردة لا يمكنها كتابة مجموعة سطور من زمن دراسة

مقالية قصيرة دون الأستعانة بخلفية كبيرة من المصادر . و

ختاما أقول مؤكدا بأن تجربة مباحث منازع التجريب ما هي

إلا صنيع الأصوات المصدرية ومع عوالم الكاتبة ذاتها

لأنها بأختصار شديد جاءتنا دون تخصيص دقيق في الرؤية

و التصنيف النقدي بل أن ما قرأناه من فروع و عنوانات

مباحثها ما مر علينا كثيرا في مؤلفات نقدية عديدة في

الاوساط الاكاديمية الباردة في الرؤية و الممارسة و التأويل

و المثاقفة .