تتسارع الأحداث في العراق بشكل مُلفت للنظر مما تجعل المتتبع للأحداث في حيرة من أمره في تحليل الملابسات و تشخيص العلاج الناجع لحل الأزمات التي تعرّض أمن ومستقبل العراقيين إلى خطر فهنالك أحداث ومتغيرات تحصل بشكل مفاجئ وسريع جداً مما يصعب على الكثير تحليلها تحليلاً موضوعياً إلا الإيمان والقول بوجود مؤامرة تحاك في غرف مظلمة، وخير دليل على ذلك ما يمر به عراقنا الحبيب هذه الايام من هجمات بربرية على بعض المدن والمحافظات مما يُعد أخطر حدث تمر به البلاد بعد سقوط النظام الصدامي المجرم في عام 9/4/2003م, فما مر به العراق من تداعيات وأحداث طوال العشر سنوات الماضية من إرهاب في بعض المدن وحرب طائفية وصراعات سياسية دنية يندا لها الجبين إلا أنها لا تصل إلى خطر ما نمر به اليوم, لأننا نعيش اليوم في مرحلة مفصلية مهمة في تاريخ العراق الجديد ونواجه حرب تشرف على إدارتها دول عدة الهدف منها هو تقسيم العراق وضياع ثروته وأرضه وإخضاعه إلى إرادات وأجندات خاصة بدول إقليمية وعالمية.
فان الأحداث التي وقعت في يوم 10/6/2014م في الموصل وبعض المدن الأخرى تكشف لنا عن حجم تلك المؤامرة التي تحاك للعراق وشعبه وما يُراد للعراق من ضياع وتقهقر للوراء, ومع كل هذا وساسته لا يبالون لذلك بل كل همهم هو الحصول على مصالح ومكاسب سياسية ومنافع دنيوية زائلة ولا يدركون عظم الخطر الذي نواجهه, فعليهم قراءة الساحة بتمعن وتدبر فان المرجعية الدينية أدركت عظم الخطر الذي نواجهه اليوم وأجمعت على فتوى واحدة أوجبت بها على المواطنين الدفاع عن أرضهم ورد كيد العدو والى التكاتف والتلاحم في هذه الفترة العصيبة وهذه الفتوى تعد من أندر الفتاوى التي يجمع عليها العلماء على وجوب الدفاع عن الوطن ومواجهة الإرهاب.
ولولا فتوى المرجعية الدينية المباركة لضاع العراق ولقُتلت أبناءه وهُدمت مقدساته ولأصبح سياسيو الصدفة وأصحاب المصالح الضيقة اليوم مشردين كما كانوا سابقاً إلا إن حكمة وفطنة المرجعية دفعت الشر عن العراق وأهله ومقدساته.
فعليهم إن يدركوا جداً عظمة المرجعية الدينية وسطوتها في الشارع الإسلامي وقدرتها على قلب الموازين إن شاءت ذلك.
وعلينا اليوم إعادة النظر بما حصل في محافظة الموصل والتي تُعد ثاني أكبر محافظة في العراق وكيف تم السيطرة عليها من قبل التنظيم الإرهابي مما يطلق عليه أسم ” داعش” الجبان وبقية التنظيمات الأخرى
وإذا أردنا أن نحلل سرعة سقوط محافظة الموصل بيد التنظيمات الإرهابية فإننا نضع عدة عوامل لذلك:
العامل الأول: وجود مؤامرة إقليمية واسعة قد خُطط لها في دول مجاورة اشتركت بها دول عربية مثل السعودية وقطر وتركية وقيادات من اقيلم كُردستان وقيادات من التنظيمات المسلحة السنية.
وكان الهدف منها هو فرض سيطرة القيادات البعثية والتنظيمات المسلحة السنية التي تُصنف ضمن التنظيمات الإرهابية بالإضافة إلى تنظيم داعش الإرهابي “المحظور عالمياً” على المحافظات السنية وإعلان إقليم سني، مع احتفاظ الأكراد على حدودهم الاقليمة بالإضافة إلى أعطاهم الحق في فرض السيرة على المناطق المتنازع عليها في الشمال وإخضاع السلطة المركزية إلى قرارات ومفاوضات تصب في صالح التنظيم ألبعثي المحظور في العراق وباقي التنظيمات المسلحة الأخرى وإعطاء دور اكبر للمكون السني في تشكيل الحكومة المركزية والحكومات المحلية بكافة توجهاته وتنظيماته بديلا عن قرار الإقليم السني.
العامل الثاني: الطبيعة السكانية للمحافظة ساهم في سرعة السيرة عليها من قبل التنظيمات الإرهابية فان غالبية سكانها هم من العرب السنة وممن تنشط عندهم التنظيمات والفصائل الجهادية! والإرهابية في المحافظة من أمثال تنظيم كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي وجيش النصرة وتنظيم داعش والحركة النقشبندية وتنظيم حزب البعث المنحل والضباط السابقين في الجيش العراقي وغيرها من التنظيمات الذين اجتمعوا على إعلان سيطرتهم على المحافظة في زمن واحد مما شكل نقطة قوة لهم في الهجوم.
العامل الثالث: خيانة بعض الضباط الأكراد والعرب مما هم في الجيش العراقي المتواجد في المحافظة واستخدام الطابور الخامس في زعزعة عزيمة القوات الأمنية المرابطة في المحافظة وتوجيههم الأوامر إلى أفراد الجيش في ان يرموا بأسلحتهم ويخلعوا ملابسهم العسكرية وان يتوجهوا إلى إقليم كُردستان للحفاظ على أرواحهم، مما يكشف لنا عن حج المؤامرة التي حيكت للسيرة على محافظات العراق.
العامل الثالث: انعكاف أبناء المحافظة على أنفسهم وابتعادهم عن مساندة الجيش العراقي في حربه على الإرهاب كان سبباً في سهولة سيطرة مسلحو داعش على المحافظة، وربما يعود سبب ذلك الانعكاف إلى عدة عوامل قام بها الجيش العراقي في المحافظة من ناحية تجريد الإلهي عن السلاح “وربما يوجد له سبب مقنع وهو الخوف من انضمام الإلهي إلى تلك التنظيمات المسلحة” وأيضا الضجر والملل لدى غالبية سكان المحافظة من طريقة التفتيش والأسلوب الذي يتخذه الجيش وكثرة السيطرات وقطع الطرق ونقص في الخدمات مما ولدَ اليأس والإحباط لدى الناس من التوجه للوقوف إلى جانب الوقوات الأمنية ومساندتها في الدفاع عن بيوتهم وأرضهم من الإرهاب, وغيرها من العوامل التي ربما تخفى علينا.
وعلى العموم فإننا نعول على العامل الأول كثيراً في سبب سقوط محافظة الموصل بين التنظيم الإرهابي المعروف بداعش.
فبعد سيطرة التنظيم على المحافظة وتحديداً في صبيحة يوم الجمعة وبعد الانتهاء من فريضة الصلاة يتم الإعلان عن قوانين الدين الجديد الذي ظهر في الموصل وما يحمله من أفكار وتوجهات قمعية وتكفيرية ورجعية خطيرة جداً وتهدد امن واستقرار الحياة البشرية مما تجعل أهل المحافظة يعيشون في قلق نفسي
واضطراب دائم وعدم معرفة ما يؤول إليه مصيرهم في الأيام القادمة وهم يشاهدون أنفسهم أمام قوانين سوف تصبح ملزمة لهم وعليهم إما إتباعها أو الفرار من المحافظة وترك ما يملكون فيها والعيش في مخيمات اللاجئين والمهجرين.
فقوانين الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” الإرهابي لا ترحم كل من يخالفها ولا تتهاون في إصدار العقوبات التي تصل إلى القتل والإعدام والجلد.
فقد أعلنوا صراحة عن قائمة تزيد عن سبعة عشر نقطة تتضمن تعليمات الدين الجديد التي سوف يقوم باتخاذها التنظيم من تهديم الأضرحة المقدسة للأنبياء والمزارات والكنائس والمعابد والحسينيات ومن حرمة المباحات من أمثال مشاهدة مباريات كرة القدم وحرمة بيع وتدخين السكائر وعدم خروج النساء من البيوت وحرمة الانتماء إلى الجيش والشرطة العراقية وغيرها من القوانين والأنظمة القمعية مما يشعرك بخطر وكفر هذا التنظيم الذي يحاول السيطرة على العراق وعلى بعض البلدان الأخرى.
فان التنظيمات الإرهابية اليوم تشكل خطر كبير ليس على العراق وسوريا واليمن وأفغانستان فقط بل تشكل خطر كبير على الدول العربية الأخرى وعلى العالم بأسره وان الإرهاب
لا يستثني أحداً ولا طائفتاً ولا مذهباً دون أخر وعلى الجميع ان يعمل بجد وإخلاص لتخليص العراق من هذا السرطان المعدي.
فان الدين الجديد الذي ظهر في الموصل اليوم إذا لم يُحارب من الكل فسوف يصل إلى الكل وعندئذٍ سوف يخسر الجميع ومن دون استثناء.