7 أبريل، 2024 4:31 ص
Search
Close this search box.

الدين وفلسفة بناء الدولة المدنية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت ولاتزال الحياة والكون عموما لغزا كبيرا، او عبارة عن معادلات وقوانين ونظريات وانظمة معقدة لاتفك رموزها الا بالعلم والمعرفة،
لم تكن الاديان الا وسيلة عقلانية منطقية توعوية ويمكن القول علمية ايضا لحث البشر على البحث والاستكشاف والعمل والتعلم والايمان بوجود الخالق ووحدانيته، واتباع طرق واساليب الطاعة والتعبد له (الخ.)،
دون ان تكون لهذه الاديان اي اهداف او وسائل او نظريات حكم متحركة مع حركة الكون،فالعالم والحياة تتغير ،بينما هي وفقا للقائمين عليها (اي على الاديان مراجع وفقهاء ومؤسسات دينية)ثابتة ومتحجرة ،ولاتقبل الاجتهادات الشاملة لما يسمى بالثوابت الايمانية او العقائدية، الا مايحصل نتيجة التدخلات السياسية الرأسمالية والاستبدادية ولغايات واهداف شخصية وفئوية متعددة،فيصبح التأويل متاح لتلك الاغراض الدنيوية المتعارضة مع الاخلاق الانسانية…
لن ندخل في عمق التفاصيل التي تتبنى رؤى وافكار ونظريات عصرية تفصل الدين عن السياسة،انما سنتحدث بإختصار عن الاسس الحضارية التي صنعت امبراطوريات حديثة ،وامم عريقة،دون ان تتكأ او تتعكز او ترتكز على الاديان،
التي عادة مايتم استخدامها لبسط النفوذ الداخلي(في القرون القديمة والوسطى..فالحضارات القديمة قبل الاديان كانت تمتلك مايشبه الاديان السماوية الثلاث وهي عبارة عن طقوس ملكية مختلفة)على الشعب،
ولشن الحروب الاستعمارية الخارجية،اي في تاريخ البشرية كانت الرايات الدينية ترافق غالبا رايات الجيوش الامبراطورية والاستعمارية في الحروب الداخلية والخارجية،وهي كما يقول الكثير من المفكرين والباحثين كانت تستخدم من قبل الانظمة الخاكمة لاضفاء الشرعية المقدسة في الحكم او الحروب….
لكن علينا هنا ان نطرح سؤالا واقعيا حول علاقة بين فلسفة بناء الدولة المدنية الحديثة وبين الدين،سنجد ان
اغلب الامم والشعوب المتطورة والمتقدمة مدنيا وحضاريا، هي التي ابعدت او ابتعدت عن الدين،حتى فيما يتعلق بالتجربة الاسلامية الايرانية وتطورها الصناعي الملحوظ، لم تتم بعصى الدين وولاية الفقيه السحرية، انما بالثقافة والحضارة الفارسية المتجذرة في وجدان الشعب الايراني،
هذا مانريد قوله ان فلسفة بناء الدولة ليس له علاقة بالاديان اوايمان وتدين وتميز اصحاب الجباه السود على الاخرين،انما بالاخلاق والعلم(اي اتباع عقول الاذكياء والعلماء والمفكرين) والمعرفة،هذه الاسس الثلاث هي التي تنقذ اي بلد او شعب او امة من حالة الفساد والفوضى السياسية(تنقذه جزئيا حتى لو اتبع اي منها، كيف ان استطاع من استخدامها جميعا للبناء والتنمية) ،
ولهذا عندما قلنا ان نظرية الديمقراطية الرأسمالية لم تعد صالحة لهذا العصر ،طرحنا البديل كفكر سياسي حديث” نظرية ديمقراطية النخب، لدعم الاسس السليمة لبناء الدولة،كأحد اهم البدائل والاولويات السياسية الحضارية المطلوبة لاعادة تنظيم الدول والمجتمعات في عصر الالكترون بعيدا عن هيمنة رأس المال ،
اي لايمكن ان يتساوى صوت العالم والمفكر والاكاديمي والمثقف مع الامي والجاهل والمتخلف وحتى السجين في الانتخابات المصيرية العامة،
هذه سنة الحياة وجزء من الفطرة الكونية المتجددة تبعا للظروف والبيئة والحاجة والضرورات المتغيرة،حيث يبدأ الانسان بعد الازمات بالبحث عن المنافذ والمجالات المنقذة له ،بالابتعاد عن تكرار الاخطاء المدمرة، للتخلص من الطرق والتجارب والنماذج السياسية او الفكرية المتعارضة مع الوعي العقلي الجمعي المدني،
في حين ان بلادنا العربية او الاسلامية بدلا من اتباع تلك الوسائل العلمية في بناء الدولة والمجتمع،عادت الى التاريخ وعصور الجاهلية الاولى ومابعدها،وبدأت تتخبط في المفاهيم والايديولوجيات والافكار والتجارب ،امة اخذها الضياع والتيه بين التاريخ والحضارة وعصر التكنولوجيا والتراث والاديان والطائفية والاثنية والبيئة والقداسة والهوية (الخ.)،
في دوامة لايمكن لاي مصلح حتى وان جاء بمعجزة ان يجد لها مخرجا عقلانيا ،لانقاذ مايمكن انقاذه من هذه التداخلات والالتباسات والانهيارات المعنوية والفكرية والثقافية،حتى اصبحت الدولة والمجتمعات عالة وحملا ثقيلا على المجتمع الدولي…
ظهر الارهاب (القاعدة والجماعات الاسلامية المتطرفة والاخوان وداعش والنصرة الخ.)مع ظهور الاسلام السياسي(السني والشيعي)بعد وفاة النبي محمد ص مباشرة ،في صراع مايسمى السقيفة لبناء اسس الدولة العربية الاسلامية،
فصار هذا التاريخ وتلك الاحداث المرجع الوحيد الذي ترجع اليه الشعوب العربية في اعطاء شرعية الدولة الدينية(او التي تعد الدين المصدر الوحيد او احد اهم مصادر التشريع)،
وبنظرة سريعة لاغلب الدول العربية والاسلامية وثقافة مجتماعتها ،ستجد انها تعاني من هشاشة الاسس المنطقية والعقلانية لمؤسسات وانظمة الحكم فيها،فهي لازالت تواجه ازدواجية خطيرة بين المنظومة الفكرية السياسية الغربية المستندة اليها انظمتها السياسية،
وبين الدين وثقافة المجتمع المتشابكة، وكذلك لفكرة الاسلام السياسي الحركي،وهذا راجع الى عدة اسباب منها ان دول الخلافة الاسلامية ،والمدارس الفقهية المتعددة جعلت الاخلاق جزءا من الدين،
حتى اصبح التعامل مع الانسان الاخر من بقية الاديان، والملل الاخرى يتم وفقا لحساب ومقياس الطهارة والنجاسة،
بينما سنرى ان من رفع شعار بأسم الدين(بالعراقي باكونه) سرقونا الحرامية”
لم يكن مخطئا فيه دون النظر لاهداف وغايات اصحابه،على اعتبار ان اغلب الاحزاب الحاكمة في العراق بعد٢٠٠٣هي احزاب وتيارات اسلامية سنية كانت او شيعية،متهمة عموما جميعها بالفساد المالي والاداري والوظيفي،فالشكل والمظهر وحتى الاسم والعنوان السياسي الحزبي او الحركي المهيمن على النظام والعملية السياسية اسلامي، في التوجه والفكر والثقافة ،لكن فخ الديمقراطية الرأسمالية فضح زيف الادعاء الماكر بأن الدين لاينفصل عن السياسة او الدولة،
فهم دون وجود المال لايمكن لهم الاستمرار بالعمل السياسي تحت هذا النظام الديمقراطي المنتهي الصلاحية ،
وهذه قاعدة عامة متبعة في اغلب دول العالم في تمويل الانتخابات والعمل السياسي(على ان اموال الحملات الانتخابية في الدول المتقدمة يقال انها تأتي عن طريق التبرعات ،بينما في بلادنا لايمكن ان يجد هؤلاء اي متبرع محلي، ولايملكون اي مصدر للتمويل غير اموال الفساد من قبل اللجان الاقتصادية او عبر حقائب الدول المتدخلة في الشأن الداخلي)،
من هنا تم التلاعب بالفقه والعقائد والفتاوى لايجاد حيل ومخارج شرعية كما يعتقدون لنهب ثروات الشعب ،لتمويل احزابهم وتياراتهم السياسية ،من اجل الاستمرار في فرض قواعد اللعبة في الهيمنة والسيطرة والبقاء في العملية السياسية ،ولكسب المزيد من المقاعد البرلمانية وفي المجالس المحلية،والاستيلاء على وزارات وعقود الدولة وتسخيرها لمصالحهم الشخصية ومن ثم توزع على بقية المنظومات والقواعد الساندة لها فئويا وحزبيا وقبليا وحتى عشائريا وطائفيا واثنيا….
فلسفة بناء الدولة هي قواعد ثابتة لكنها متجددة تتعارض مع الفوضى،اي لايمكن ان يتم بناء الدولة في ظل التخريب والفساد المتعمد،وغياب القانون والنظام والتشريعات الصحيحة،وتراجع المستوى الثقافي والتربوي والتعليمي والاكاديمي وحتى الصحي والخدمي،
هذه مجموعة عوامل سلبية رئيسية تلعب دورا مؤثرا في تدمير الاسس المنطقية العقلانية المعتمدة في بناء اي دولة مدنية متحضرة،
ليس في جزيرة العرب على سبيل المثال لا الحصر فلسفة ذاتية نابعة من التراث او الحضارة العربية هي التي بنت دولهم وجعلتها متقدمة عمرانيا وحتى اقتصاديا،انما بالاستنساخ الشامل للتجارب الغربية في بناء الدول العصرية(الامارات وقطر وبقية دول الخليج عموما)،
وعندما ارادوا استخدام تراثهم السياسي او الثقافي عادوا للفتن الطائفية والبداوة والجاهلية،دمروا العراق وسوريا واليمن وليبيا والبحرين ،اما بدعم الارهاب او بالتدخلات العسكرية المباشرة او الغير مباشرة،واصطدم قسم منهم مع ايران وتركيا ،واختلفوا بعدها فيما بينهم،
تحت قناعة ساذجة ليس لها مبرر او سند واقعي،من انها افعال وتدخلات وخطط استراتيجية مهمة،لكن الى الان لم يصرح او يعترف لا هم ولا اي من مفكري العالم بوجود اية ضرورة استراتيجية ملحة لمثل هكذا تصرفات او افعال او خطوات كارثية…
هل تحتاج الشعوب العريية والاسلامية الدين لبناء الدولة الفاضلة،لانعتقد ذلك لعدم وجود الدليل الشرعي(لا في القران الكريم ولا في السنة النبوية ولاحتى في تجربة الخلافة الراشدة او في الدولة الاموية والعباسية والعثمانية) المؤيد والداعم لفكرة إقامة الدولة الدينية او الاسلامية،من جهة اخرى يؤكد المسلمين ان العيش في الدول الغربية اشبه واقرب لحلم الدولة العادلة او الفاضلة،لما يرونه من بون شاسع بين دولهم وانظمة الحكم فيها ،
وبين المستوى والرقي الانساني والحضاري الذي وصلت اليه تلك الامم او الشعوب، بعد حروب وكوارث ليس لهم علاقة بها ،ويعتبرونها جزءا من تاريخ الانسانية الاسود،
بالفلسفة والفكر والنهضة والتنوير والحداثة والتطور والثورة العلمية والصناعية والتكنولوجية بدأت اواخر العصور الوسطى مرورا بالنقلة النوعية الاوربية بعد القرن الثامن عشر ،
هي التي جعلت من دولهم ومجتمعاتهم اكثر مدنية واعمق صلة بالحضارة بالنسبة لبقية الامم العريقة،قد لاتكون الحضارة او الثقافة الغربية هي الحالة المثالية التي يطمح لها الانسان في دولة الاخلاق والعدالة الاجتماعية والرفاهية العامة،الا انها تبقى ارقى النماذج العالمية(بعيدا عن نقد السياسة الخارجية لانظمة الحكم لديهم وطبيعة تفكيرهم ونظرتهم السطحية او العنصرية للشعوب والامم الاخرى) اخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعلميا وخدميا وحتى صحيا وبحثيا واقتصاديا،دول بمؤسسات وثقافة راسخة رصينة ومتينة،لم يكن للدين اي دور في كل ذلك التقدم الحضاري،بل على العكس ان التطرف الاسلامي هو الذي اثر على طبيعة حياتهم ونظامهم السياسي والاجتماعي،
مما سمح بصعود وتسجيل بعض النجاحات السياسية للاحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة،بينما لو كانت الشعوب المسلمة على درجة عالية من الثقافة والوعي،لساهمت مع بقية الامم والشعوب منذ عقود بتخفيف حدة التوترات والازمات والصدامات والحروب الدينية والطائفية والعرقية الخ.
خلاصة القول
ان اسس بناء الدولة المدنية المتحضرة او سمها ماشئت، لكن الغاية والهدف في نهاية المطاف ان تكون دولة ناجحة قابلة للاستمرار والتطور،لابد لها ان تربي الاجيال على اسس عقلية منطقية وفق النظريات العلمية المتبعة والمطبقة في بناء الدول المزدهرة،من ان الدولة لاتبنى بالحلال والحرام،ولا بفتاوى الفقهاء ومراجع الدين والوعاظ والمؤسسات الاسلامية،
انما بالاخلاق والعلم والمعرفة،
لانها الوسيلة والطريقة والاسلوب الوحيد الذي سيخدم الجميع دون استثناء، بما فيهم الفاسد الذي يسرق من اجل رفاهيته ورفاهية ابناءه واهله،في حين لوطبق هذا الفاسد الاسس الصحيحة المعتمدة في بناء الدولة المتحضرة لاصاب الهدف الذي ينشده دون الحاجة للسرقة او الفساد…

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب