18 ديسمبر، 2024 8:14 م

الدين . . والاغتراب

الدين . . والاغتراب

انني بطبعي متفائل ، ومفعم بالامل في غد مشرق جديد . . ولكنني لا اكتمكم سرا اذا ماقلت ان الاحباط ينتابني بين الفينة والفينة ، عندما ارى واقرأ ، او اسمع اناسا مثقفين ومتعلمين يتحدثون بالدين في مناسبة وغير مناسبة . حتى دخل الدين في كل مرفق من مرافق حياتنا العامة والخاصة ، واطبق على فكرنا وعملنا وشل حركتنا . . وبالرغم من ذلك نرى كثير من الناس يدعون بان سبب مشاكلنا هو ابتعادنا عن الدين . ، في حين ان اغلب مشاكلنا ، وخاصة السياسية والعامة منها بدأت عندما فرض الدين علينا بقوة السلاح  ومن خلال تقسيم المجتمع على اسس دينية وطائفية . . ومازال الناس يتسائلون عن الاسباب التي ادت بنا الى الاقتتال الاهلي ، وما رافقه من تهجير وتعذيب يندى له جبين الانسانية ، وما رافق ذلك كله من تعطيل للاعمال ، وتوقف الانتاج الصناعي والزراعي ، اضافة الى توقف الخدمات المقدمة الى المواطنين . كما اصبح اكثر من نصف الشعب من الاميين ، نتيجة اهمال التعليم ، والكف عن بناء المدارس اوتوفير المستلزمات التربوية 
ان الدين قد بدأ بطقوس جماعية ، تمارس من اجل ابعاد الشر عن القبيلة او جلب الخير لها ..ثم تطور الى وضع مبادئ اخلاقية سامية لنشر العدل والصلاح بين الناس . ولكن استغلال رجال الدين وجشعهم دفع بالناس

الى العبودية للبشر وليس للخالق ، بحجة انهم قادرون على منحهم مفاتيح الجنان والسعادة ما بعد الموت . . اما في الحياة فالواجب يدفعهم لخدمة اسيادهم من رجال الدين والسياسة والاقطاع . . ونتيجة لذلك فقد قامت الثورات المتعددة ضد هذه العبودية . واستطاع الاوروبيون في عصر التنوير التخلص من التزمت الديني ، والعمل على اصلاح احوالهم المعاشية والاجتماعية بعيدا عن سطوة رجال الدين . . وعلى عكس ذلك ، ونتيجة للجهل السائد ، فاننا نشهد في اوطاننا العودة الى انتشار المفاهيم الدينية المتخلفة ، والمستندة على الاسس الطائفية والعشائرية والتعصب الاعمى . فاصبح الدين خليطا عجيبا من مبادئ مثالية نظرية غير قابلة للتطبيق . يرافقها ممارسات عملية ضارة بالفرد والمجتمع . ، واصبحت المبادئ الاخلاقية والدينية السامية مرتبطة بالحجاب والجنس ونبذ الموسيقى والفنون والثقافة العامة . . اما الفساد وسرقة المال العام فانها تتم باسم الدين ، لانها تصب في مصلحة الاحزاب الدينية الحاكمة بدعوى العمل على اعلاء شأن الدين في المجتمع . . وعلى الصعيد الفردي نرى التبرع بالمال الحرام في المناسبات الدينية للتكفير عن ذنوب السارق ، وخطاياه من نهب قوت الشعب . وفي مجال الفكر والكلمة ، شاعت تسميات ومصطلحات ، وتنابز بالالقاب كوسيلة للدفاع عن الدين والطائفة . واصبح للكلمة مفعول قاتل . . بل ان هنالك دعاوى صريحة بالتحريض على القتل  بمراجعة سريعة لوسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والواتساب نجد ضغائن طائفية عميقة تترك الاثر الكبير في انكار الاخر ومصادرة ارائه ، مما ادى الى تشجيع العنف في حلقة مفرغة ليس لها اول ولا اخر ان نشر الافكار والعقائد هذه باسم الدين قد اصبح ظاهرة اجتماعية عامة وتشكل عقبة امام الفكر والابداع والتطور . . ان اشاعة الافكار المسمومة باسم الدين تمثل واحدة من المظاهر الخطيرة للاستحواذ على فكر الاخر ومصادرته . واننا بدلا من الفكير في كيفية الخلاص من هذا المأزق ، نتوغل اكثر فاكثر بمستنقع الانقسام الديني ، والاغتراب . ولا نعرف متى سيعود الينا الوعي الجمعي ، لنكف عن الادعاء بالدين والمذهب ، ونفكر بطرق عقلانية وعلمية لاصلاح واقعنا المخيف الذي اصبح اقل شأنا من اي قبيلة معزولة في مجاهل افريقيا او الامزون 
ان ماهالني حقا هو كثرة الدعايات الدينية  والبرامج المعروضة في الفضائيات العديدة ، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحرض الناس على التمسك بالانتماء الطائفي بحجة نشر الدين والدفاع عنه . . ان اعداد مثل هذه الدعايات والبرامج الدينية والمقاطع الفديوية تحتاج الى اموال طائلة لتغطية نفقات اعدادها بهذه الصور المبهرة . فمن يقف وراء صرف مثل هذه الاموال الطائلة ياترى  ؟ وماهو الهدف منها  . ومن هو المستفيد  ؟  .   هل فكرتم في من يعد مثل هذه البرامج والصور والفديوهات ، قبل ان تقوموا بنشرها مجانا . 
ان كلمة واحدة منشورة ظاهرها ديني وباطنها تحريضي ، تتحول الى اداة فاعلة لقتل شاب في مقتبل العمر ، او طفلا بريئا ، او تتسبب في تهجير امرأة ماجدة او ترملها 
انني لا ادعو هنا الى التخلي عن الدين . فانا من اشد المؤمنين بالله عز وجل ، خالق هذا الكون الجميل المتناغم وفق قوانين غاية في الدقة والروعة . . ولكنني ضد استخدام الدين لضرب المجتمع وتمزيقه ، وضد استخدام الدين للوصول الى مآرب مادية او سياسية مغرضة مستغلين  طيبة الناس او جهلهم

      انني لا ادعو هنا الى فصل الدين عن الدولة فقط .  انما ادعو الى جعل الدين علاقة بين الانسان  وخالقه .  اما الدولة والمجتمع فيجب النهوض بهما بالنظريات الحديثة والتكافل الاجتماعي واعتماد الاسس العلمية والحضارية للبناء والتطور     ان مجالات العلم والتقدم والحضارة واسعة جدا ،  واوسع من الديانات كلها وبامكاننا ان نغرف منها ما يفيدنا ويفيد اقراننا ومجتمعنا .    .  وان نكف عن التقليد الاعمى والانصياع لمطالب الاخرين لتغريبنا ، او ان نكون ادوات مجانية بيد من يتآمر علينا ليدفعنا الى المنزلقات والمتاهات الخطيرة التي وقعنا بها .