18 ديسمبر، 2024 7:36 م

الديموقراطية واستبداد الأغلبية

الديموقراطية واستبداد الأغلبية

الديموقراطية في مفهومها التقليدي هي حكم الشعب . وتستند على مبدأ فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية . ويشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين لاختيار ممثليهم في الحكم . وتعتمد مبدأ تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.

يرى المفكر النمساوي كارل بوبر أن الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يستطيع الناس من خلاله تخليص أنفسهم من قادتهم دون عنف وإراقة دماء.

ان الديمقراطية بمعناها الصحيح تؤكد على احترام حرية الفرد ، وضمان مشاركة كافة المواطنين في بناء الدولة والحفاظ عليها ، كما تضمن حرية الرأي في المجتمع الواحد .
ومن الضروري تمثيل كل فئات المجتمع في مواقع القرار الحكومي حتى لو كان حجمها قليلاً .
ولايجوز بأي حال من الأحوال أن تتحول الديموقراطية الى ديكتاتورية الأغلبية لتفرض قراراتها عنوة على بقية أطياف المجتمع . .

ونقصد بدكتاتورية الأغلبية هنا في الدول التي تسود فيها أحزاب دينية اوأثنية ، والتي تخفي توجهاتها الطائفية او الشوفونية تحت مسميات وطنية ديموقراطية أو تقدمية .

وفي هذه الدول تسعى الاغلبية الى تحقيق مصالحها على حساب الأقليات .

كتب الفيلسوف والاقتصادي البريطاني جون ستيورات ميل في كتابه عن الحرية أن ذلك سيؤدي إلى اضطهاد مجموعات الأقليات الشبيه بما يمارسه الطاغية أو المستبد .
وبذلك تتحول الديموقراطية الى ديكتاتورية الاغلبية .

في اغلب الدول الديموقراطية في العالم ، التي تتبنى دستور متطور قائم على أسس حديثة ، يحظر فيها تشكيل أحزاب طائفية او فئوية تقسم المجتمع الواحد ولاتتمسك بالهوية الوطنية .

وأصبح المفهوم الحديث للديموقراطية أن تكون ليبرالية المضمون والمحتوى . بمعنى ضمان الحريات والحقوق العادلة للأفراد والاقليات او الجماعات المختلفة من استبداد الاغلبية . وهذا هو جوهر الديمقراطية الحديثة .
وقد تم التوافق على الحريات والحقوق الاساسية للافراد في الدول المتقدمة وكالاتي :

1_ ان جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق .
2_ حق الفرد في التمتع بجميع الحقوق دونما تمييز بسبب اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين او الطائفة .
3_ ضمان حرية الفكر والعقيدة .
4_ حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، وحق تقلد الوظائف العامة للجميع .
5_ الحق في إنشاء منظمات المجتمع المدني ، كالنقابات والجمعيات والاتحادات .
6_الحق في التعلم . والتعليم المجاني للمراحل الأولى . وعدم تضمين المناهج لأي إشاراة أو تعبير ينحاز لاي طائفة أو دين .

وهكذا فان المفهوم العام للديمقراطية لا يقتصر على الانتخابات فقط وانما تجنب ديكتاتورية الاغلبية وتعسفها أيضا .
والدولة الحديثة تتكون من مؤسسات عامة لا تميز بين مواطنيها بالعقيدة اوالدين اوالجنس اواللون .

أن ديكتاتورية الاغلبية نراه في الدول الثيوقراطية الدينية و الفاشية. والديموقراطية عندهم تقتصر على الوصول إلى السلطة ، ومن ثم الاستئثار بها ، مع تأكيد السلوكيات والممارسات المتناقضة مع الديمقراطية والحرية بدعوى خصوصية الدين او العقيدة ، رغم تعارضها مع حقوق المواطنة ، إضافة إلى تجاهل شرعة حقوق الإنسان .

وخلاصة القول أن الأغلبية في الديموقراطيات الحديثة ، هي أغلبية سياسية شعبية وليست هيمنة فئة واحدة من فئات المجتمع على بقية الطوائف والأديان والاثنيات . وإنما أغلبية تستند على أحزاب سياسية ذات أسس وبرامج غير فئوية ، تحمي حقوق المواطنين كافة ، بغض النظر عن الدين أو القومية أو الطائفة . وماعدا ذلك فانها ستتحول الى ديكتاتوريات مقيتة بواجهة ديموقراطية .