19 ديسمبر، 2024 1:16 م

الدين أفيون “الجعوب”

الدين أفيون “الجعوب”

لم تعد الشعوب شعوباً كما كانت أيّام زمان , يوم لم تكن هنالك لا موبايلات ولا شاشات عرض اقرب للمزامنة الحيّة ولا مسلسلات رمضانيّة منعشة ولا ملاعب كرة وثيرة ولا ألعاب بلاي ستيشن سوى “المحيبس” يفرغون مهضمهم من طعام “الفطور” بحماسة تلك اللعبة لحين وصول “السحور” , وفوانيس و”ماجينة” تدفع الصبية والأطفال لتسريح ما عبّئوا بطونهم به من مائدة الإفطار لحين إيقاظهم على قراع “أبو طبيلة”

نحن مقبلون على حكومات تدار بيد من حديد هذه المرّة “من مركزها العام” كما تدار بيادق العاب البلاي ستيشن , ومعها “الجعوب” طبعاً ! لا الشعوب , وكما يُدير المخرج أشهر دراميّون وأكثرهم إثارة للتهريج وأعمال التسطيح العقلي , لسنا مقبلون بل بدأنا نغوص أوحال التبعيّة والانبهار بملذّات المخترعات العلميّة لكنّها , وبسب طبيعة انعكاسات المبالغة في أدائها الخدمي , بالنيابة بدأت تعيدنا إلى عصور الاستعباد مباشرةً , أنت تستعبد هذه ومن صنعها يستعبدك أنت بها , تلك هي المعادلة “العالميّة” المقبلة علينا بقوّة , ذلك نكتشفه فيما لو تتبّعنا دورة رأس المال , وبالتالي , فمن منّا اليوم من يستطيع الاستغناء عن الموبايل مثلاً ؟ ومن يريد تجربة حظّه العاثر فليترك جهازه هذا ويبلغ أصدقاءه بذلك ! سوف يتركه أقربهم سيركنونه في غياهب النسيان إذ لا وقت للاطمئنان عليه ! .. الشعوب كانت تهيج وتموج إذا وطئت قدمي غريب أرضها تشعلها ثورة من الاصقاع إلى الاصقاع ولو كان الخصم بحجم امبراطوريّة , الآن في عصر النقل المباشر والكلام المباشر و “التقصّي” المباشر والتسوّق المباشر والدفع المباشر و”القصف والغزو” المباشرين و”الاستسلام” المباشر والافلاس المباشر بات أمراً عاديّاً وكانّه طبيعي لا مانع فيه يدخل ويخرج “الغريب” طالما الآذان والصلوة  وما بينما وما حواليهما والحضور يتنعمون بالصقيع في عزّ آب , وطالما تنقل الشعائر مباشرةً بأحدث أجهزة النقل الفضائي وتعرض على المتديّن بيسر حتّى لم يعد بإمكانه المفاضلة وهو مخدّر “بطيب الكلام” أين يمدّد ساقيه على الأرض أمّ على السجّادة أم فوق “قنفة” , “مدلّلاً” وهو في بيته ! , وقريباً ستنتقل صور أشهى المأكولات المعروضة لفطور الصباح أو للفطور الرمضاني بروائحها الزكيّة المسيلة للدماء قبل اللعاب , يعني الطعام وروائحه معاً ستصلنا عبر الأثير , ولربّما بعدها إثارة غرائز الشبع بالريمونت أو برمشة عين أو ننادي غريزة الشبع كما ننادي رقم قناة التلفاز ! .. مصحف مطبوع بأناقة يلمع كمساجد العقود الأخيرة “ذهب ذلك الزمن تحتاج لنفرين لقلب صفحة منه !” طبعا نحن نمتطي أرقى تكنولوجيا الاستدراج ينتقلون بنا “ذوي الشأن” رويداً من دون أدنى إزعاج أو خوف مخافة أيّ اهتزاز أثناء عمليّة النقل , من عصور الشعوب المزعجة إلى عصر “الجعوب” المرفّهة المؤنّسة , ندخل عالم مَكنَنه لنا التقنيّون بما ينسينا الصديق والحبيب والعدو جميعهم راقدون إنّه عصر يفرّ فيه المرء من صاحبته وبنيه وأمّه وأبيه .. عصر أركن “الحِرفة” وعمل بأدواته الجديدة , فمن القلب إلى القلب , إلى تكنولوجيا تفكّر بالنيابة بقلب روبوت لا يعرف معنىً لقلب من شحم ودم فيه رحمة , نحن في “جعب” العصور السالفة خلط فيها اللحم بنشارة الحديد , عصر إن توقّف فيه قلب أيّ منّا سيجد من ينعشه بقلب من حديد غريب لا علاقة تربطه ببقيّة الجسد  .. فلا ضير من الآن أن نتقبّل فكرة “نزول مارينز” 4000 منهم في بغداد مثلاً ! فالفضاء والنت ينقلان لنا ما نستلذّ به كلّ لحظة ! لأنّ قلوبنا باتت كالحديد لا قبل عشر سنين عندما نزل نفس المارينز ! .. أين منها هيجان عشائر العراق بوجود “كافر” واحد تسلّل بالخطأ إلى أراضيها ! .. لم يتنطّع جمهور العراق سابقاً بالدين ولم تعرض خطبهم على شاشات التلفاز وأيّ مرجع او شيخ هو مواطن عادي يسير في الأسواق على قدميه وينصح الناس إن تقبّلوا نصائحه ومنهم من يقذفه بالحجر أو يصيح بوجهه ! لا متحدّث له , ولا حمايات , ولا مكتب يصرّح من وراءه عبر سكرتيره الخاص أو في المستقبل سكرتيرته ! لا إله إلاّ الله هو الخلاصة في وعي تلك الشعوب الجمي برلمانيّون , لم تعرف الشعوب الحيّة ولا “المتفقّهون في الدين” شيء اسمه انتظار ميزانيّة ليهيجوا ويموجوا من خبر جنود أغراب يطوفون بلادهم , طالما الغريب لا يقبل هو نفسه يجوس بلاده غرباء ,  مثل هذا يوجد فقط عند شعوب حوّلهم الدين التكنولوجي إلى هوامش يمكن تكرارهم بسهوله على شاشات الفوتوشوب ينتصر بهم وهم جالسون في بيوتهم ! .. سألت نفسي , حين رأيت ما فاق لحظات اعلان احتلال بغداد , كتلة جبليّة من الشحم واللحم واضح لا حياء ولا حياة فيها , تنهال على عراقي منّا , “مهما اختلفنا معه” فهو منّا من لحمنا ودمنا , ينهال عليه هذا اللطع ضرباً بلا حياء ولا رائحة من آدميّة لم يفعله جيوش الغزاة عد دخولها بغداد , هل سيقبلها أيّ فرد تونسي أو مغربي أو غيرهما يجوس بلده عراقيّون داعشيّون مثلاً مثل ما فعل هذا التونسيّ القذر إن لشكله فوراً تكره محمّد والله والإسلام معاً ! .. أنا جال بخلدي ساعتها هكذا ما إن رأيت مشهد أسرى من جنود عراقيّين يهانون بيد ملتح تونسي أو ليبي خارج من زنازين من بطون الجحيم  وتلعن ذلك اليوم الّذي جاس فيها خالد بن الوليد أو سعد بن وقّاص ديار العراق “يبشّر بالدين الجديد” اسمحوا لي فهكذا هجست انتشار الإسلام سابقاً وهو غير هذا بالتأكيد لكن منظر الداعشيّ هذا سيمحون ذاكرة إسلام تربّينا عليه ! .. هل يقبلها على نفسه عراقي يرى أخاه ببدلته العسكريّة الخاكيّة الّتي هي عندي أقدس من أقدس مقدّسات هذا التونسيّ السافل حتّى لو كان يقوده من يده محمّد ص بنفسه إن كان يقبلها , هل نرضها وأخونا أسير يتلقى الضربات بيد هذا المهووس وفي عقر ديارنا!! لعنة الله على المناصب والكراسي “وعلى المشاريع والخدمات والكهرباء” إن تأتينا عن طريق مثل هذا العثّ المردّد الله اكبر ! أيّ إله هذا راكن إليه “جعب” العراق وأخوته عسكر العراق يهانون باسمه بأيدي قذرة زاعتها علينا صحراء أفريقيا كما زاعتهم علينا من قبل .. والله لإله من تمر أطيب عندي وأزكى رائحةً وألذ من مثل هكذا إله يبشّرنا بهذا العث والعثاث ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات