19 ديسمبر، 2024 3:10 ص

الديمقراطية والأسلام

الديمقراطية والأسلام

تميزت ألمراحل ألأولى للبعثة ألنبويه ألشريفة بأنتهاج ألطرق ألسلمية لنشر ألرسالة ألسماوية في مكة ولم يكن للسيف أو للأكراه دورا على ألأطلاق ولم يتم أجبار أحد على دخول ألسلام من عدمه ؛أما ألذين أمنوا بالرسالة وعلى ألرغم من قلتهم فأنهم بايعوا ألرسول {ص} في بيعة ألشجرة مبايعة مباشرة نساءا ورجالا تشبه ألى حد ما ألتصويت ألمباشر ألذي نشهده في وقتنا ألحاضر؛وقد تمت ألأشارة ألى هذه ألبيعة في ألقرآن ألمجيد{ لقد رضى ألله عن ألمؤمنين أذ يبايعونك تحت ألشجرة ؛فعلم ما في قلوبهم فاأنزل ألسكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} .وبقي ألنبي{ص} ينشر ألدعوة سلميا لمدة ثلاثة عشر عاما متواصلة حتى بدأت قريش بتسليط ألعذاب والتهجير ألأجباري والقتل لكثير من صحابته{رض} ويكفي ألأشارة ألى كيفية أيمان ألأمام علي{ع}كأول من أسلم من ألرجال على أن ألأيمان لم يكن لابالترغيب ولا بالترهيب لطبيعة ألعلاقة ألتي تربط ألأمام بالنبي{ص}؛ دخل ألأمام علي الى بيت ألنبوة الذي كان يسكن فيه؛ فرأى ألنبي {ص} وأم ألمؤمنين خديجة {ع}يتعبدان ؛فاستغرب لصغر سنه ولم يشاهد ذلك من قبل وعندما أنتهيا من ألتعبد وجه ألأمام علي يسأل ألنبي{ص} ماهية نوعية ألتعبد ؟ فأجابه ألنبي{ص} وكأنما يتحدث مع رجل بالغ ألرشد : لقد بعثني ألله رسولا للعالمين جميعا أدعوهم لعبادته وأهديهم الى طريق ألعدل وألصلاح على دين ألموحدين من أبائي أبراهيم وأسحق وأسماعيل ؛ توقف ألأمام علي قليلا ثم قال أمهلني لأفكر؛ وعندما عاد في أليوم ألتالي ؛ قال للرسول {ص} أعد علي ماقلته بالأمس ؛فعاد ألرسول ماقاله سابقا ؛ مد ألأمام علي يده مبايعا ألنبي {ص} قائلا: أشهد أن لااله ألا ألله وأشهد أن محمدا رسول ألله؛ وهذا ألدرس يعلمنا أن لانفرض أراداتنا ومعتقداتنا على أبنائنا بالأكراه ولكن بالحسنى وألتوضيح وألأقناع ولم يفرض دعوته على عشيرته بالقوة وألأكراه ولكن بالتي هي أحسن.
لقد تربى آل بيت ألرسول {ص} على هذه ألأخلاق وألروح ألسامية ؛ فبعد مقتل ألخليفة عثمان بن عفان {رض} هرع ألصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد ألله وألزبير بن ألعوام وجمع من ألمسلمين الى بيت ألأمام علي{ع} لمبايعته بالخلافة ؛ رفض ذلك وقال لهم {أكون لكم وزيرا خيرا من أكون لكم أميرا } وبعد أصرار أهل ألمدينة على ذلك ؛ قال أذا تكون ألبيعة في مسجد ألرسول {ص} لعموم ألمسلمين من ألمهاجرين وألأنصار وبالفعل حضرت جموع ألمسلمين لمبايعته كما حدث في بيعة ألشجرة تصويتا مباشر على أن يكون خليفة للمسلمين؛لم تكن هذه ألمرة ألوحيدة ألتي أراد بها من ألناس أن يتعلموا أختيار من يسوس أمورهم ألدينية وألدنيوية بالأنتخاب ألمباشر حسب مفاهيم ذلك ألعصر ؛ بل فعل ذلك أيضا في مسألة مبايعة ألأمام ألحسن{ع} فقد دخل عليه عبد الله بن عباس ومجموعة من ألصحابة والتابعين طالبين منه بجعل ألخلافة من بعده بأبنه ألحسن وذلك في ألأيام ألأخيرة قبل أستشهاده؛ فقال له أبن عباس { نفارقك ولانفارقك يأمير ألمؤمنين ؛أنبايع ألحسن ؛فقال لهم لأمركم ولاأنهاكم وأعادوها علية أربع مرات وأعاد نفس ألجواب ؛ثم قال لهم لاأمركم ولا أنهاكم أنتم أعرف بمن يصلح لكم لأمارتكم في دينكم ودنياكم } تجمع ألمسلمون في ألكوفة حول ألأمام ألحسن {ع} فبايعوه في مسجد ألكوفة مجتمعين بشكل مباشر .وقد كان ألأمام ألحسن مثالا في ألنبل والطهر في موقفه عندما شعر أن ألأمة ألأسلامية في خطر وأن دماءا غزيرة ستسيل وتضعف جبهة ألأمة أمام أعدائها تنازل عن ألخلافة لمعاوية حفاظا على وحدة ألأمة وسلامة كيانها وحقنا للدماء ولكن لم ينسى أن يضع في شروط وديعة ألأمام ألحسن{ع} مع معاوية أن تكون خلافة ألمسلمين بعد معاوية شورى بين ألمسلمين ؛ولكن هيهات يقوم بذلك ربيب أبوسفيان وهند بنت عتبه حيث حولها ألى ملك عضوض وحكم وراثي ظالم نعاني منه منذ أكثر من ألف سنة ألى يومنا هذا . وربما هذا ألموقف من ألأمام ألحسن يذكر حكامنا ألمتمسكين بكراس ألحكم لعشرات ألسنين ليتخلوا عنها ويسلموها لمن تنتخبه ألأمة بأرادتهاوأختيارها أسوة بدول ألعالم ألمتحضرة قبل أن تكون نهاياتهم كنهاية صدام ألعراق وقذافي ليبيا.
لقد أنتكست ألأمة عندما تحول ألحكم ألى ملك عضوض منذ تولى ألحكم معاوية ألى يومنا هذا. دعونا نتحاور بما يعتقده من ألمجددين ألأسلاميين واللبرالين عن طبيعة ألديمقراطية ألتي تصلح لنا في وقتنا ألحاضر؛ وبما أن ألحكم بالدين ليس موجودا في ألأسلام ؛يقول د.هاني فحص مفكر أسلامي :أن ألديقراطية هي حتى ألآن ألشكل ألأقل ضررا بالمجتمع نظرا للأشكاية ألدائمة في علاقة ألدولة بالمجتمع ؛ولأن ألأسلام لم يقدم نمطا أوشكلا للدولة.يقول ألنبي {ص} ؛ماحدثتكم به من أمور ألدين فهو ألحق{ألتشريع والوحي} أما فيما يتعلق بأمر دنياكم فأنتم أعرف به؛بينما يقول د. محمد جواد مغنية ؛مفكر أسلامي :أن ألولاية ألتكونية هي ليست من ضرورات ألأسلام وليست من أصول ألدين . يشير كوميت :أن ألعقل البشري مر في تطوره في ثلاث مراحل هي ألمرحلة ألدينية وألمرحلة ألعقلية وألمرحلة ألوضعية ؛ وألمرحلة ألأخيرة هي ألتي يمر بها ألعالم ألمتمدن في ألوقت ألحاضر ؛ ألتي تنظر في مصلحة ألأنسان قبل أن تنظر ألى ماوراءه في قضايا غيبية أومثالية.
ينسب ألى عمر بن عبد ألعزيز ؛ ألخليفة ألأموي أنه قال: في كيفية قيادة ألرعية ؛ وألله ماأستطيع أن أخرج لهم شيئا من ألدين ألا ومعه ظرف من ألدنيا ؛ أستلين به قلوبهم ؛ خوفا أن ينخرق  علي منهم مالاطاقة لي به.أننا يجب أن نفرق بين ألدين وألكهانة كما يقول ألأستاذ خالد محمد خالد{في كتابه من هنا نبدأ} وكل دين يصير كهانة أذا أستأجره ألسلاطين وجعلوا أربابه وعاظا لهم.أن ألحرية بدون عدالة ليست حرية ؛بل فوضى لتوائم من ألأستبدادات ألمدمرة؛فأن ألديمقراطية كما يقول ألفحص:لابمعناها ألسياسي ألصرف وحده ؛بل بمدلولها ألواسع أيضا ألذي يمتد ألى ألشأن ألأجتماعي وألأقتصادي وألتنموي ألشامل هي ألتي تجمع ألحرية مع ألعدالة في بيئة مدنية ؛وبناءا على ذلك لايعود من شأن ألفقيه أو ألفقه أن يصف شكل ألدولة أو يقترح طريقة تشكيلها ألا في حدود كونه شريكا متكافئا مع ألأخرين من أهل ألمعرفة بهذا ألشأن وأهل ألخبرة ويصبح ألفقه ثقافة معيارية ؛معيارها ألحرية وألعدالة والحق والقانون؛ وعلى ألفقيه أن يكون موقعه أرشادي حاضن لامولوي قابض؛ لأن ألمولي هو ألله ألمطلق أما ألولاية على ألأمة فهي للأمة.أن ألأستبداد ألعلماني من شاه أيران ألى صدام حسين ربما يكون أقل فتكا بالدين وأهله من أستبداد أهل ألدين بالدين وأهله.لاينكر تغير ألأحكام بتغير ألأزمان ولذلك كانت أيات ألله أثناء تنزيلها تنسخ وتعمم وتخصص بحسب ألزمان تأمينا لنفع ألأنسان ؛يقول ألأمام علي { العقل شرع من ألداخل  وألشرع عقل من ألخارج}. لايمكن تجديد دولة ألمدينة أو تطبيقها في ألوقت ألحاضر ؛ ألشريعة نزلت بسبب ألعلة في ذلك ألوقت ويمكن تغير ألعلة بسبب تطور ألوقت مثل ألغنيمة وما ملكت أيمانكم ؛ أبن ألقيم يقول { أينما يكون ألعدل تكون ألشريعة؛ هناك فرق بين ألعقيدة والشريعة ؛ فالعقيدة ثابتة والشريعة متغيرة}.يشير د. حامد عبد ألصمد {استاذمصري جامعي}:أن من ألمستحيل للأمة ألأسلامية أن تتقدم وتبدع قبل أن تتحرر من مأسيها وعقدها ومحرماتها ؛ وقبل أن تنجح في تحويل دينها ألى دين روحاني صرف دون تدخل من أنسان أو هيئة أو مؤسسة أو مافيا دينية في كيفية أيمانه.
أن ألتنوير ألعربي ألأسلامي بدأ ينتشر في أوساط ألشبيبة وينغرس عمقا في ألأرض ؛ صحيح أن ألكتب ألخرافية ألصفراء لاتزال واسعة ألأنتشار وتشكل ألغذاء أليومي للكثيرين ؛ ولكن ينبغي ألا نستهين بالجهود ألتي بذلها ألتنويرين في مصر وتونس ؛ كل هذا فعله لنا جيلا جديدا مدهشا حقا هذا ما أشار أليه ألكاتب ألسوري هاشم صالح.وفي ألنهاية نستطيع القول أن ألأمم تمر بمراحل عديدة وهذه ألمراحل قد تتقاطع فيما بينها وقد تتلاقى ولكن من ألمؤكد أن ألديمقراطية ألتي تختارها ألشعوب وتحدد ملامحها وشروطها هي ألأفضل أذا ما ألتزمت بحق ألأقتراع ألحر ألمباشر وتبادل ألسلطة وحرية ألتعبير وأحترام حقوق ألأقليات وضمان حقوق ألمرأة بالمساواة مع ألرجل في كافة مجالات ألحياة ؛ هو ألطريق ألأفضل نحو مستقبل باهر وطمأنينة تعم ألجميع وبعكس ذلك فأن طريقنا سيكون محفوفا بالمخاطر وربما تختفي أمتنا كما أختفت أمم من قبلنا نقرأ عنها في كتب ألتاريخ ولم يبقى منها سوى ألأثار ؛ ويعتمد بقائنا كأمة قائمة تشارك في ألحضارة ألأنسانية كما كانت من قبل على جديتنا بالتخلص من ألشرانق ألتي تحيط بعقولنا وتجرنا نحوألقاع وربما ألى ألمجهول!!. وكما يقول تشرشل { أن الديقراطية نظام سيئ ولكن توجد أنظمة اسوء منه}.

أحدث المقالات

أحدث المقالات