9 أبريل، 2024 8:19 ص
Search
Close this search box.

الديمقراطية هي المصدر الوحيد الشرعي للسلطة في العالم الحديث/ فرانس فوكاياما

Facebook
Twitter
LinkedIn

هناك أسس واقعية نناقش بها ديمقراطيات الدول المتقدمة، في المقابل نضع أمامك أهمية الممارسة الانتخابية وماذا تنتج في المستقبل من تحولات حتمية نحو النهوض والاستقرار، إذ لا طريق أمامنا إلا التصميم والانتظار للتحول البطيء نحو الديمقراطية الصحيحة. هذه أمثلة من التحوّلات الحتميّة الَتِي صاحبة الدّول الَتِي امتازت بالتعسف والعنف والديكتاتورية. مثلاً:

انتخاب الرئيس ماريو سواريز رئيساً للبرتغال بعد الخوف من عدم الاستقرار وخطر الحرب الأهلية.

الحكم الديمقراطي المنتخب في البير بعد اثنتي عشر سنة من الأنظمة العسكريّة.

حكم الفونسين في الأرجنتين بعد حرب المالوين عام ١٩٨٢ وحذا حذوها الأرغواي والبرازيل والشيلي وسقوط الحكم السانديني في نيكاراغوا. لا شك أن هَذَه التحوّلات صاحبتها مشاكل داخليّة صعبة وأخرى خارِجية كمشاكل الديون المترتبة، لكنها اكتسبت تِلْك الشعوب من التجربة المضنية السابقة جرعات مضادة مكنتها من عدم الرّجوع إلى الخلف والصمود بوجه تِلْك المشاكل.

وقف العالم المتحضر أخيرا على مرتكزات أصبحت بديلاً عما عانته من تجارب أليمة وعصور كبدتها مزيداً من عدم الاستقرار والكثير من الدماء، كأمثال الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، وحرب الأعراق فضلاً عن الحرب العالميّة الأولى والثانية.

وأخيرا عند هذه الشعوب انهار عصر الديكتاتوريات.

لا شك إنني أبادلك الرأي على والواقع المبتذل الذي يحيط بنا، وعلى تسلط مجموعة من الفاسدين على أنظمة الحكم، وعدم حصول التطور، ولا الرجاء المنشود في ظل ديمقراطية كسيحة، أضف عليها التسلط المعنوي والمادي للأحزاب الحاكمة، فضلا عن الإجهاضات الكبيرة والكثيرة التي حصلت على مستوى الاقتصاد أو الأمن، أو الحالة الاجتماعية الفردية أو الجماعية للمواطنين.

هذه الإخفاقات سببت للجميع انكسار نفسي واعتراضات مختلفة، منها على نحو الاحتجاج، والآخر على نحو فقدان الأمل.

بالحقيقة نحن ليس أمامنا من خيارات عديدة!، كي نناقش من خلالها أي من هذه الخيارات هي الأفضل؟ رغم كل المعناة المستمرة في إجهاض بنية الدولة ومؤسساتها، لكننا لا نملك خيارات حضارية أكثر من الاعتراض والاحتجاج والسير نحو السياقات الديمقراطية.

هل نملك زمام الانقلاب؟

هذا الأمر من السطحية الكبيرة مناقشته لأنه ببساطة لن نصل به إلى نتائج تكون أفضل ما نطمح له لاعتبارات عدة منها:

1-التدخلات والاستحواذ الخارجي.

2- العجز الاقتصادي

3- اختلاف التوجهات والمشارب والولاءات ليخلق تطاحن إضافي وحروب من الكثرة تكون بلا مسميات.

4- الرعاية الدولية التي لا تسمح بإحداث انقلاب في وضع لازال يسمى مؤهل نحو الديمقراطية لأنه جاء بصيغة شرعية دستورية من خلال الانتخاب.

5- لا ضمانات في هذا العمل، بل من الممكن جدا إحداث فارق زمني كبير بالرجوع للخلف بين ما نحن عليه وبين ما سنصبح عليه.

6- مزيدا من التضحيات مزيدا من الدم مزيدا من الفوضى ومزيدا من التراجع… الخ.

نحن أمام حصيلة سيئة من التجارب التاريخية المحفوفة بالمخاطر والانقلابات التي لم تعطي دلالات مطمئنة في يوم ما، لتجعلنا واثقين بمستقبل أفضل، فتاريخ العراق مملوء بتلك التجارب المزعجة والتي كلفتنا الكثير.

التحديث متوقف عليك:

لا تعتبر هذه الكلمة مستهلكة وبالية، إنها الحقيقة.

كانت نظرة المراقبين على الشعب البرتغالي انه الشعب المصاب “بالسوداوية السلبية” التي لا تنتهي، أن ما حصل في البرتغال في عهد ديكتاتورية الدكتور سالازار وخلفه مارسيللو والتحولات التي طرأت على المشهد أثبتت لكل المراقبين أن الشعب البرتغالي شعب يملك وعيا، ومجتمعا مدنيا قويا. مما أدهش المراقبين في هذا التحول الديمقراطي.

كذلك التحول نحو الديمقراطية الذي حصل في إسبانيا في السنة التي تلت ثورة القرنفل.

كذلك عودة اليونان ولأرجنتين نحو طريق السلطة المدنية.

أيضا (اوربا، أمريكا اللاتينية، أفريقيا الجنوبية…. الخ)

هذه التحولات نحو الديمقراطية لم تقم بها دولة جارة أو إرادات خارجية بقدر ما توقف الأمر على إرادة شعوبها، فالأمر الأن أصبح من السهولة أن تعي أن إحداث التغيير يتوقف عليك، على ممارستك (اختيار أو اعتراض) وعلى وعيك بالاختيار وهذا هو الأهم.

إحداث هذا التغيير متوقف على عاملين:

الأول: الإرادة الشعبية في التغيير وهذا ما تقرره أنت وغيرك ولا اعتقد أن هناك اختلاف في تحقيق هذه الإرادة فالجميع يطمح للتغير.

الثاني: الوعي الذي يتضمن الية الاختيار، فليس من الممكن والمعقول أنك تريد إحداث قفزة حضارية ورفاهية ورخاء وتطور ديمقراطي في بلدك، وأنت تستخدم نفس الأليات التي كنت تتبعها بالاختيار طوال السنين التي مضت!!

هنا بالفعل عليك هذه المرة تغيير الأليات في الاختيار، طريقة وعيك تعتمد على أنك كيف ستفكر وكيف ستختار؟ فان جعلت مصلحتك الشخصية فوق اعتبارات المصلحة العامة للبلد؟ فأسمح لي أن أقول لك ((أنك ورطت نفسك وورطت الأخرين وورطت البلد في الاختيار هذا))! وان ذهب تفكيرك على أساس المصلحة العشائرية أو المناطقية لو كانت تخلو من السمات الوطنية والمؤهلات الحقيقية للمرشح، فأسمح لي أن أقول لك ((أنك لا تحمل أي جانب من المسؤولية تجاه الآخرين))، فالأخرون بقدر مالهم حريتهم أيضا في الاختيار، فأنت حكمت على خيارتهم بالموت. أنك حددت معطيات الوطن وكل طوائفه وأعراقه ومشاربه في منطقتك أو عشيرتك أو مذهبك.

وعيك لا يعني أنك ستختار من هو قريب منك أو من مذهبك أو من أصدقائك هذا لا يسمى وعي، الوعي له مقومات في حالة الاختيار ومعايره تعتمد على (الشهادة، والوطنية، والكفاءة، والنزاهة، والخبرة…الخ) لا تترجى خيرا من مرشح يستجدي منك الصوت هذا احذره!! ترجى خيرا من مرشح قبل أنى يطلب منك صوتك أن يقدم لك سيرته الذاتية، بل أكثر من ذلك خذ منه ضمانات وطنية وصكوك تعهد انه يعمل وفق البرنامج الذي يذكره لك، “دون كل ملاحظاتك عليه واحفظها وحاسبه عليها وانقده فيها”. هكذا هي الوسيلة الوحيدة في نضج الديمقراطية والتحول المنشود نحو دولة مدنية.

حزبك والولاءات:

الأحزاب في كل دول العالم حالة لا تشكل خطرا، وليست ذات أبعاد مزعجة أو سلبية بقدر ماهي أيدولوجيات تتصارع فيما بينها للوصول إلى الحكم وتنفيذ برامجها.

التعددية هي من الأهمية في إعطاء فرص أكبر بالنهوض وليست تعدد الأحزاب أو تعدد الآراء من المشكلة في شيء.

أين المشكلة؟

المشكلة التعددية الفائقة للحاجة وللمنطق، والتي تحمل نفس الهدف والبرنامج والايدلوجيا هذه من السمات الفوضوية في كيان أي بلد.

كم حزب لدينا وكم تيار وكم حركة تحمل نفس المضمون والفكر والأسلوب والمنطق؟

ألا يعني لك شيء هذا؟ انه يعني أن هؤلاء يتصارعون على المنصب فحسب، على حقوقهم قبل حقوقك، على اهتماماتهم الشخصية قبل اهتماماتك الوطنية وحقوقك وواجباتك.

لو كانوا فعلا ذوي خبرة وحس وطني لما حصل كل هذا التعدد بينما الملامح والسمات لديهم واحدة ومشتركة في الفكر.

أنت بينهم ماذا؟

أنت عبارة عن المولد لحركتهم ونشاطهم ونفوذهم، وصوتك لهم هو عبارة عن استمرار هذه التعددية المفرطة واستمرار معاناتك أنت، لا هم.

أنت مستفيد من وجودهم؟

لا أشكال في ذلك، أبقي مستفيد لكن لماذا تكون أسيرا للايدلوجية المفروضة عليك، لماذا لا تحرك وعيك وتفكر بمصير الأخرين كما تفكر بمصيرك من الممكن أن يبقى أحدهم أو بعضهم ضمن دائرة اهتمامك، لكن كن حرا في اختيارك اجعل من عقلك بلا ضغوط اتركه يفكر بصورة منطقية في اتخاذ ما يلزم لا في اتخاذ ما يلزموك به!

الولاءات الحزبية بتشكيلها الحالي هي قائمة على أسس مغلوطة لأنها في نهاية الأمر لا تتعدى ((الطائفية أو المناطقية أو النفعية)) أما أن الأوان أن تتحرك بصيغة أوسع من هذه الأسس؟ وتنظر إلى الأمام كي تختار بعيدا عما أنتجته المحاصصة واختياراتك السابقة. لا تغرك الأيدولوجيات الهدامة، فانت حر وكما يقول هيجل ((إن أمم الشرق تعلم أن هناك أنسانا حرا، وعالم اليونانيين والرومان كان يعلم أن بعض الناس أحرارا، ونحن بدورنا نعلم بان جميع الناس بصفتهم كائنات إنسانيه- هم أحرار بشكل مطلق)).

من هنا انطلق فلست أسيرا لاحد فانت حر لا يضعوا الأطواق على رقبتك-تحرر.

ماذا سيحصل؟

ما لذي سوف يتغير نتيجة الممارسة الانتخابية ما لذي ممكن أن يتغير؟ الوجوه نفسها والحال نفسه وما هي الا إعادة تدوير لما سبق.

سأتفق معك أن لا شيء ممكن أن يتغير الآن، لكن لاحظ أمرا لو سمحت، الذي سيتغير هو أنت! كيف؟

أنك بدأت تفكر بصورة الاعتراض وتحولت ولاءاتك إلى صيغة رفض وعدم قناعة، وبدأ عقلك يتحرر من القيود، الذي سيتغير والذي تغير هو أنت، وهذه النتيجة هي الأصل في خلق المستقبل، فالتحولات الديمقراطية السليمة بدأت في تغير قناعات الشعوب، وطريقة تفكيرهم، ودرجة وعيهم، عندما تتغير أنت تأكد أن مصير الفوضى إلى الزوال، مصير الفاسدين إلى النهاية، مصير وطنك إلى الأفضل، فقط غير من قناعاتك واجعل معيارك في الاختيار غير مفروض عليك من جهة أو ليس ضمن إطار ضيق أو ديني شخصي، تأكد إننا نسير معا في طريق امن نحو المستقبل. ((سيتغير الكثير في مشاركتك وسيتوقف الكثير عند عدم مشاركتك)) أو (مقاطعتك)، عندما تقاطع ستسمح لتوقف التحول المنشود نحو الديمقراطية الصحيحة، ستعيد انتتاج نفس الوجوه، بينما عندما تشارك ستعلن أن الوضع لازال ضمن المسار الصحيح. <<نحن ننتظر الحظة للولادة الأصيلة لنخبة ستوجد بعد حين، تعمل على تصحيح الوضع>>.

أنا احمل لك الحتمية التاريخية، إن النضال من اجل الديمقراطية والمدنية ستولد في يوم ما على يد نخبة ستخرج حاملة شعلة المنافسة ضد هؤلاء وستطيح بهم حتما، هذه نتائج الديمقراطية على مر التاريخ لدى الشعوب، وهذه الحتمية تأتي من عوامل مختلفة أهمها (عدم مقاطعتك، ووعيك، والاحتجاجات، والاعتراض، وتخليك عن مبدأ السيد والعبد)).

فشارك ولا تقاطع فالطريق لا يحسم بهذه السهولة، كي نصل بالمستقبل البعيد إلى إرساء مبادئ الحرية والمساواة والوطنية في دولة ديمقراطية حقيقية.

مقاطعتك تؤدي إلى الرجوع للخلف. بل لها مضاعفات سنتحملها جميعا ونعاني منها أنا وأنت كمواطنين، مقاطعتك هي إما تأجيل الهدف المؤمل في دولة مدنية في المستقبل، أو أسقاط قسري لذلك الجنين الذي لم تسمح له الظروف بعد بالتشكل والولادة. ساعد على إنجاز المهمة ولا تكن مانعا لدولة الإنسان.

في الختام، إن من أكثر الدول التي لم تعاني كثيرا ولم يمسها ضرر بالغ بالمقارنة مع بقية الدول وتعتبر من الدول ذات القيمة العظمى في الديمقراطية والتحضر بل كقدوة لبقية الدول هي بريطانيا.

بعد التجارب التي مر بها البريطانيون والمخاض العسير الذي خاضوه توصلوا إلى نتيجة مفادها، رفض الثورة على شاكلة الثورة الفرنسية نتيجة للتجارب الدموية التي مرت عليهم عبر التاريخ. فانهم مهما كانت مطالبهم ملحة، ومهمة، من قبل الفقراء والمعدمين والمحتاجين، لكنهم استخدموا في نهاية الأمر الحوار والمطالبة الصريحة والنقاشات والتجريب والتي كانت هي السائدة في التنافس السياسي، ((المجرب لا يجرب)) رأي عميق يشبه التجربة البريطانية.

ونتيجة النظام الانتخابي الذي كان سائد والذي منع اكثر من (6) ملايين فرد من الذكور أعمارهم تزيد عن (21) سنة من المشاركة بالانتخابات, والذي كان من ابرز معالم هذا النظام الانتخابي, النفوذ الموروث, والرشوة والفساد, والشروط المالية الصعبة, التي تفرض للمشاركة في الانتخابات, ورغم كل الصعوبات ومحاولات الإصلاح التي كانت لا تعني المقاطعة بل التحرك بشكل جاد, ومحاربة النفوذ الرأسمالي والطبقة الأرستقراطية والتي كانت تدافع عن مصالحها وبقائها, إلا إن أول الإصلاحات جاءت عام 1852م عندما اقر قانون مكافحة الرشوة , والفساد, وبيع الأصوات في الانتخابات التشريعية, والذي تلته قوانين أخرى حتى قانون الإصلاح لعام 1867م وإقرار قانون عام 1872م. والذي شمل قانون الإصلاح العام الذي حضي بالتايد الشعبي, والذي اعتبر انتصارا كبير للديمقراطية البريطانية وإضافة جديدة في مسيرتها الطويلة نحو الديمقراطية. والذي ختم بعدها بالعصر الفيكتوري عام 1901م والذي يعتبر المرحلة المهمة في نضوج التجربة البريطانية والثورة الصناعية.

من خلال هذه التجارب، نعتبر أنفسنا إننا سائرون نحو الحتميات التي تفرضها علينا الصيرورة الديمقراطية في فرض نفسها على الواقع، لكن ضمن إرادة الشعوب وكفاحها من اجل الاستقرار. لا محيص من هذا الأمر دام نحن نمارس المشاركة الديمقراطية وان كانت متأخرة لكن هي الأسمى في الوصول إلى الاستقرار. وأمامك بريطانيا الدولة العظمى كم عانت؟ لكن في نهاية المطاف انتصرت لغة الحوار والنقاش والاعتراض والاحتجاج والاختيار، والضغط، والكفاح السلمي، من اجل الحريات والتمثيل الحق لكل المكونات. وانظر كيف حصلت لديها النهاية الحتمية نتيجة دينامية شعبها.

كن حرا حركيا ديناميكا فاعلا، ولا تكن ساكنا مقاطعا….. فالنهاية الحتمية للديمقراطية هي المدنية (دولة الإنسان).

المصادر

نهاية التاريخ والإنسان الأخير / فرانس فوكياما

التطور الديمقراطي في بريطانيا / أ.د. موسى محمد ال طويرش

انور الموسويانور الموسويانور الموسوي

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب