17 نوفمبر، 2024 3:34 م
Search
Close this search box.

الدّعوة و آلقدرة على آلمراجعة ألمُستمرة

الدّعوة و آلقدرة على آلمراجعة ألمُستمرة

علّقت على موضوع كتبهُ السيد نوري المالكي و هو يشير إلى قدرة حزب آلدّعوة و الدّعاة على المراجعة و إستدراك الأخطاء و تعديلها بشكلٍ مستمر في كلّ الظروف من دون أثر يذكر, مادحاً بآلضمن مع التعصب نهج حزب الدّعوة و متبنياتها العقائديّة, و لذلك رأيت من الواجب بيان الحقيقة له و للآخرين بتعليق هام على دعوته بآلقول: أخي ألسّيد نوري المالكي: إنّ السّبب في أخطاء و إرباك الدّعوة و الدّعاة لم يبدء بعد سقوط النظام كما أشرت في مقالك, و إنما الأرباك رافقهم منذ سبعينات القرن الماضي و حتى قبل ذلك, حتى بَرَزَ أكثرها على آلسطح بشكلٍ واضحٍ خصوصاً بعد حدوث (الثورة الأسلامية) و ما رافقتها من إنشقاقات و إنحرافات كبيرة و ولاآت متعددة و منها على سبيل المثال الأرباك الذي حصل بشأن شكل الهيكل التنظيمي و موقع قيادة الدعوة و علاقته بالمجلس الفقهائي و (ولاية الفقيه) و الموقف من قرارات الدولة الاسلامية و كذلك (قرار الحذف) المهين بحقّ فقيه الدعوة أنذاك السيد كاظم الحائري حفظه الله!

إنّ السبب في كلّ ذلك هو النّقص الكبير و آلضعف الشديد و المبين في تشوه و سطحيّة الأسس و المتبنيات الفكرية في الدعوة نفسها لعدم قدرتها حتى على قراءة واقع المسلمين و خصوصيات التحرك الأسلامي لوجود آلفراغات الكبيرة التي لم تُملأ و المفاهيم و التفسيرات السطحية الغير الواضحة ,و لم تُعالج لحدّ هذه اللحظة رغم مرور أكثر من نصف قرن على تأسيسه و عمله, لهذا إستمر تكرار المواقف, و البيانات ألخاطئة و لهذا كانت الأرباكات متلازمة مع مسيرة الدّعوة بسبب تباين مواقف الدّعاة من الأحداث حتى بعد سقوط الصنم و إستلام الدُّعاة للحكم من الذين أكثرهم لم يُدركوا و لم يستوعبوا حتى فلسفة (حزب الدعوة) و الهدف من تأسيسه بسبب بُعدهم وعدم إطلاعهم حتى على النشرات التي أصدرها الدّعاة يوم كانت الدّعوة تمرّ بأحرج الظروف خلال الستينات و السّبعينات كحسين معن جلوغان و نوري طعمة و غيرهم من المثقفين من دعاة الأمس يتقدّمهم رؤية الشهيد الفيلسوف الصدر الأول من قضية التنظيم و الدعوة و الولاية التي إعتبرها أصل الأصول في هيكليّة و مصير الحزب و كما تبيّن من خلال وصيته المركزية التي تركها للأسف لكن معظم الدّعاة و بسبب جهلهم و عدم دركهم لأهمية و مكانة الولاية كعمود فقري في مسيرة الدعوة سببت الكثير من الأنحرافات و المشاكل و عدم ثبات اكثر الدّعاة على النهج الأمثل الذي بيّنه الأمام الفيلسوف الصدر!

و من آلنتائج ألمؤلمة بسبب هذا الواقع المرير؛ هو ما شهدناه بعد 2003م, حيث إختصر الدعاة فلسفة الحزب بآلرواتب المليونية و المخصصات و الحمايات و النثريات و شراء القصور و الفلل و ملأ جيوب ذويهم بآلمال الحرام للأسف .. بمعنى أنّ الداعية لم يفهم أبسط مبادئ الأسلام و السياسة في نهج أهل البيت(ع), و بذلك قدّم الدّعاة ألذين – كانوا أمل الأمّة – أسوء صورة عن الأسلام و المبادئ و القيم و الشهداء الذين ضحوا من أجل العدالة .. و العدالة فقط في الحقوق و الرّواتب و الخدمات في حال إستلام السلطة .. بدل الظلم و الطبقية و الأجحاف بحقّ الفقراء من قبل الأنظمة الوضعية الظالمة.

بل رأينا (دعاة اليوم) قبل هذا أثناء لجوئهم لدولة الأسلام و إنفتاح الأجواء و الأمكانات امامهم و حصولهم على الحرية المطلقة في كنف الولاية وغيرها من الدول؛ إلاّ أنهم لم يُقدّموا شيئا لا للأسلام و لا للمسلمين كما غيرهم من الحركات و الأحزاب السياسية, حتى إنهم لم يُصدروا نشرة مركزية ثقافية غنية واحدة لتقويم مسيرة الدعوة و الدُّعاة, و كانت جلّ النشرات مجرّد تقارير عن وصف الوائع و كأنها نشرات إعلامية و ليست حزبية و إستمرّت هذه الحالة المتدنية من الثقافة لحدّ هذه اللحظة خصوصا بعد إبتلائهم بمفاسد آلسلطة و صراعهم على المناصب و الدنيا والدولار, لذلك فقدوا توازنهم و إرتكب بعضهم المظالم الكبيرة بتعاونهم مع الدواعش لضرب المؤمنين و لذلك إنتشر الفساد و صارت مهنة لكل الفاسدين المتحاصصين الذين فتحوا على الدّعوة أبواب الشبهات و القذف و الرفض و الفشل و حتى العمالة!

إن المحنة الأكبر و الأرباك الأخطر الذي إبتلى به الدّعوة و آلدّعاة؛ كانت بعد إستلامهم لزمام الحكومة العراقية و ما رافقتها من ظواهر سلبية و إنتشار الفساد الذي شمل جميع مرافق الدولة و على كلّ الصعد بسبب بعض القيادات الغير كفوءة و الأنتهازية التي ظهرت فجأة في هرم الدعوة بآلأضافة إلى فساد المتحاصصين الآخرين, فأفقدتها و أفقدتهم تلك المواقف الكثير من القواعد الشعبية التي كانت تقدس و تؤيد الدعوة و الدّعاة للأسف الشديد حيث إنقلبت نظرة الناس الأيجابية إلى نظرة سلبية مقيتة, بعد ما كانوا يحترمون كلّ رموزها بثقة عمياء عالية بسبب التأريخ الطويل العريض الذي لوّنه شهداء الدّعوة العظام بدمهم و مسيرتهم و إخلاصهم للحقّ و العدالة التي تشوهت إلى حدٍّ بعيد على يد (دعاة اليوم) ألأميين فكرياً بعد إستلامهم للحكم .. بجانب الأنشقاق الكبير الذي كان سبّبه هفوات و مواقف السيد الجعفري و السيد العبادي و من يحيط بهم من اللذين قضوا أكثر عمرهم على أعتاب الأنكليز و آخرين ممّن حولهم من أجل المال و السلطة و شراء القصور في لندن و دول الجوار للأسف .. بعيداً عن القيم و الأهداف السماوية الكبرى التي نَظَّرَ لها الصدر كما السيد الحائري من بعد, حيث أحدثوا شروخاً و جروحاً قوية شطرت الدّعوة إلى فرق و مسارات و ولاآت مختلفة و أضعفت موقفها السياسي و الأجتماعي و العقائدي و مكانتها في قلوب الشعب العراقي داخلياً و لدى الدّول و الحكومات خارجياً!

لذلك .. على الدّعاة أن يعرفوا و يدركوا جيّداً؛ بأنّ هناك زلّات و هفوات و أخطاء سطحيّة و شكليّة و آنيّة عادّية تتعلّق أكثرها بآلطرق و الأساليب المُستخدمة لعلاج أو تحقيق القضايا و المواقف و المنعطفات الثانوية و الفرعية التي تواجه الدعوة المحفوفة بالدّعاة كما أيّ حزب, و تلك مسألة عاديّة في كل المنظمات و الأحزاب و الحركات و حتى الحكومات, لكنّ هناك أخطاء جوهريّة و ستراتيجيّة مصيريّة و ذات أبعاد مركزية لها تبعات خطيرة, و لا تمر بسهولة من دون ترك الخسائر العظيمة .. و التي قد تشمل وجود و أركان و قيم كل الحزب!

لذلك لا بُدّ من إعادة صياغة فكر و متبنيات و ثقافة (الدّعوة) من الأساس لأنّ الخلل فيه بنيوي و ليس شكلي, خصوصاً البنى الفكرية و المنهية و الولائية العقائدية و الأخلاقية, والأهداف الستراتيجية .. فهناك عيوب و فراغات كبيرة رافقت مسيرة الدّعوة من بداية تأسيسها و للآن و من دون حلّ وقد أشرت لها في بداية ثمانينات القرن الماضي و بآلادلة و الأرقام, لكنّ مع آلأسف البعض في قيادة الدعوة و بسبب التحجر العقلي و الأميّة الفكريّة لم يستوعبوها بدقة و وعي بل إعتبروها تجاوزاً على متبنيات الحزب المتناقضة و تمّ أنذاري و حتى تهديدي بغباء كغباء البعثيين, و لهذا حدث ما حدث من مآسي و تشتت و فرقة و إنشقاقات عظيمة و إنحرافات و خسائر فادحة وصلت حدّ (التعرّب بعد الهجرة) و هي من أكبر الكبائر و العياذ بآلله في عقيدة الأسلام قبل 2003م و بعدها حدّث و لا حرج كما أسلفنا, بينما المؤمن الحقيقي لا يخطأ و لا يعتذر كما تؤكد النصوص ذلك بعكس المنافق الذي يخطأ كثيرا ًو يعتذر.

و هناك أسباب أخرى فصّلناها في مباحثنا المتعددة, سبّبت الكثير من الخسائر في الأمّة و الدمار في الوطن, بعنوان: [ الصدر و دعاة اليوم], و كذلك : [ألسياسة و الأخلاق؛ من يحكم من], و [محنة الفكر الأنساني] و غيرها من البحوث الهامة ذات العلاقة و التي كتبناها بآلدم و الدموع فيرجى مراجعتها للوقوف على تلك الحقائق و المنعطفات التي مرّت بها الدعوة و إرتبكت بشدّة في أكثرها من دون التقدم و الأبداع , بل و حدوث العكس من ذلك للأسف, و رغم جفائكم سأبقي بالدّعاء لكم وفيآ.. فأنتم أحبتي مادمت حيآ .. و أدعو الله في سري و جهري .. جنان الخلد ندخلها سويآو لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.

أحدث المقالات