23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

الديون والقروض وخراب البلاد والعباد

الديون والقروض وخراب البلاد والعباد

تعرض القنوات الفضائية المتنوعة بين الحين والآخر لقاءات وتصريحات مع القائمين عن الوضع المالي في العراق ويظهر فيها المسؤولون من أصحاب المناصب والمستشارين المعروفين بانجازاتهم الكثيرة ، وبغض النظر عن الأخطاء الشائعة التي ترد في أحاديث البعض بخصوص التمييز بين النتائج والأسباب أو المعالجات الاقتصادية والمالية والنقدية التي يتم الخلط بينها في اغلب الأحيان ، إلا إنهم يعلنون موقفا رسميا يشكل قاسما مشتركا للحلول التي يتبناها العراق لمواجهة عجز الإيرادات وتتلخص بثلاثة أسبقيات ، الأولى هي الاقتراض من المنظمات الدولية وبعض الدول بفوائد ميسرة وآجال متوسطة أو طويلة ومنها صندوق النقد الدولي ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وكائن من كان ، وثانيها الاعتماد على البنك المركزي العراقي لإصدار حوالات الخزينة والاقتراض من احتياطي الدولار لحين التعويض من إيرادات النفط عند ورودها بإذن الله وبشكل أوصل الاحتياطيات الوطنية إلى 53 مليار دولار أو اقل بعد أن كانت 79 مليار قبل سنتين ، أما الأسبقية الثالثة فهي زيادة الرسوم والضرائب والتعرفة الكمركية وتقليل رواتب الموظفين لتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات كما يسمونها ، وفي أحاديثهم المعبر عنها بالأرقام يذكرون إن أسباب العجز في الإيرادات تعود إلى انخفاض قيمة صادرات النفط وأسعارها ووجوب دفع مستحقات شركات جولات التراخيص ونفقات الحرب على داعش التي تصل إلى 20% من مجمل المصروفات ، والالتزامات بخصوص دفع رواتب الموظفين التي تصل إلى أربعة مليارات دولار شهريا ونفقات تشغيل الكهرباء بوضعه المتردي والمصروفات التي لا غنى عنها من باب الاضطرار ، والأمر الغائب دائما هو ماذا فعلوا لتفعيل الإيرادات لزيادتها وتعويض النقص .
وفي حديث للسيد هوشيار زيباري ألذي تحول فجأة إلى وزير للمالية بعد الخارجية لسنوات طويلة لقناة الشرقية قبل أيام ، نوه بان الاقتصاد العراقي شبه معطل وقد وصل الأمر إلى إن الإقبال على القروض الميسرة لإنعاش الاقتصاد في قطاعات الزراعة والصناعة وغيرها ، التي رصد لها السيد العبادي 6 ترليونات دينار تشهد شبه عزوف حيث إن عدد المتقدمين للاستفادة منها قليلا جدا ، وعند إجابته عن وضع العراق المالي في الفترة المقبلة قال إننا تدبرنا أمرنا إلى نهاية العام الحالي وفي 2017 ستتم تمشية الأمور بالقروض التي تم الاتفاق عليها والتي ستستلم دفعاتها الأولى في الربع الأخير من العام الحالي ، ويبدو انه لم يرغب الاسترسال أكثر لان الأمور ستكون أكثر سوداوية كلما اقترب موعد سداد القروض أو فوائدها ، فالقروض التي يستخدمها العراق حاليا لا تخضع إلى أية تسويات في نادي باريس وهي واجبة السداد لأنها تمت باتفاقات رسمية مكتملة الجوانب القانونية ولها ضمانات مؤكدة وبعضها سيادية بمعنى انه من المستحيل التخلص أو التملص منها من حيث الشطب أو التخفيض ، والقروض عبئا على أية دولة سواء كانت فوائدها 1,5% أو اقل بكثير ، وفي غضون التوجه لسد عجز الموازنة من خلال تنويع الاقتراض فقد أجريت مفاوضات عراقية – كويتية ( ناجحة) لتأجيل ما تبقى من ديون الكويت بذمة العراق والناشئة عن حرب الخليج الثانية لعام آخر وهي بحدود 4,6 مليار دولار ، كما تمت تسوية بعض المستحقات الداخلية والخارجية من خلال حوالات الخزينة ( الدولية ) بفوائد مجزية ، وما نريد أن نصل إليه إن اغلب الإجراءات المتبعة حاليا لترقيع الوضع المالي يتم بالاعتماد على القروض ومشتقاتها وليس بتفعيل الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي والمستفيد الأكبر من ذلك هم تجار الدولار لان مبيعات البنك المركزي بصحة تامة ولم يتوقف المزاد في يوم من الأيام .
ومن الغريب أن تتحقق مثل هذه ( المنجزات ) ومجلس النواب يغرق في صراعات سياسية ، كما إن مجلس الوزراء ينعقد أسبوعيا وهو يعيش إصلاحات مؤجلة ، فوزرائه هم من المصوت على إعفائهم بمعنى إنهم غير حاضرين أو المصوت على تعيينهم ولم يباشروا بعد وهم وزراء بالاسم فقط ، والبعض الآخر وضعوا استقالاتهم أمام السيد رئيس المجلس ولم يتم البت فيها بعد ، ورغم ذلك يتحقق النصاب الأسبوعي بحضور الوكلاء الذين ليس لهم الحق بممارسة صلاحيات الوزير ( أصالة ) وبعد قرار المحكمة الاتحادية عادت الأمور للوراء ، وهذه المسألة ليست بقدر الخطورة التي من المتوقع أن تحصل في 2017 وبعده إذ كيف سيتم تسيير أمور البلاد ونحن لم نعمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي والعجز الفعلي في ميزان المدفوعات وقد تم إغراق البلاد بالقروض ، فإحصاءات وزارة التخطيط التي لا لبس فيها تقول إن الصادرات النفطية العراقية تشكل 99,7% من مجموع صادرات العراق ، وهذه النسبة تثير سؤالا وهو ماذا يصدر العراق غير النفط وماذا يفعله 35 مليون مواطن والشركات الأجنبية هي من تنتج النفط وماذا سنفعل إذا انخفضت أسعار النفط من جديد بحيث لا تكافأ التكاليف ؟ ، ربما سيقول البعض سنتبع الأسلوب نفسه عندما حصل الانخفاض عام 2014 ولكن الوضع مختلف اليوم لانتا كنا بديون طفيفة أو بدون ديون واليوم نغرق في الديون والدول عموما لا تقرض لوجه الله وإنما بعد التأكد من سداد الدين وفوائده أو غاية في قلب يعقوب ، وهذه الأمور نطرحها لكي نتدارك بعض الأمور قبل تحول العراق إلى رهينة بيد الآخرين بسبب القروض التي لم تحدد الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرارات بخصوص إقرارها وإدخالها إلى حيز التنفيذ ، ونشير بهذا الخصوص إلى إن أكثر الدول تسعى لإنشاء ضامن يسمى صندوق الأجيال لحماية أبنائها من التقلبات ، أما نحن فنصنع الديون ونجعلها حلا للمشكلات والبعض يحتفل عند التوقيع على كل قرض ويعده انجازا يستحق التمجيد ، والقرض يشكل عبئا حقيقيا إن لم يتم التأكد من قدرته على إنتاج قيمته في الأجل المحدد له وغالبا ما تكون القروض للاستثمار لا لغرض الاستهلاك على طريقة اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب .