ورد في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأيلول/2013 ما يلي :
(( العراق أظهر لنا بأنه لا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة )) …
من هنا ؛ يجب أن نتجول سريعاً لأجل تذكيرنا بالديمقراطية ومظاهرها ، لكي نرى ؛
هل نحن نعيش ظروف الديمقراطية ، أم نحن نتمظهر بالديمقراطية في عراق اليوم ؟!!
هل حققت أمريكا ديمقراطية في عراق ما بعد 9/4/2003 ــ وهي غائبة قبل ذلك التاريخ ــ !!؟
هل فشل مشروع الديمقراطية العراقية بعد عقد من الزمن الصعب ؟!!
مفهوم الديمقراطية :
الديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيرا ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ “الديمقراطية” لوصف الديمقراطية الليبرالية خلطا شائعا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الليبرالية تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات ، وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات اللا ليبرالية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في أخرى يظهر في العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظام الديمقراطية الليبرالية أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديمقراطيّة كالصين التي تدّعي الديمقراطية الشعبية .
ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على معنى ضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع، والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية.
مظاهر الديمقراطية :
أولاً / الاستقرار السياسي: من النقاط التي تُحسب للديمقراطية هو أن خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم، تهدف من خلاله الديمقراطية إلى تقليل الغموض وعدم الاستقرار السياسي، وطمأنة المواطنين بأنه مع كل امتعاضهم من السياسات الحالية فإنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآرائهم. وهذا نظام أفضل من الذي تحدث فيه التغييرات عبر اللجوء إلى العنف. البعض يعتقد بأن الاستقرار السياسي أمر مفرط إذا ما بقيت المجموعة الحاكمة في مدة طويلة على سدة الحكم. ومن ناحية أخرى هذا أمر شائع في الأنظمة غير الديمقراطية.
ثانياً / التجاوب الفعّال في أوقات الحروب : إن الديمقراطية التعددية كما يظهر من تعريفها تعني أن السلطة ليست مركزة. ومن الانتقادات التي توجه إلى الديمقراطية أن عدم تركز السلطة هذا في الديمقراطية قد يكون من السيئات إذا كانت الدولة في حالة حرب حيث يتطلب الأمر رداً سريعاً وموحداً. فعادة يتعين على البرلمان إعطاء موافقته قبل الشروع بعملية عسكرية هجومية، رغم أن بإمكان الفرع التنفيذي أي الحكومة في بعض الأحيان القيام بذلك بقرار خاص وإطلاع البرلمان على ذلك. ولكن إذا ما تعرض البلد الديمقراطي إلى هجوم عسكري فالموافقة البرلمانية لن تكون ضرورية للشروع بالعمليات الدفاعية عن البلاد. بإمكان الشعب أن يصوت قرار بتجنيد الناس للخدمة في الجيش. أما الأنظمة ملكية ودكتاتورية فتستطيع من الناحية النظرية في حالات الحرب التصرف فوراً وبقوة. ولكن مع ذلك تشير البحوث الواقعية إلى أن الديمقراطيات مهيأة أكثر للانتصار في الحروب من الأنظمة غير الديمقراطية. وتفسير ذلك أن السبب الرئيس يعود إلى “شفافية نظام الحكم واستقرار سياساتها حال تبنيها” وهو السبب وراء كون “الديمقراطيات قادرة أكثر على التعاون مع شركائها في خوض الحروب”. هذا فيما تُرجع دراسات أخرى سبب هذا النجاح في خوض الحروب إلى التجنيد الأمثل للموارد أو اختيار الحروب التي فيها فرص الانتصار كبيرة.
ثالثاً / انخفاض مستوى الفساد: الدراسات التي أجراها البنك الدولي توحي بأن نوع المؤسسات السياسية الموجودة مهم جداً في تحديد مدى انتشار الفساد: ديمقراطية، أنظمة برلمانية، استقرار سياسي، حرية الصحافة كلها عوامل ترتبط بانخفاض مستويات الفساد.
رابعاً / انخفاض مستوى الإرهاب: تشير البحوث إلى ان الإرهاب أكثر انتشاراً في الدول ذات مستوى متوسط حريات سياسية. وأقل الدول معاناة من الإرهاب هي أكثرها ديمقراطية.
خامساً / انخفاض الفقر والمجاعة: بحسب الإحصائيات هناك علاقة تبادلية بين ازدياد الديمقراطية وارتفاع معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد وازدياد الاحترام لحقوق الإنسان وانخفاض معدلات الفقر. ولكن هناك مع ذلك جدل دائر حول مدى ما يمكن أن يُنسب من فضل للديمقراطية في ذلك. وهناك العديد من النظريات التي طُرحت في هذا المجال وكلها موضع جدال. إحدى هذه النظريات هو أن الديمقراطية لم تنتشر إلا بعد قيام الثورة الصناعية والرأسمالية. وما يبدو للعيان من أدلة من خلال مراجعة الدراسات الإحصائية تدعم النظرية القائلة بأن ازدياد جرعة الرأسمالية – إذا ما قيست على سبيل المثال بواحد من المؤشرات العديدة للحرية الاقتصادية والتي استخدمها محللون مستقلون في مئات من الدراسات التي أجروها – يزيد من النمو الاقتصادي والذي يزيد بدوره من الرفاهية العامة وتقلل الفقر وتؤدي إلى الديمقراطية. هذا من الناحية الإحصائية، وهناك استثناءات معينة مثل الهند التي هي دولة ديمقراطية ولكنها ليست مزدهرة، أو دولة بورنيو التي تمتلك معدلاً عالياً في إجمالي الناتج القومي ولكنها لم تكن قط ديمقراطية. وهناك أيضاً دراسات أخرى توحي بأن زيادة جرعة الديمقراطية تزيد الحرية الاقتصادية برغم أن البعض يرى وجود آثار سلبية قليلة جداً أو معدومة لذلك.
سادساً / نظرية السلام الديمقراطي: إنَّ نتائج العديد من الدراسات المستندة إلى معطيات وتعريفات وتحليلات إحصائية متنوعة كلها أظهرت نتائج تدعم نظرية السلام الديمقراطي، فالديمقراطيات الليبرالية بحسب تلك الإحصائيات لم تدخل قط في حروب مع بعضها، والبحوث الأحدث وجدت بأن الديمقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل أيضاً ،أو ما يطلق عليها الصراعات العسكرية داخل الدولة، ولم ينجم عن تلك الحروب أكثر من (1000) قتيل، أي ما معناه بأنَّ الحروب التي حدثت بين الديمقراطيات بحالات قتل أقل،وبأنَّ الديمقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل، قد توجه انتقادات عديدة لنظرية السلام الديمقراطي .. بما فيها الإشارة إلى العديد من الحروب التاريخية ، ومن أنَّ عدم وقوع الحروب ليس سبباً مرتبطاً بنجاحها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نستحضر مقتطفين من خطاب الرئيس التركي عبدالله غول الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول2013 بعد خطاب الرئيس الأمريكي مباشرة …
قائلاً : (( إنَّ السلام ليس فقط غياب الحرب ، بل ؛ نظام عالمي قوي )) ..
ثم قال : (( الأزمات الأسوأ وهي النزاعات الداخلية ، التي تحتاج إلى نظام داخلي )).
سابعاً / انخفاض نسبة قتل الشعب : تشير البحوث إلى أن الأمم الأكثر ديمقراطية تتعرض إلى القتل بدرجة أقل من قبل حكوماتها.
ثامناً / السعادة : كلما ازدادت جرعة الديمقراطية في دولة ما ارتفع معدل سعادة الشعب.
عليه ؛ فإنَّ الملاحظ للمشهد العراقي برؤية ديمقراطية لا يرى أيّاً من تلكم المظاهر التي أوردتها الدراسات والبحوث ، ولخـَّصـَـتها بالنقاط الآنفة الذكر . الأمر الذي لا يجعلنا نرى مشهداً ديمقراطياً في العراق . كما أنه علينا ـ نحن العراقيين ـ أنْ لا نستأنسَ متوهمين بربيع ديمقراطي عراقي ، مالم تكن الديمقراطية قد آن أوان تبرعم قطافها حقـّا !