بالرغم من عدم قُدرة عقولنا البسيطة في إستيعاب وإحتواء قوانين عالم الإقتصاد والمال حين ظلّت مُتوقفة عند أبجدياته، إلّا أنّ سنوات الحصار العِجاف التي تأبى مُغادرة مُخيّلتنا نحنُ الذين عِشنا أيامها وسنواتها الصعبة حين كان مقدار العُملة وثمن الحاجة يُقاس بوزن تلك الكُتلة النقدية بِميزان الفواكه والخضروات بعد ان خصص النظام السابق مطابع خاصة لِطبع العُملة المحليّة، حينها كان راتب الموظف لايُعادل أكثر من دولارين في ذلك الزمن الصعب، وقتها كان الدينار العراقي ينهار يومياً مُعلناً إنهزامه أمام الدولار لِيُحطّم كل معالم الحياة المعيشية للعراقيين ويُصعّب أمورهم ويزيدها تعقيداً وعجزاً أمام توفير لُقمة العيش.
عُملة الدينار أصبحت في ذلك الوقت أرخص من سعر اللاصق الشفاف الذي يتم فيه لصق العُملة المُمزّقة.
بعد أكثر من عقدين من تاريخ ذلك الزمن المُرّ في فم العراقيين يبدو أنّ هُناك من يسعى لِتكرار التجربة في طبع العُملة العراقية وزيادة الكُتلة النقديّة في الأسواق بِحُجّة تذبذب وإرباك سعر الدولار في السوق وإرتفاعه بِشكل تدريجي خصوصاً وأن هذا الصعود ينال رِضا المستفيدين بِدليل ذلك السُكوت والتغاضي عن مُحاولات إرتفاع العُملة الخضراء في السوق، بل والتصريح أن الصعود طبيعي والأمر مُسيطر عليه.
هل هي نوايا مقصودة أو غير ذلك؟ لا أحد يعلم فإتجاهات البوصلة قد ضاعت، الإقتصاد العراقي ربما يُرسَم له صورة مُشابهة للسيناريو اللبناني في إنهيار عُملته لعدم وجود خُطط إستراتيجية أو تخطيط إقتصادي يحفظ له توازنه وذلك الشبح المُخيف من الفساد الذي بات يُلقي ظلاله بشكلٍ طاغٍ على المشهد السياسي في العراق.
إرتفاع أسعار الدولار في الأسواق المحلية وتلك الحرب التي تُعلن ضد المواطن البسيط تؤشر إلى يقين بأنّ البلد يسير إلى هاوية الإنهيار الإقتصادي مثل صورة لبنان البلد الذي ضيّعته منظومته السُلطويّة وتاه مُستقبل شعبه في المجهول.
لايحتاج النظام السياسي أن يُبرهن أن الحفاظ على سلامة عُملته الوطنية يدخل من باب السيادة وقوة الإقتصاد الوطني التي تسعى الدول جاهدة من أجل الحفاظ عليها في مُستويات مُرتفعة إلّا العراق ذلك البلد الغارق في وحل التبعيّة والرضوخ لِقوانين الغير من خلال إهانة عُملته الوطنية وربطها بالدولار مع إن التجارب أثبتت خطأ وخطيئة ذلك الفِعل كالتابع الذي تقوده الورقة الخضراء، حيث عاثتْ فساداً وجوعاً بالعراقيين في ذلك الزمن الماضي والحاضر.
مايُحاول البنك المركزي العراقي من تِكرار خطأ الماضي من خلال زيادة الكُتلة النقدية للعُملة العراقية وضخّها في الأسواق ظناً منه انه سيتجنّب الإنهيار، ماهو إلّا وهم لِترقيع الأزمة وزيادة مساحات المُشكلة التي وقع بها من حيث يدري أو لايدري في بديهية وإستنتاج مؤكّد لِنظريات إقتصادية يُصرّح بها إقتصاديين كان يُمكن العمل بها في فك إرتباط الدينار بالدولار والعمل على تحسين قيمته من خلال التعامل مع عُملات دولية أخرى مثل اليورو أو حتى اليوان الصيني كما تفعل بعض الدول العربية، لكنها مُشكلة التبعيّة والإنقياد ومشاكل نفسية مُعقّدة تأبى مُغادرة مخيلة الذين حكموا البلاد وهو شعورهم بالإنقياد وتلك هي مُشكلة العراق المُبتلى.
يبقى السؤال هل سيكون مصير الدينار العراقي سقوط البلد في قعر الإفلاس والإنهيار الإقتصادي مثل سيناريو الليرة اللبنانية التي فقدت الإعتراف والشرعية بها؟.
من المؤكّد أن تشابه الظروف وتطابق الأنظمة وفساد المنظومة السياسية للبلدين ربما يوحي بأن المُخرجات ستكون مُتشابهة وربما واحدة وهو ما لانرجوه لِبلد مثل العراق.