13 أبريل، 2024 3:27 ص
Search
Close this search box.

الدين والأخلاق الحرية للمفكر أحمد عبده ماهر

Facebook
Twitter
LinkedIn

ارتبطت الأخلاق بالدين منذ أن بدأ الإنسان ينفصل عن الحيوان وينتصب قامةً ويعي ذاته بأنماط سلوكية تلحق التطور البيولوجي البنيوي، حين بدأ يفكر كيف يحصل على غذائه باستخدام الآلة للصيد، وحين بدأ يدرك أنه مهدد بعوامل هلاك من سيول وحرائق وأوبئة وشح بمصادر الغذاء، عندها بدأ يبحث عن قوة تدرأ عنه هذه المخاطر بالرسوم والتعاويذ والسحر ومن هذا المنطلق بدأ ينظم علاقته بالطبيعة وعلاقته بالجماعة، فنشأت المبررات الأولية للدين والأخلاق، الأول علاقته بقوة خفية والثانية في علاقته مع الآخر..
ورغم الترابط بين الدين والأخلاق فقد بدأت المنظومتان تتغيران وفق اغتناء التجربة الإنسانية عمليا ونظرياً وتراكمها،إذ أفرزت تغيرات نوعية شكلت نقلات هامة، فمع انقسام العمل وتكوّن تمايز بين ملاك الماشية والرعاة، وبين مالك الأرض وعبيد الأرض، أصبح لكل فئة أخلاقها وقيمها، فالمسيطرة هي التي وظفت وعممت الدين لصالحها، وكانت الهندوسية المثل الأبلغ فتحالف الملاكين الأثرياء مع الكهنة برر التقسيم الطبقي، بمبدأ أن الإنسان الصالح المطيع لسيده سيكون هو السيد في الحياة الآخرى،! وهكذا ساد مبدأ التقمص وانتقال الأرواح، الذي انتقل الى البوذية والى كثير من المعتقدات الدينية والإثنية حتى يومنا هذا؛ وقد حرمت الهندوسية الزنا بيد أن رجال الكهنوت حللوا للنساء البغاء إن نذرن أنفسهن وما يحصلن عليه للمعبد، مثلما كانت واردات الكنيسة في روما الأكثر من الضرائب المفروضة على دور البغاء، ومثلما أجاز الإسلام للأثرياء امتلاك النساء وفق “ملك اليمين”..وهكذا كان رجال الدين عموماً حلفاء للأثرياء عبر التاريخ، وفي الإسلام أبلغ مثال على ذلك في نشأة الوهابية، حيث تحالف رجل الدين محمد بن عبد الوهاب مع آل سعود في القتل والنهب والسيطرة على الجزيرة العربية بمساعدة ودعم بريطانيا ولم يسلم العراق منهم!
الديانات الإبراهيمية كمّلت بعضها البعض، اليهودية تلمودها كُتب في بابل وتأثر بموروث حضارة وادي الرافدين ومعتقداتها وأساطيرها، فنقلت من أسطورة كلكامش الطوفان السومري (طوفان نوح)، وتاثرت المسيحية باليهودية وكان السيد المسيح ثائرا ضد القوانين الرومانية الجائرة وأضاف حاوريه الكثير في أناجيلهم، وأباحت لحم الخنزير وألغت ختان الذكور، وجاءت الديانية الإسلامية الشديدة التأثر باليهودية في الطقوس وفي تحريم لحم الخنزير – وختان الذكور- وحتى في طقوس العبادة.. وتأتي الدراسات والتنقيبات لتفند الكثير من الأساطير الشائعة في الديانات الإبراهيمية وخاصة اليهودية! وليس هذا موضوعنا..
ومع تطور العلم والتكنلوجيا وجدت البشرية نفسها أمام ضرورة تجاوز الأحكما السماوية الى الوضعية فصاغت القوانين التي تلبي حاجة التطور، في الحرية والمساواة وإلغاء الرق، وتقليص الفوارق الطبقية وإنشاء مؤسسات التأمين، وإشاعة التعليم في شتى مراحله ليكون حقا للإنسان وحرية الإنسان في الممارسة الجسدية وبذلك تجاوزت الأحكام الدينية وأشدها سطوة الكنيسة.. وفرض الإقتصاد نفسه في موضوع المعاملات في المؤسسات البنكية والمالية..
ووفق هذا التطور أستفاد الإنسان من منجزات الثورة العلمية والصناعية التي ساهمت في توفير الغذاء والدواء والتعليم وتوفير السكن وكل مستلزمات الحياة العصرية..
ولعل الأهم هو هو تطور المفاهيم الأخلاقية واستقلالها عن الدين، فأصبحت الدساتير لا تستمد من الديانات، وأصبح للإنسان حق في تحديد النسل وحق في أن يكون مناصراً وملتزما بحرية الفكر بما في ذلك نقد الأديان مستفيداً من البحوث العلمية والأركيولوجية..وضمن هذه المعطيات تحررت علوم بكاملها من سطوة رجال الدين، هكذا أصبح هناك علم التأريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس أياً كانت هذه النفس أمّارة بالسوء أو أمّارة بالخير، والمهم أصبح للأخلاق علماً هو “علم الأخلاق”، مهمتة دراسة نمط تفكير الإنسان وسلوكه في علاقته بالوسط الطبيعي وبالوسط الإجتماعي أي علاقة الإنسان بالإنسان فرداً وجماعة.. أما علم الأخلاق وعلاقته بالطبيعة فهو جعل الفرد يشعر بمسؤولية أخلاقية إزاء حماية الطبيعة من التلوث والعمل على الحد من التلوث واستصلاح الأراضي وزراعتها والبحث عن مصادر جديدة للطاقة تحمي البيئة والبيئة هنا هي كوكب الأرض.. علم الأخلاق لايني ينفصل عن الدين، ونحن يجب أن ندخل في مدارسنا علماً اسمه علم الأخلاق، يعلمنا نحن لا نغش لا لأن الله يعذبنا ونخشى عقوبته بل لأن لدينا مبدأ أخلاقي نلتزم به ويكون رقيبنا هو الضمير، نعم نحن لا نعتدي ولا نمارس العنف لأنها ممارسات لا تليق بالإنسان المتمدن، يمنعنا ضميرنا قبل الدين..إن علم الأخلاق كفيل أن ينّمي الضمير لدى طلابنا ويصونهم من الغش ويضمن أن يخّرج ساسة وحكّاما لديمهم ضمير وليسوا بحاجة أن يتلفعوا برداء الدين!
أذكر ويذكر كل الطلاب أننا كنا ندرس مادة ” الدين والأخلاق” أي أندرس تعاليم الدين وفروضه وأن نتبع الدين وتعاليمة لأنه يجعلنا نتمتع بالأخلاق.. وحين يبدأ الدرس على التلاميذ غير المسلمين أن يغادروا قاعة الدرس لأنهم وفق الدين كفار!! وفي درس الدين علينا أن نطرق مواضيع من قبيل يوسف وأخوته، وامرأة العزيز التي همّت بيوسف وكاد أن يهمّ بها لولا.. كذلك إطاعة الوالد وكيف إن إسماعيل أصبح فديةً إطاعة لأبيه وكيف إن الله فدّاه بذبح عظيم..الخ، والبحث في هذه المواضيع التي تلقى على مسامع التلاميذ والنتيجة هي تنفّر من الدين الذي ألزم أتباعه بخمس صلوات في اليوم رغم ذلك تجد أن الشعوب الإسلامية أكثر الشعوب تشيع فيها الجرائم من قتول وسرقات وأشكال مختلفة من المفاسد.. إقرأ الصفحات المحلية لأكبر دولة عربية ستجد حالات الجرائم الكبرى مدهشة نوعا وكمّا!
حاول كثير من المفكرين الأحرار تنقية الدين مما علق به بما في ذلك مناهج الأزهر، من قبيل فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وأيمن بحيري، والمستشار أحمد عبده ماهر والعدد كبير.. لقد حاولوا أن يصلحوا وينتقدوا المناهج الإسلامية بما في ذلك الأزهر والنتيجة بين القتل والتطليق من الزوجة والحكم بالسجن!
تحية للمفكر أحمد عبده ماهر الذي دفع ثمن تفكيره الحر خمس سنوات بالسجن الشديد! أتمنى على كل الأحرار العراقيين والعرب أن ينظموا حملة تضامن من أجل إلغاء الحكم وإطلاق سراحه..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب