22 ديسمبر، 2024 2:18 م

الدين بين المشقة والاستسهال

الدين بين المشقة والاستسهال

” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” قران مجيد
” لا يعبد الله لا بالمشقة و لا بالإستسهال ”
إن نصي هذا يقتضي الفهم و التأني و التريث و عدم الإكتفاء بالوقوف على أطرافه و سطوحه فلا تعجل بمسطوري لسانك فضلا
إن الهمهمات لا تصنع المعجزات و الدعاء ليس ملاذ العاطلين و الفاشلين…
إن دور الدعاء هو تنوير العقل والقلب و المدارك و لا يتم ذلك لا بالكم و العدد و الحسابات و لا هو مصدر غنائم و انتصارات لكسول متقاعس
إن التفكر أو التدبر ليس همهمات جوفاء و الرسول صلى الله عليه و سلم لم يعلم الناس العيش على هامش التاريخ و الزمان و الجغرافيا و لا رسخ فيهم التواكل
” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون “- قران – هذا اختبار و امتحان للذاكرين و لو كان قليلا بل هذا هو الذكر بعينه
وصاحب العقل و اللسان المهمهم الذي يمارس كسله و يختبىء وراء نواميس فجة يردد ثلاثة ألاف مرة ” لا إله إلا الله ” عليل الفهم لدينه سقيم النفس فاسد الفهم للدين
بل هنالك من يردد همهمات اللسان هذه أكثر من ألاف المرات يوميا لو اتبعنا المتطفلين و من يجمعون من الدين الروايات الغريبة التي يقنصونها و يوظفونها من هنا و هنالك
و هم يقعون في فخاخ تيار يشتغل لتكريس هذا الفهم المختزل للدين إضافة إلى بقية ما نقرأه من هرف فارغ ( حاشا إسم الرسول الأكرم و إسم الجلالة الذي يرد فيه )
لا يبقي بعد هذا العدد المفزع المردد عقلا يبدع عند صاحبه ( اقرأوا ما كتبه الشيخ الغزالي) فأمتنا لا تؤمن إلا بالمشيخات لذلك أحلتكم إلى شيخ قال بهذا
و لأن أمتنا تبخس أهل التنوير و التأسيس و تقلل من مكانتهم إلا و هم يحملون شرعية دينية و تراثية اقرأوا له نقده اللاذع لهذه المظاهر الفاسدة رحمه الله
و رغم ذلك فالشيخ الغزالي كتب كتابا عنوانه ” فن الذكر و الدعاء” و اعتبره فنا لكن عرضه و محتواه ليس كعرض المتطفلين و أصحاب الفهوم السقيمة للدين
النيات لا تصدق بالنطق باللسان و هي ليست من إختصاص العباد بل من إختصاص الله ومحلها القلب فلسنا نحن و أنا و أنتم من يقبض على النوايا و يشق على الصدور و يعلم من الصادق من غيره
ثم إن صدق النوايا تترجمها الأفعال في الدنيا و منها السعي في الأرض و تفتيق و تفجير المدارك الحسية و العقلية أما الحكم عليها فهو ل لله وحده و لا يتعدى حكمنا إلا على ظاهر أفعال الناس في الدنيا
و تتبعنا لمظاهر التدين الفاسدة يقف عند الظواهر لا الحكم على النوايا فالظاهرة تعكس فهما فاسدا و تعتمده
ليست كلمة التوحيد و الشهادتين هي التي تدخلنا الجنة بل أعمالنا و بعدها رحمة الله التي لا تسمح بالاستسهال في العمل و أيضا مدى تحقيق معنى الإستخلاف في الأرض و معنى ميراث الأرض و مقتضيات النطق بتلك الكلمة و كيف يتم تمثلها في الحياة حرية تلغي العبوديات الارضية و شهودا حضاريا
أما الكلام فيبقى لفظا يقوله الكثير يبدو كفرا و هو غير ذلك و منهم من قال نفاقا كلام توحيد و هو غير ذلك ” قالت الأعراب امنا قل لم تؤمنوا “- قران- القول يعفي صاحبه من حكم الناس عليه فقط من المهوسين بتكفير غيرهم من تبعات التكفير
القول مدخل للساحة الإيمانية و إذا تعطلت عنه الجنان أخفق و هي ساحة تتسع للصادقين و غير الصادقين و حتى المناففقين ” وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ” – قران –
و إذا قال قائل ” لماذا لم يطلب الله منا عملا شاقا لندخل الإسلام ” قلنا له أنت تنطلق من منطلق خاطىء …
أولا / نحن نعبد الله لأنه أمرنا بعبادته و بعدها يأتي الحديث عن الحور العين و الجنة
ثانيا / لا ننسى قوله تعالى ” فمن يعمل مثقال ذرة خير يره و من يعمل مثقال ذرة شر يره ” -قران
و قوله جل شأنه ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا “- الأحزاب -قران – و الأمانة لها وقع ثقيل و هي التي نفهمها من قوله تعالى ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” قران مجيد
و هل بشر الله بعض الخلفاء بالجنة و هل انتشر الإسلام فقط بكلمتين تقال ثم ” هيا الى الجنة ”
هل أصبح الامر لعبة و عبثا.و هل قاوم الوثنيون العرب رسالة محمد صلى الله عليه و سلم الإسلام من أجل كلمتين تقال فقط أم إن للكلمتين تبعات تخوفوا منها
و هل ننكر التضحيات و الجهاد و المصابرات و التهميش و التهجير و غيرها من الجهود المبذولة التي تبعت قول الكلمتين هذا ليس نكد بل سنة من سنن التمكين
و هل نهون من كل هذا ليصبح الإسلام كلمتين ينطق بهما اللسان
إن سنن النصر و الهزيمة تمضي على المؤمن و الكافر على حد سواء دون مفاضلة و لا تبجيل
فليس بحسبي الله و نعم الوكيل ننتصر لكن بقوله تعالى في سورة الأنفال ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) ۞ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)” – الأنفال – هذه كلها إلتزامات عملية تتعدى القول باللسان
و المراد هنا عدة تحمي حصون المسلمين و دعاة الحق من المعتدين و الظالمين بلا عدوان على اهل السلم و لو اختلفوا معنا في الملة و الدين
و لا يمكن أن يخلق الله خليفة في الأرض ( مهمة الإستخلاف ) لتختصر القضية في قول كلمة من غير تبعات و مقتضيات
يجب علينا أن تدرك أن التدين هو روح و مقاصد و مهمة إستخلاف حضاري و تعمير فوق الأرض و قيم كونية
و أن القران وحدة موضوعية و أن السنة أو الحديث لا يفهم إلا بناظم القران ثم العقل و العلم و أن السنة ليست قاضية على الكتاب
كما أن الإستشهاد بالحديث سندا دون مراعاة أن القران هو ناظم للفهم و إطار عام يعتبر خللا في الفهم و فسادا
كما أن الدين ليس ثمرة عقل لا عالم و انطباعي و تأملي غير ممنهج و غير مبني يمارس فهمه بالإنطباع و الرأي الإنطباعي دون امتلاك أدوات الفهم بحجة أن القران للناس كافة و ينسى أن الذين لا يعلمون و الذين يعلمون لا يستوون
إن الله لا يعبد إلا بما شرع و لا طاعة بالمشقة و لا بالإستسهال بل الطاعة امتثال و تكليف و عبادة و مهمة استخلافية و أمانة ثقيلة
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ” قران مجيد “