22 ديسمبر، 2024 8:48 م

الذئب على الباب مجددا

الذئب على الباب مجددا

( في 18 آب / أغسطس من العام الماضي حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما العراقيين على المسارعة في تشكيل حكومة تضم جميع المكونات واظهار الوحدة في مواجهة المتشددين الاسلاميين محذرا من ان “الذئب على الباب” وان الضربات الجوية الأمريكية لايمكنها أن تنجر الكثير) بعد 9 أشهر من هذا التحذير والدعوة يبدو ان الذئب قد عاد مجددا يطرق الأبواب بعد أن ظن الجميع انه تم احتواء خطره وأبعاد شره حيث تمكن مقاتلوا تنظيم داعش من تعويض خسارتهم لتكريت بتوسيع رقعة سيطرتهم على الجغرافية السنية في العراق وسوريا باستيلائهم على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية وهو مامثل ضربة مهينة للاستراتيجية الأميركية في الحرب على الارهاب ومصدر قلق لايران و انتكاسة لجهود الحكومتين العراقية والسورية في قتال التنظيم فاتحا الباب واسعا لسيناريوهات عديدة في هذه الحرب والتي لايبدو ان لها نهاية قريبة .

فرغم مرور 8 أشهر على بدء ضربات التحالف الجوي ضد معاقل داعش (3700 غارة جوية منذ الصيف الماضي) وتمكنها من حسم معارك حاسمة ضد التنظيم مثل معركتي تكريت وكوباني الا انها لم تكن فاعلة تماما بطريقة تحد من قدراته والذي أتقن مقاتلوه فنون التخفي لتجنب وقوع خسائر كبيرة نتيجة الضربات الجوية لتكون النتيجة مواصلة تمدده في الأراضي العراقية والسورية .

عراقيا أثبتت معركة الرمادي بأن العامل العشائري يلعب دورا هاما في انتصارات التنظيم المتطرف وان اختراقه الأساسي للمناطق السنية يأتي من خلال مقاتليه الشباب المنتمين لكافة عشائرها رغم المعارضة العشائرية الهائلة له خصوصا في الأنبار وهو الذي أجاد دوما استغلال الخصومات العشائرية لمصلحته في العراق وسوريا على حدا سواء ، كما بدا واضحا للعيان ان مجرد تغيير القيادات العسكرية لايعني مطلقا ان اعادة بناء الجيش تسير في الأتجاه الصحيح فقد أنسحب جنود الجيش العراقي ومعهم مقاتلي قوات النخبة انسحابا عشوائيا تمكنت

داعش على أثره من احتلال الرمادي والسيطرة على كميات ضخمة من السلاح والعتاد يكفي لتجهيز فرقة كاملة في تكرار لسيناريو نكسة الموصل قبل عام مماعزز من قناعة سائدة لدى غالبية العراقيين مفادها عدم قدرة الجيش الذي يعج بالضباط الفاسدين والجنود الفضائيين على اداء واجباته القتالية وحماية الوطن من خطر الارهاب لتتلاشى نهائيا ثقة رجل الشارع العادي بالأجهزة الأمنية عموما ، وللانصاف نود القول بأن ماتعرض له الجيش العراقي الجديد لم يكن له مثيل فقد أعيد بناء هذه المؤسسة العسكرية على أسس خاطئة وأخضعت للمحاصصة الطائفية والعرقية والتي أسفرت بدورها عن تواجد العديد من القيادات والضباط الفاسدين والغير مهنيين في طلائعها ومن نافلة القول استحالة اعادة هيكلة الجيش وتنظيم صفوفه من جديد في زمن الحرب ناهيك عن عدم وجود ارادة سياسية صادقة لدى مختلف القوى السياسية العراقية للعمل على بناء جيش عراقي وطني ومهني يكون عنوانا لدولة المواطنة لما يمثله ذلك من تهديد لسلطة الأحزاب المتربعة على سدة السلطة في الوقت الذي تتقاعس فيه الولايات المتحدة عن تسليح هذا الجيش بالشكل الصحيح رغم ابرام الصفقات المدفوعة الثمن مسبقا لعلمها المسبق بعدم وجود مؤسسة حكومية خالية من الفساد في العراق و ليتسنى لها استمرار حالة الضعف والتشظي وهو مايسهل عليها ادارة ملف هذا البلد وفقا لما تقتضيه مصالحها .

لقد أعادت هزيمة الرمادي طرح موضوع شائك وهو تسليح العشائر السنية وهو الأمر الذي تتردد فيه حكومة بغداد نتيجة تجارب فاشلة سابقة وصل السلاح الحكومي المقدم للصحوات من خلالها للمقاتلين المتطرفين بين ليلة وضحاها !!! أما ما يخص التصريحات المثيرة للسخرية والتي صدرت عن سياسيي وشيوخ فنادق عمان وأربيل والمتحدثة عن وجود مؤامرة حكومية متعمدة لعدم تسليح العشائر لتسهيل سقوط الرمادي بيد داعش ومن ثم ادخال الحشد الشعبي عنوة اليها فلايرد عليها سوى بجملة بسيطة هي (هل يعقل أن تتأمر الحكومة الأتحادية على اسقاط الرمادي لتعرض العاصمة ومقر حكمها بغداد وكربلاء للتهديد المباشر بالاجتياح من قبل داعش وتؤجل بذلك معركة تحرير الموصل لأجل غير مسمى لمجرد النكاية بأهل الانبار !!! ) ، ثغرة التسليح هذه كانت مناسبة لدخول الامريكان على الخط بتشريع الكونغرس لقانون يجيز للولايات المتحدة تسليح السنة والأكراد بمعزل عن الحكومة العراقية ان لم تقم الأخيرة بتوزيع عادل للسلاح بين كافة المكونات رغم ان عملية تزويد العشائر السنية – تحديدا- بالسلاح وتدريبها عليه بحد ذاتها لن تكون سهلة ومقلقة حتى للأميركيين من امكانية وصول السلاح لجهة خاطئة وهو نفس السبب الذي منع واشنطن من تزويد المعارضة السورية بالسلاح لكن لاخيار لواشنطن سوى ذلك وهو مايجب أن تدركه بغداد أيضا فالسلاح سيصل لتلك العشائر بكل الأحوال ومن الأفضل أن يمر من خلالها لا أن يفرض الأمر عليها ، ونتيجة لكل ماسبق عادت قوات الحشد الشعبي (الخصم العقائدي لداعش) لتطرح نفسها وبقوة كورقة اخيرة لجأت اليها حكومة بغداد لايقاف تمدد المتطرفين وانتزاع الرمادي منهم مستغلة عدم وجود صلات عائلية بين الطرفين يمكن أن تشكل نقطة ضعف كماهو الحال عند العشائر المحلية في الأنبار وتمرسها بحروب العصابات وتسليحها الجيد ، غير ان مايجب على قادة الحشد ادراكه جيدا هو عدم الأنجرار لحرب استنزاف طويلة في الأنبار (تريدها الولايات المتحدة

لانهاك الطرفين) وقد تستغلها داعش في محاولة التفاف للوصول الى كربلاء والنجف عبر الصحراء بعدما تبين بأن الرمادي لم تكن سوى وسيلة للوصول للغاية النهائية والمتمثلة ببغداد والمدن الشيعية المقدسة في الجنوب كما يواجه الحشد تحدي أخر متمثل بقدرته على التحكم بعناصره الغير منضبطة والتي تسيء بتصرفاتها لسمعته وتهين تضحيات أفراده وتقدم لداعش خدمات مجانية .

في سوريا لايبدو النظام الحاكم بأفضل أحواله حيث تعرض لهزات عنيفة لم يحول نصره الغير محسوم في القلمون دون وقوعها ابتداءا بقصف جيش الاسلام لدمشق برشقات صاروخية متفرقة ومرورا بسيطرة قوات جبهة النصرة وجيش الفتح وفصائل اسلامية على كامل محافظة أدلب بعد استيلائهم على معسكر المسطومة أخر قلاع النظام المحصنة فيها وقبلها مدينة بصرى الشام في درعا بدعم سعودي قطري تركي مكثف وانتهاءا بسيطرة تنظيم داعش على معبر التنف الحدودي مع العراق و مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي والتي تكمن أهميتها الاستراتيجية في كونها همزة وصل بين الشرق والغرب وهو مايمهد الطريق نحو حمص غربا والعاصمة دمشق جنوبا والتي أستبقها عناصر داعش بالسيطرة على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبها ، دون أن نغفل عن سيطرة داعش على كامل الأنتاج السوري من النفط والغاز بأستكماله لسيطرته على المدينة الأثرية وهو مايمنحه سببا أخرا للقوة .

هذه التطورات الأخيرة توجب على كافة الأطراف القيام باعادة حساباتها وهو مابدأه الامريكيين فعلا باعادة النظر في استراتيجيتهم العقيمة في مواجهة التنظيم والتي قامت على أساس تكثيف الغارات الجوية وتدريب وتسليح الجيش العراقي والمعارضة السورية “المعتدلة” وقد يبدو خيار انزال قوات برية واردا وبشدة خصوصا اذا ماوصلت داعش لأطراف بغداد مع أستمرار تخبطهم في الملف السوري حول الأولوية بين اسقاط النظام أو محاربة الارهاب وهو ماسيتم بحثه بشكل تفصيلي في مؤتمر باريس القادم والراجح ان واشنطن ستضطر في المرحلة الراهنة لاجراء تفاهمات مع ايران (والتي قد تضطر للتدخل برا هي الأخرى اذا ساءت الأمورحيث سارعت لارسال وزير دفاعها لبغداد للاطلاع على تفاصيل ماجرى في الرمادي) وتمثل ذلك مبدئيا بقبولها مشاركة قوات الحشد الشعبي في معارك الرمادي شريطة اخضاعها بالكامل للحكومة العراقية وتوسيعها لتشمل كافة المكونات العراقية بعدما تيقن للمستشارين الأمريكيين ان الأعتماد على الجيش وحده مخاطرة كبيرة في ظل وضعيته المزرية الحالية ، أما ايران فتبدو هي الأخرى في موقف لاتحسد عليه مع أقتراب موعد اتفاقها النووي الشامل مع الغرب ولا خيار لديها سوى استمرار دعم حلفائها في بغداد ودمشق حتى النهاية مع ابداء مرونة لازمة في الملف العراقي واحتمالية القبول بالتقسيم فيي الملف السوري لضمان قيام دويلة علوية تكون بمنأى عن التمرد السني المسلح المشتعل هناك ، في الوقت ذاته لاتملك بغداد الكثير من الخيارات للخروج من مأزقها الراهن غير المراهنة على استمرار الدعم الأمريكي والايراني والأعتماد على قوات الحشد الشعبي وتسليح العشائر مع محاولة تنويع مصادر ذلك التسليح ومن هنا شد رئيس الوزراء العراقي رحاله نحو موسكو في خطوة ذكية

ومتأخرة طلبا للسلاح ورغبة في التخلص من الابتزاز الأمريكي وسرعان ما بدأت الزيارة تؤتي اؤكلها بوعود روسية بالتسليح ومحاولة أمريكية عاجلة لتدارك الوضع بتزويد العراق بدفعة من الصواريخ المضادة للدروع مطلع يونيو / حزيران القادم مع الاقرار بأن مشكلة العراق الحقيقية لاتكمن بالسلاح بقدر ماهي في اليد التي تحمل السلاح وهو مايجعل المجتمع الدولي مترددا بهذا الخصوص ، الأيام القادمة ستكون صعبة على الجميع وبحاجة لتكاتف حقيقي للخروج من هذا الوضع المحرج ومستقبل العراق وسوريا تحديدا أصبح مجهولا ومخيفا ومفتوحا على كل الاحتمالات.