23 ديسمبر، 2024 9:08 ص

الدين الابراهيمي الجديد

الدين الابراهيمي الجديد

في العالم كثير من الديانات المختلفة . ولكن الديانات التوحيدية ثلاثة هي اليهودية والمسيحية والاسلام . وهذه الديانات التوحيدية تنتسب الى النبي ابراهيم عليه السلام، الذي يسمى اب الانبياء لعدم وجود خلاف عليه لدى هذه الاديان .
ومن هنا جاءت الدعوة الى وحدة الاديان التوحيدية ، تحت مسمى الديانة الابراهيمية العالمية .

تم طرح هذا المشروع على وفق مفهوم جديد لحل النزاعات والصراعات السياسية ، وعلى الاخص في منطقة الشرق الاوسط ، وهذا المفهوم يستند على “الدبلوماسية الروحية”، لتتداخل خلاله الأديان الإبراهيمية ألثلاث في دين ابراهيمي واحد .

وقد نشطت مراكز بحوث سياسية ودينية ومخابراتية للترويج لهذه الفكرة .

وبالرغم من اننا نحترم كل الاديان على اختلاف انواعها ، الا اننا نجد في هذه الدعوة كلمة حق اريد بها باطل ،

حيث إن الأمر يتطلب الوقوف مليا على هذا المشروع وتوقيته . وعما اذا كان يهدف حقًّا الوصول الى التسامح والسلام العالمي؟ أم له أغراض سياسية بعيدة تجاه منطقة الشرق الاوسط وشعوبها ؟

يبدو لي ان هناك مخططا جديدا يستهدف هذه المنطقة تحت لافتة الدين الجديد ! . فبعد ان تم القضاء على الفكر اليساري والقومي ، تم احلال المفاهيم السياسية الاسلاموية بعد شيطنة ثورات الربيع العربي ، او بالاحرى اسلمتها .
ثم جاء دور تدجين الشعوب بلافتات تصالحية انسانية وسلمية لتسهيل السيطرة عليها نهائيا من اجل الاستحواذ على مواردها وابتزازها ، والتوغل في اوطانها لما لها من نفحات روحية تاريخية .

واذا عدنا الى الوراء قليلا نجد ان غزو العراق قد تم تحت لافتات دينية من قبل رئيس الولايات المتحدة الامريكية الاسبق جورج بوش الابن ، الذي اعتكف في الكنيسة خلال فترة الغزو . وهذه الادعاءات الكاذبة باسم الدين جاءت من دولة علمانية ، تمثل قمة التطور العلمي والتكنولوجي ، وما الشعارات الدينية الزائفة الا غطاء للغزو الامبريالي لتحسين صورته ، وتظليل الرأي العام العالمي .

وقبل ذلك نجد الدعوة لانشاء وطن قومي لليهود تحت لافتات دينية يهودية رغم ان المحتلين الصهاينة للارض الفلسطينية لم يكونوا متدينين حقا . وقد خاطب بن غوريون الميليشيات اليهودية قبل انشاء دولة اسرائيل على الارض الفلسطينية بقوله انكم يجب ان لاتعتمدوا على الرب في حربكم للعرب بل على سلاحكم ! .

كما نجد اليهود الان غير ملتزمين بالتفاصيل والتعاليم الدينية فيما عدا الارثذوكس وهم قلة . كما ان حياتهم تتجه باسلوب علماني مدني بعيد عن التفاصيل الدينية ، فانظر الى حجم التقدم العلمى فى إسرائيل مقارنة بدولنا .
فإسرائيل تحتل المركز الثالث في تكنولوجيا المعلومات، وتقدم شهرياً بحوثا علمية متقدمة تزيد عن أربعين بحثا . وتحتل المركز الرابع في العالم من حيث النشاط العلمي .

ولكن قادة الدولة العبرية قد اتخذوا من الدين وسيلة لمد نفوذهم وتوسعهم .

وبالمقابل ماذا فعلنا نحن العرب والمسلمون غير التمسك باوهام العودة الى الماضي المجيد . والتعصب الديني الطائفي ، الذي يترافق مع التركيز على الطقوس الدينية الشكلية والدعوة الى التخلف باسم السلف الصالح ! . فتم انشاء دولة الخرافة الاسلامية في بلاد العراق والشام ، لتعيث في الارض فسادا ، وفي البشر تقتيلا باسم الدين .
وكذلك الدعوة الولائية لولي الفقيه في ايران ! التي حرصت على الفساد والابتزاز ، واختطاف المواطنين ، والإعدام الميداني والتهجير .
وكلاهما عملا تخريبا وقتلا باسم الدين والمقدسات حتى اصبحت مدننا العربية حطام واطلال خربة ، واصبحت شعوبنا موجات مهاجرة تسكن الخيام ، نتيجة الصراعات والنزاعات الدينية الطائفية التي تسببت في اقتتال العرب والمسلمين بعضهم لبعض ، لامن اجل الدين ، وانما من اجل الطائفة والمقدسات الزائفة . وقد تركوا القيم الاسلامية العليا بتحريم القتل ، واحترام الغير والصدق والامانة والنزاهة ، وغيرها من مكارم الاخلاق التي ابتعدوا عنها كثيرا ، وحل محلها الدجل والشعوذة وسلب اموال الغير ، والفوضى الفكرية والاخلاقية بدعاوى مذهبية مضللة . وغيرها من اسباب الانحطاط الانساني .

ان الدعوة للتحديث او الصحوة العربية الاسلامية لاتكمن في نبذ الدين ، وانما بالابتعاد عن الافكار والممارسات المتخلفة باسم الدين ، اليس كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . كل ذلك حتى نبقى نراوح في مكاننا بحجة ان التقدم والفكر الحضاري هو بدعة وتقليد للغرب الكافر ! .
من قال ان التحضر بدعة ، ومن قال ان الصدق والامانة من قيم الغرب .

والان جاءت الدعوة للديانة الابراهيمية المظللة كمرحلة استعمارية بثوب جديد ، ومكملة لمخطط اشاعة السلوك المتخلف الحالي للعرب والمسلمين المعادي للتقدم ، والمنافي للانسانية، لتضع حدا نهائيا لتطلعات الشعوب من اجل مستقبل زاهر لها ولاولادها ، وللاستحواذ على ماتبقى من قدراتها ومواردها باستعمار فكري جديد تحت مسميات دينية .

ان الدين بضاعة رائجة ، وهم يستخدموه غالبا لتحقيق مصالحهم ، ونستخدمه نحن من خلال التخلف والدجل والشعوذة لصالحهم ايضا !
فمتى نستفيق من غفلتنا !