8 أبريل، 2024 6:32 م
Search
Close this search box.

الدين والقانون

Facebook
Twitter
LinkedIn

أولُ فوائد الدين تخليص الانسان من الجنون ، وأول فوائد القانون تهذيب الانسان من التوحش ، الدين  بدأ لجوءاً لتفسير الظواهر الغامضة للحياة والطبيعة ووقائعها من الرحم الى القبر، ومن المطر والزراعة والخريف الى البرد والحر والشيخوخة، حين ابتكر الانسان الطواطم باديء ذي بدء ، وهي رموز للقبائل والجماعات البدائية ، تُعبَد وتُطاع ويتخيل الانسان غضبها ورضاها وسير شؤونه على وفق أهوائها وشروطها، الواضحة منها والغامضة .حتى تطور ذلك الى ظهور الاديان وآخرها السماوية وما الى غير ذلك مما تعرفون.
خلاصة الامر،  الدين في مراحله البدائية علاج وضعي   للقلق والخوف من المجهول واضطراب الاسئلة البدائية بازاء الوجود وعدمه. بل اذا كانت  الفلسفة تعزز ذلك الاضطراب وتدعمه وتشعّبه ، فان الدين  يعمل عكس ذلك.
على الضفة الاخرى  هناك عمل مقابل ، حيث تعاقب العلماء على ابتكار حلول لاحتواء التوحش البشري و الانتقال من حالة الفوضى إلى المجتمع المدني،  من اقدمها فكرة العهد الاجتماعي ومفادها أن الأفراد اتفقوا فيما بينهم على إقامة مجتمع يرعى فيه كل فرد حقوق غيره، ويتنازل فيه الناس عن  سلطتهم لصاحب السيادة، فتتركز في يده سلطة عظيمة يخافونها  لادارة شؤونهم .ثم تطور مفهوم صاحب السيادة والشخص القانوني  للدولة  ، من الحاكم المطلق حسب توماس هوبز الى  الحاكم المقيد حسب جان لوك الذي لايرى بضرورة تنازل الافراد عن جميع حرياتهم للحاكم او الدولة بل عليهم ان يحتفظوا بحرياتهم  وحقوقهم الاساسية، الى جان جاك روسو الذي  يرى ان  الأفراد  تعاقدوا على إنشاء مجتمع سياسي جديد يخضع لسلطة عليا،  .ولكي يكون الاتفاق آو العقد الاجتماعي الذي ينقل الأفراد إلى حياة الجماعة صحيحا ومشروعا،  لابد أن يكون الحاكم وكيلا عن الشعب وليس سلطة مطلقة عليه متحكمة فيه . مراحل مهمة من تطور العمل الاداري وسلطة القانون وسِفر السياسة ، ليس المجال هنا لاستعراض تفاصيلها، انها بالمختصر ، محاولات حثيثة للحد من  التوحش وفوضى الانسان .
إذا نحن أمام ضفتين لاحتواء النهر ، الدين والقانون . السؤال الآن ،ماذا لو اختلت وظيفة احدى هاتين الضفتين او كلتيهما ، كيف تتخيلون كابوس غيابهما ،وكيف تتوقعون هول انحرافهما ،مالذي يحدث لو تحول الدين الى داعم للجنون ، والقانون الى مُتيحٍ للفوضى ، واصبحا يعملان بالمقلوب غطاءً لنزعة التوحش الانساني البدائية ونزوعه نحو الهمجية . لاشك ان ذلك لن يعيدنا الى عصر سلطة الافراد المطلقة حسب، بل اكثر من ذلك بكثير  لانه سيزيد همجيتها شراسة بالتبرير والحث وانتاج الدوافع ، كذلك باستخدام الادوات الحديثة المتطورة لاقامة سلطة الغابة تلك ، وهو أمر  يقوّض جميع جهود البشر منذ بدء الخليقة حتى اليوم ،  وينشيء عالما كوميديا ماساويا ، حين تَستخدم فيه الوحوش التكنلوجيا الحديثة، لارسال رسائلها ، وافتراس ضحاياها.  

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب