مما لا تنتطح فيه عنزان ، إن وشائل النشر المرئية – كالفضائيات والمواقع الانترنيتية والمطبوعات – (الاباحية) الـ (Porno) تشكل خطراً على الأفراد وسلوكهم ، ولكنها ، وبموجب التزاحم و (المساوءة) ، فإنها تعتبر أقل وأخف وطأة وخطورة على المجتمعات من وسائل النشر(الدينية) المسيسة والمتطرفة والتكفيرية ، بأشكالها المتعددة كالمرئية أو المسموعة أو المقروءة – وسواء كانت مسيحية أو يهودية أو شيعية أو سنية أو بوذية أو غيرها .
والمقارنة هنا ليست من باب (المفاضلة) ، وإنما من باب (المساوءة) ، لأن المقصود من هذه المقارنة ليس إثبات (أفضلية) الإباحيات على (الدينيات) المتطرفة والمسيسة ، وإنما هي من باب إثبات أن وسائل الاعلام الدينية المتطرفة والمسيسة هي (أسوأ) من الاباحيات ، إذ المقارنة تدور بين (السئ والأسوأ) ، وليس بين (الفاضل والمفضول) ، وهذا قريب من خطأ شائع يقع فيه البعض حين يفاضل بين (السلطة الديكتاتورية السابقة) والسلطة (الحالية) في العراق ، حيث المفترض أن هناك (سئ وأسوأ) وليس (فاضل وأفضل) أو (جيد وأجود) .
وهذا كله استباقاً للفهم المتوقع من قبل (البعض) ، والذي سيتحفنا بمقولة أن (كاتب المقال يفضل الاباحة على الدين) أو أن (كاتب المقال يبرر لوجود الاباحيات في المجتمع) .
إن المقارنة بين خطورة الاباحيات ، وخطورة الدينيات المتطرفة تقودنا إلى مجموعة من النقاط المهمة التي من خلالها يمكن أن نبرر لعنوان المقالة أعلاه ، والتي يمكن حصر (أهمها) في ما يلي :-
1/ إن الغريزة الجنسية ولدت مع الانسان كغريزة (مغطاة) ومخفية وتميل نحو (السرية) ، ولذا ، فإن مشاهدة (الاباحيات) غالباً ما تكون فردية وشخصية ، و (سرية) ، وخلف الأبواب المغلقة ، خصوصاً في المجتمعات الشرقية والاسلامية ، وغالباً ما يحرص (المشاهد) على حماية نفسه من إمكانية وجود من يراه ويسمعه أو يتلصص عليه حين يشاهد هذه الاباحيات ، بيد أن مشاهدة (الدينيات) عموماً تعتبر مشاعة ومحببة أو طبيعية أو مفضلة لدى الأفراد ، ومن هنا فوسائل الاعلام الدينية تمتلك القدرة الأكبر على الانتشار .
2/ إن رب الأسرة أو المتسلط عليها أو الأخ الأكبر – وإن كان ممن يشاهد الاباحيات – فهو ينتفض ويمنع ويحاسب ويعاقب أي فرد من أفراد الأسرة حين يجد بأنه يتابع هذه الاباحيات ، بيد أن الكثير من أرباب العوائل والأسر يدفعون أسرهم – بصرف النظر عن فئاتهم العمرية – على مشاهدة القنوات والمواقع الدينية ، وبالتالي ، فهذه الدينيات ضامنة لدخولها إلى البيوت بشكل انسيابي وطبيعي .
3/ إن الاباحيات تتعامل مع (غرائز) الانسان ، وهذه الغرائز تتفاوت قوتها وشدتها حسب إختلاف الأعمار وإمكانية السيطرة عليها ، ولها روادعها الدينية والبيئية والأسرية ، بيد أن الدينيات تتعامل مع علاقة الانسان بالقوة الخفية التي يشعر بقدسيتها وأهميتها في تحديد حياته وآخرته ، وبالتالي فالدينيات تكتسب أهمية كبيرة في نفسية الانسان ، أكثر مما تكتسبه الاباحيات في حياة الانسان ، وهذا يمنحها التأصيل في المعتقدات والفكر .
4/ إن الاباحيات على خطورتها قد لا تتعدى إصابة الانسان بأمراض نفسية تتعلق باضعاف غريزته الجنسية ، أو تقويتها لتكون دافعاً للتلصص أو التحرش الجنسي ، أو ربما كانت سبباً لزيادة ثقافته الجنسية ، بيد أن (الدينيات) يمكن أن تحدد سلوك الانسان وتعامله مع الآخر ، وبالتالي في تشكل جزءاً من سلوك الانسان .
5/ إن الاباحيات غالباً ما تكون وسيلة (إفراغ) في لحظات هياج الرغبة الجنسية ، بيد أن (الدينيات) هي عكس ذلك ، حيث تكون دائماً وسيلة (إملاء وامتلاء) ، ولذلك ، فالدينيات تمتلك القدرة على توجيه و (قيادة) الانسان وتحديد سلوكه ، وبسبب قدسية محتواها فمخالفتها يعتبر خرقاً للقيم والمبادئ والمتبنيات .
مما ورد في النقاط السابقة يمكن أن نفهم تأثير وسائل الاعلام والنشر الدينية على حياة الانسان ، وبالتالي ، فحين تتحول هذه الوسائل إلى أدوات لنشر التكفير والتطرف والشحن الطائفي ، فيمكن أن تتحول إلى أسلحة دمار شامل داخل المجتمع ، ويمكن من خلالها إيجاد أفراد ومجتمعات تمتلك الشهوة والقدرة والقابلية والاستعداد على تغييب ومصادرة وقمع وقتل الآخر ، وحتى (الانتحار) بحزام ناسف ، تحت غطاء مقدس ، يصبح فيه القاتل المجرم (مؤمناً) تقياً يستحق تناول وجبة (طعام) مجانية ، مع أحد الأنبياء في عليين .